مختصر تفسير ابن كثير المجلد الاول

مختصر تفسير ابن كثير

المجلد الاول

متسلسل العدد النوع العنوان الوصف
1 - - المجلد الاول
2 - - مقدمة [الصابوني] بسم الله الرحمن الرحيم [مختصر لتفسير الامام الجليل الحافظ عماد الدين ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ. اختصار محمد علي الصابوني استاذ التفسير بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية - مكة المكرمة - جامعة الملك عبد العزيز] ان الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور انفسنا، وسيئات اعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، انزل كتابه الكريم بالحجة الدامغة، والبرهان الناصع، موعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، واشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله المنزل عليه: {وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون} صلى الله عليه وعلى اله واصحابه، نجوم الهدى، وشموس العلم والعرفان، والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. اما بعد: فقد قيض الله - جل ثناؤه - لكتابه العزيز علماء اتقياء، ومخلصين اوفياء، من اعلام الهدى، وائمة الصلاح والدين، سهروا على خدمة القران العظيم، وبذلوا قصارى جهدهم لتوضيح معانيه، وبيان اسراره، وكشف دقائقه، واستخراج ما فيه من حكم واسرار، وما احتوى عليه من روائع وعجائب، فكان منهم من سلك طريق الايجاز، ومنه من سلك طريق الاسهاب والاطناب، ومنهم من اقتصر على التفسير بالماثور، ومنهم من جمع بين (الرواية والدراية) الى غير ما هنالك من طرائق المفسرين واساليبهم في القديم والحديث. ولقد كان الامام العلامة، الحافظ الثبت الثقة ابو الفداء (اسماعيل بن كثير (تنظر ترجمة المؤلف في كتاب (المنهل الصافي) للمؤرخ الشهير جمال الدين المعروف بابن تغري، وكتاب (الدرر الكامنة) للحافظ ابن حجر العسقلاني، و (ذيل التذكرة) للحافظ ابي المحاسن الحسيني، و (شذرات الذهب في اخبار من ذهب) لعبد الحي بن العماد الحنبيل، و (كشف الظنون) لحاجي خليفة، و (الرد الوافر) لابن ناصر الدين الدمشقي.) المتوفى سنة /774/ هجرية في مقدمة هؤلاء الائمة الاعلام من جهابذة المفسرين، وقد وضع تفسيرا للكتاب الكريم سماه (تفسير القران العظيم) وتفسيره هذا من خير كتب التفسير بالماثور ومن اوثقها، وهو تفسير جامع بين (الرواية) و (الدراية) .. يفسر القران بالقران، ثم بالاحاديث المشهورة في دواوين السنة المطهرة باسانيدها، ويتكلم على الاسانيد جرحا وتعديلا، فيبين ما فيها من صحيح وضعيف، وغريب او شاذ، ثم يذكر اثار الصحابة والتابيعن، قال السيوطي فيه: "لم يؤلف على نمطه مثله" وقد وضح ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره هذا المنهج الذي سلكه في تفسيره فقال: "فان قال قائل: فما احسن طرق التفسير؟ فالجواب: ان اصح الطرق في ذلك ان يفسر القران بالقران. فما اجمل في مكان، فانه قد بسط في موضع اخر، فان اعياك ذلك فعليك بالسنة، فانها شارحة للقران وموضحة له" بل قد قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القران. قال الله تعالى: {انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله} الاية، وقال تعالى: {وما انزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} وقال تعالى: {وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون}. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الا اني اوتيت القران ومثله معه" يعني السنة، والسنة ايضا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القران، الا انها لا تتلى كما يتلى القران، والغرض انك تطلب تفسير القران منه، فان لم تجده فمن السنة، فاذا لم نجد التفسير في القران ولا في السنة، رجعنا في ذلك الى اقوال الصحابة، فانهم ادرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والاحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، والائمة الاربعة الخلفاء الراشدين، والائمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم اجمعين" (مقدمة تفسير ابن كثير صفحة /12/) وانا لنجد في عصرنا الحاضر ميل الناس الى التزود من الثقافة الدينية، ولا سيما تفسير الكتاب الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وكثيرا ما يسال الانسان: اي التفاسير اسهل منالا، واجدى فائدة للقارى في الزمن القليل؟ فيقف المرء واجما حائرا لا يجد جوابا عن سؤال السائل، علما بان كتب التفسير - ولله الحمد - كثيرة، وفيها فوائد جمة، ودرر متناثرة، واسرار دينية عظيمة، ولكنها قد حشيت بالكثير من مصطلحات الفنون: من بلاغة، ونحو، وصرف، وفقه، واصول، وغير ذلك مما كان عقبة كاداء، امام العامة من القراء، لذلك دعت الحاجة الماسة الى تذليل هذه الصعاب، تيسير فهم العظيم على عامة الناس، بسلوك منهج السهولة والسلاسة، وقد اشار علينا بعض الاخوة الفضلاء ومنهم الاخ الكريم المدير العام لدار القران الكريم باختصار تفسير العلامة (ابن كثير) نظرا لفائدته الجمة، وما امتاز به عن بقية التفاسير، من تفسير القران بالقران، ثم بالسنة المطهرة، ثم باقوال الصحابة والتابعين، مع وضوح العبارة وسهولتها، وجمعه بين التفسير بالماثور، والتفسير بالمعقول، وقد سبقت معنا كلمة الامام السيوطي رحمه الله: "لم يؤلف على نمطه مثله" وهي كلم جديرة بالتدبر والاعتبار. ولما كان تفسير العلامة بان كثير رحمه الله - على ما فيه من مزايا كريمة - لا ينتفع منه الا الخاصة من العلماء، وذلك بسبب ما فيه من تطويل وتفصيل لامور لا حاجة لذكرها، وبخاصة عند ذكر الاثار المروية، والاسانيد للاحاديث الشريفة، مع ان معظمها في كتب الصحاح، وكذلك الكلام على هذه الاسانيد بالجرج والتعديل، وما فيه من خلافات فقهية لا ضرورة لذكرها، مما تجعل الفائدة منه قاصرة على فئة مخصوصة من طلبة العلم الشرعي. لذلك فقد عزمنا النية على اختصاره، وتنقيته من الشوائب، واستجابة للرغبة الملحة من اخوتنا الافاضل وبتكليف من "دار القران الكريم" ليعم به النفع، وتتحقق منه الفائدة المرجوة، علما بان اختصاره لا يعني اننا اغفلنا شطره، وحذفنا كثيرا منه، بل ان ما فعلناه لا يعدوا ان يكون حذفا لما لا ضرورة له، من الروايات المكررة، والاسانيد المطولة، والاثار الضعيفة، والاحكام التي لا حاجة لها، وبقي روح التفسير كما هو، بثوبه القشيب، وجماله الناصع، واسلوبه السهل الميسر، مع تمام الترابط والانسجام. طريقة الاختصار: وقد سلكت في منهج الاختصار لهذا التفسير الطريقة التالية اذكرها بايجاز وهي: اولا: حذف الاسانيد المطولة والاقتصار على ذكر راوي الحديث من الصحابة والاشارة في هامش الصفحة الى من خرج الحديث مثل البخاري ومسلم وغيرهما. ثانيا:الايات الكريمة التي استشهد بها المؤلف رحمه الله، على طريقته في تفسير القران بالقران، اثبتناها مع الاقتصار على مكان الشاهد منها، لانه هو الغرض الاصلي من ذكرها، ولم نذكرها كاملة اذ يكفي الاشارة اليها لفهم المقصود. ثالثا: الاقتصار على الاحاديث الصحيحة، وحذف الضعيف منها، وحذف ما لم يثبت سنده من الروايات الماثورة، مما نبه عليه الشيخ ابن كثير رحمه الله. رابعا: ذكر اشهر الصحابة عند التفسير بالماثور، كذكر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين، مع تثبيت اصح الروايات المنقولة عنهم. خامسا: الاعتماد على اقوال مشاهير التابعين، المنقولة اراؤهم نقلا صحيحا وعدم ذكر جميع اقوال التابعين، لان في بعضها ضعفا - كما في سائر الروايات - وفيها الغث والسمين، لذلك فقد اعتمدنا على اصحها واجمعها وارجحها، ضربنا صفحا عن ذكر سائرها للاسباب التي ذكرناها. سادسا: حذف الروايات الاسرائيلية، سواء كان غرض المؤلف الرد عليها، او الاستشهاد بها على سبيل الاستئناس لا على سبيل القطع واليقين، اذ في الاثار الصحيحة ما يغني عن الاستشهاد بالروايات الاسرائيلية. سابعا: حذف ما لا ضرورة له من الاحكام والخلافات الفقهية، والاقتصار على الضروري منها دون حشو او تطويل. ولا يفوتني - وانا اكتب هذه المقدمة الموجزة على تفسير العلامة ابن كثير - ان اتقدم بالثناء العاطر، والشكر الجزيل، لدار القران الكريم على جهودها المشكورة في نشر وطبع هذا التفسير القيم، والاشراف على تصحيحه، وترتيبه، وتبويبه، واخراجه بهذا الشكل الجميل، الذي ارجو ان ينال اعجاب السادة القراء. والله اسال ان ينفع به المسلمين، وان يجعله خالصا لوجهه الكريم، ويبقيه ذخرا لي يوم الدين {يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم} وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم
3 - - مقدمة تفسير ابن كثير قال الشيخ الحافظ (عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن كثير) رحمه الله تعالى ورضي عنه: الحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال: {الحمد لله رب العالمين} وافتتح خلقه بالحمد فقال: {الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور} واختتمه بالحمد فقال بعد ذكر مال اهل الجنة واهل النار: {وقضي بينهم بالحق، وقيل الحمد لله رب العالمين} فله الحمد في الاولى والاخرة، اي في جميع ما خلق وما هو خالق، هو المحمود في ذلك كله، ولهذا يلهم اهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، واخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين}. والحمد لله الذي ارسل رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وختمهم بالنبي الامي، العربي المكي، الهادي لاوضح السبل، ارسله لجميع خلقه من الانس والجن، من لدن بعثته الى قيام الساعة كما قال تعالى: {قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا} وقال تعالى: {لانذركم به ومن بلغ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بعثت الى الاحمر والاسود" فهو صلوات الله وسلامه عليه رسول الله الى جميع الثقلين: الانس، والجن، مبلغا لهم عن الله عز وجل ما اوحاه اليه من الكتاب العزيز {الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزل من حكيم حميد}. فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه كما قال تعالى: {واذ اخذ الله ميثاق الذين الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون} فذم الله اهل الكتاب باعراضهم عن كتاب الله، واقبالهم على الدنيا وجمعها. فعلينا ان ننتهي عما ذمهم الله تعالى به، وان ناتمر بما امرنا به، من تعلم كتاب الله المنزل الينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه قال تعالى: {الم يان للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}؟ الاية. ففي ذكره تعالى لهذه الاية تنبيه على انه تعالى كما يحيي الارض بعد موتها كذلك يحيي القلوب بالايمان، ويلينها بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسئول ان يفعل بنا هذا، انه جواد كريم فان قال قائل: فما احسن طرق التفسير؟ فالجواب: ان اصح الطرق في ذلك ان يفسر القران بالقران، فما اجمل في مكان فانه قد فسر في موضع اخر فان اعياك ذلك فعليك بالسنة فانها شارحة للقران وموضحة له قال تعالى: {وما انزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الا اني اوتيت القران ومثله معه" يعني السنة المطهرة. والغرض انك تطلب تفسير القران من القران، فان لم تجده فمن السنة، واذا لم نجد التفسير في القران ولا في السنة، رجعنا في ذلك الى اقوال الصحابة، فانهم ادرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والاحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبروؤهم كالخلفاء الراشدين، والائمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود، فقد قال ابن مسعود: "والذي لا اله غيره، ما نزلت اية من كتاب الله الا وانا اعلم فيمن نزلت، واين نزلت، ولو اعلم احدا اعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لاتيته" (رواه ابن جرير الطبري عن مسروق عن عبد الله بن مسعود) وقال ابو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا انهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا اذا تعلموا عشر ايات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القران والعمل جميعا" ومنهم (عبد الله بن عباس) الحبر البحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القران ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال: " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التاويل". وقد قال عبد الله بن مسعود: "نعم ترجمان القران ابن عباس". وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟ ولهذا غالب ما يرويه (السدي) الكبير في تفسيره عن هذين الرجيلين (ابن مسعود) و (ابن عباس) ولكن في بعض الاحيان ينقل عنهم ما يحكونه من اقاويل اهل الكتاب، التي اباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال "بلغوا عني ولو اية، وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار" (رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص) ولكن هذه الاحاديث الاسرائيلية تذكر اللاستشهاد لا للاعتضاد، وهي على ثلاثة اقسام: احدها: ما علمنا صحته مما بايدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه فذاك مردود. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى امر ديني. (فصل) : اذا لم تجد التفسير في القران، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الائمة الى اقوال التابعين ك (مجاهد بن جبر) فانه كان اية في التفسير فقد قال: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته الى خاتمته، اوقفه عند كل اية منه واساله عنها". ولهذا قال (سفيان الثوري) : اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ...وك (سعيد بن جبير) و (عكرمة مولى ابن عباس) و (عطاء بن ابي رباح) و (الحسن البصري) و (مسروق بن الاجدع) و (سعيد بن المسيب) و (قتادة) و (الضحاك) وغيرهم من التابعين ومن بعدهم، فتذكر اقوالهم في الاية فيقع في عبارتهم تباين في الالفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلاقا فيحكيها اقوالا، وليس كذلك فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي. فاما تفسير القران بمجرد الراي فحرام لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "من قال في القران برايه، او بما لا يعلم، فليتبوا مقعده من النار" (رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس واخرجه الترمذي والسائي) ولقوله صلى الله عليه وسلم : "من قال في كتاب الله برايه فاصاب فقد اخطا (رواه ابو داود والترمذي والنسائي) " اي لانه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما امر به، لانه لم يات الامر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، فقد روي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال: "اي سماء تظلني، واي ارض تقلني، اذا انا قلت في كتاب الله ما لا اعلم". وروى انس عن عمر بن الخطاب انه قرا على المنبر {وفاكهة وابا} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الاب؟ ثم رجع الى نفسه فقال: ان هذا لهو التكلف يا عمر. وروى ابن جرير بسنده عن عبيد الله بن عمر قال: لقد ادركت فقهاء المدينة وانهم ليعظمون القول في التفسير، وعن هشام بن عروة قال: ما سمعت ابي يؤول اية من كتاب الله قط، وسال محمد بن سيرين (عبيدة السلماني) عن اية من القران فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيمن انزل القران، فاتق الله وعليك بالسداد. فهذه الاثار الصحيحة وما شاكلهم عن ائمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فاما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم اقوال في التفسير، ولا منافاة لانهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل احد، فانه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} ولما جاء في الحديث الشريف "من سئل عن علم فكتمه، الجم يوم القيامة بلجام من نار" (اخرجه ابو داود والترمذي عن ابي هريرة) مقدمة مفيدة تذكر في اول التفسير قبل الفاتحة قال ابو بكر بن الانباري: نزل في المدينة من القران (البقرة، وال عمران، والنساء، والمائدة، وبراءة، والرعد، والنحل، والحج، والنور، والاحزاب، ومحمد، والفتح، والحجرات، والرحمن، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، وعشر من التحريم، واذا زلزلت، واذا جاء نصر الله) هؤلاء السور نزلت في المدينة وسائر السور بمكة. فاما عدد ايات القران العظيم فستة الاف اية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك. واما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الاجزاء من ثلاثين كما في الربعات بالمدارس وغيرها. فصل: واختلف في معنى السورة مما هي مشتقة؟ فقيل: من الارتفاع (قال النابغة: الم تر ان الله اعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب) فكان القارىء ينتقل بها من منزلة الى منزلة، وقيل: لشرفها وارتفاعها كيور البلد لاحاطته بمنازله ودوره، وقيل: سميت سورة لكونها قطعة من القران وجزءا منه. واول الاية: فاصل معناها العالامة، سميت بذلك لانقطاع الكالم الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالها، اي هي بائنة عن اختها ومنفردة قال تعالى: {ان اية ملكه ان ياتيكم التابوت}. وقيل: سميت اية لانها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها. واما الكلمة: فهي اللفظة الواحدة، وقد تكون على حرفين مثل "ما" و"لا" ونحو ذلك وقد تكون اكثر، واكثر ما تكون عشرة احرف مثل {انلزمكموها} و{فاسقيناكموه} وقد تكون الكلمة الواحدة اية مثل {والضحى} ومثل {والفجر} فصل: قال القرطبي: اجمعوا على انه ليس في القران شيء من التراكيب الاعجمية، واجمعوا ان فيه اعلاما من الاعجمية ك (ابراهيم) و (نوح) و (لوط) واختلفوا: هل فيه شيء من غير ذلك بالاعجمية؟ فانكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا: ما وقع فيه مما يوافق الاعجمية فهو من باب ما توافقت فيه اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم (انظر التحقيق الذي ذكرناه في كتابنا "التبيان في علوم القران" صفحة /225/ تحت عنوان (هل في القران الكريم الفاظ غير عربية) ؟.
4 7 احاديث 1 - سورة الفاتحة [مقدمة] تسمى "الفاتحة" لانه تفتتح بها القراءة في الصلوات، ويقال لها ايضا "ام الكتاب" ولها اسماء منها "الحمد" و"الشفاء" و"الواقية" و"الكافيه" و"اساس القران". قال البخاري: "وسميت - ام الكتاب - لانه يبدا بكتابتها في المصاحف، ويبدا بقراءتها في الصلاة". وقال الطبري: والعرب تسمي كل جامع امرا او مقدم لامر "اما "فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ "ام الراس" ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها "اما " قال ذو الرمة: على راسه ام لنا نقتدي بها * جماع امور ليس نعصي لها امرا روى الامام احمد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في ام القران: "هي ام القران، وهي السبع المثاني، وهي القران العظيم" ورواه ابن جرير ايضا بنحوه. "ما ورد في فضل سورة الفاتحة" اولا: عن ابي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: "كنت اصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم اجبه حتى صليت، قال: فاتيته، فقال: ما منعك ان تاتيني؟ قال: قلت يا رسول الله اني كنت اصلي، قال: الم يقل الله تعالى: {يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم}؟ ثم قال: لاعلمنك اعظم سورة في القران قبل ان تخرج من المسجد، قال: فاخذ بيدي فلما اراد ان يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله انك قلت لاعلمنك اعظم سورة في القران، قال: نعم {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقران العظيم الذي اوتيته" (اخرجه احمد ورواه البخاري وابو داود والنسائي وابن ماجة) ثانيا: وعن ابي بن كعب رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما انزل الله في التوراة ولا في الانجيل مثل "ام القران" وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي نصفين" (رواه الترمذي والنسائي عن ابي هريرة عن ابي بن كعب) هذا لفظ النسائي. ثالثا: وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: ان سيد الحي سليم (اي لديغ) وان نفرنا غيب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نابنه (ما كنا نابنه: اي نعيبه او نتهمه) برقيه، فرقاه فبرا، فامر له بثلاثين شاة، وسقانا لبنا، فلما رجع قلنا له: اكنت تحسن؟ او كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت الا باثم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى ناتي او نسال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما كان يدريه انها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم" (رواه البخاري ومسلم وابو داود، وفي بعض روايات مسلمز ان (ابا سعيد الخدري) وهو الذي رقى ذلك اللديغ) . رابعا: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل، اذ سمع نقيضا فوقه، فرفع جبريل بصره الى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابشر بنورين قد اوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرا حرفا منها الا اوتيته" (رواه مسلم والنسائي عن ابن عباس. ومعنى قوله (نقيضا) اي صوتا) . خامسا: وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرا فيها بام القران فهي خداج - ثلاثا - غير تمام" فقيل لابي هريرة: انا نكون وراء الامام؟ فقال: اقرا بها في نفسك، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سال، فاذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي، واذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله: اثنى علي عبدي، فاذا قال: {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض الي عبدي، فاذا قال: {اياك نعبد واياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال، فاذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم.صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سال" (رواه مسلم عن ابي هريرة) الكلام على ما يختص بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة اولا: اطلق فيه لفظ "الصلاة" والمراد القراءة كقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} اي بقراءتك، فدل على عظم القراءة في الصلاة، وانها من اكبر اركانها، كما اطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله {وقران الفجر} والمراد صلاة الفجر. ثانيا: واختلفوا في مسالة وهي: هل تتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ام يجزىء غيرها؟ على قولين مشهورين: ا - فعند ابي حنيفة ومن وافقه من اصحابه انها لا تتعين، بل مهما قرا به من القران اجزاه، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القران} وبما ثبت في الصحيحين من حديث المسيء صلاته، وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ثم اقرا ما تيسر معك من القران" فامره بقراءة ما تيسر، ولم يعين له الفاتحة. ب - والقول الثاني انه يعين قراءة الفاتحة، ولا تجزىء الصلاة بدونها، وهو قول بقيه الائمة (مالك والشافعي واحمد) واحتجوا بهذا الحديث " فهي خداج" والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث "غير تمام" واحتجوا بحديث "لا صلاة لمن لم يقرا بفاتحة الكتاب" (رواه الشيخان عن ابي هريرة رضي الله عنه) وبحديث "لا تجزىء صلاة لا يقرا فيها بام القران" (رواه ابن خزيمة وابن حبان عن ابي هريرة ايضا) والاحاديث في هذا الباب كثيرة. ثالثا: (مسالة) هل تجب قراءة الفاتحة على الماموم؟ فيه ثلاثة اقوال للعلماء: احدها: انه تجب عليه قراءتها كما تجب على الامام لعموم الاحاديث المتقدمة. والثاني: لا تجب على الماموم قراءة بالكلية، لا في الجهرية ولا في السرية لقوله عليه السلام: "من كان له امام فقراءة الامام له قراءة" (رواه الامام احمد عن جابر بن عبد الله وفي اسناده ضعف) والثالث: تجب القراءة على الماموم في (السرية) لا في (الجهرية) لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "انما جعل الامام ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا، واذا قرا فانصتوا" (رواه مسلم عن ابي موسى الاشعري) . تفسير الاستعاذة - 1 - قال الله تعالى: {واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم} - 2 - وقال تعالى: {وقل رب اعوذ بك من همزات الشياطين. واعوذ بك رب ان يحضرون}. - 3 - وقال تعالى: {وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم}. فهذه ثلاث ايات ليس لهن رابعة في معناها. فالله تعالى يامر بمصانعة (العدو الانسي) والاحسان اليه، ليرده عنه طبعه الى الموالاة والمصافاة. ويامر بالاستعاذة من (العدو الشيطاني) لا محالة، اذ لا يقبل مصانعة ولا احسانا، ولا يبتغي غير هلاك ابن ادم، لشدة العداوة بينه وبين ابيه ادم كما قال تعالى: {ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} وقال تعالى: {افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو}؟ وقد اقسم لادم وكذب عليه، فكيف معاملته لنا وقد قال: {فبعزتك لاغوينهم اجمعين}؟ وقالت طائفة من القراء: يتعوذ بعد القراءة، واعتمدوا على ظاهر سياق الاية. والمشهور الذي عليه الجمهور: ان الاستعاذة انما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها، ومعنى الاية {فاذا قرات القران} اي اذا اردت القراءة، كقوله تعالى: {اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا} اي اذا اردتم القيام، ويدل عليه ما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا قام من الليل استفتح صلاته بالتكبير والثناء ثم يقول:" اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه" (رواه احمد عن ابي سعيد الخدري واخرجه اصحاب السنن الاربعة) ومعنى: "اعوذ بالله من الشيطان الرجيم" اي استجير بجناب الله من الشيطان الرجيم ان يضرني في ديني او دنياي، او يصدني عن فعل ما امرت به، فان الشيطان لا يكفه عن الانسان الا الله، والاستعاذة: هي الالتجاء الى الله تعالى من شر كل ذي شر، والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذ يكون لطلب الخير كما قال المتنبي: يا من الوذ به فيما اؤمله * ومن اعوذ به مما احاذره لا يجبر الناس عظما انت كاسره * ولا يهيضون عظما انت جابره و (الشيطان) في لغة العرب مشتق من شطن اذا بعد، فهو بعيد بفسقه عن كل خير، وقيل: من شاط لانه مخلوق من نار والاول اصح، قال سيبويه: العرب تقول: تشيطن فلان اذا فعل فعل الشياطين، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل متمرد من جني وانسي وحيوان "شيطانا" قال تعالى{شياطين الانس والجن} وركب عمر برذونا فجعل يتبختر به، فضربه فلم يزدد الا تبخترا، فنزل عنه وقال: ما حملتموني الا على شيطان لقد انكرت نفسي (رواه ابن وهب عن زيد بن اسلم عن ابيه واسناده صحيح) و (الرجيم) فعيل. بمعنى مفعول، اي انه مرجوم مطرود عن الخير كما قال تعالى: {وجعلناها رجوما للشياطين} وقال تعالى:{وحفظناها من كل شيطان رجيم. الا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين}.
5 171 احاديث 2 - سورة البقرة [مقدمة] جميعها مدنية بلا خلاف، وهي من اوائل ما نزل، واياتها مائتان وثمانون وسبع ايات. ذكر ما ورد في فضلها اولا: عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا فان البيت الذي تقرا فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان" (رواه مسلم واحمد والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح.) ثانيا: وعن سهل بن سعد رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان لكل شيء سناما، وان سنام القران البقرة، وان من قراها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال" (رواه الطبراني وابن حبان وابن مردويه عن سهل بن سعد) ثالثا: وعن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا - وهم ذوو عدد - فاستقراهم فاستقرا كل واحد منهم ما معه من القران، فاتى على رجل من احدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟ فقال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال: امعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فانت اميرهم (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابي هريرة رضي الله عنه) . رابعا: وعن ابي امامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقراوا القران فانه شافع لاهل يوم القيامة، اقراوا الزهراوين (البقرة وال عمران) فانهما ياتيان يوم القيامة كانهما عمامتان او غيايتان، او كانهما فرقان من طير صواف يحاجان عن اهلهما يوم القيامة، ثم قال: اقراوا البقرة، فان اخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" (رواه احمد ومسلم عن ابي امامة الباهلي) الزهروانا: المنيرتان، والغياية: ما اظلك من فوقك، والفرق: القطعة من الشيء، والبطلة: السحرة. خامسا: وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقران يوم القيامة واهله الذين كانوا يعملون به، تقدمهم سورة البقرة وال عمران". بسم الله الرحمن الرحيم تتمة الاية 61: وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون يقول تعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} اي وضعت عليهم والزموا بها شرعا وقدرا، اي لا يزالون مستذلين من وجدهم استذلهم واهانهم وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في انفسهم اذلاء مستكينون. يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون، قال الضحاك: {وضربت عليهم الذلة} قال: الذل، وقال الحسن: اذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت اقدام المسلمين، ولقد ادركتهم هذه الامة وان المجوس لتجيبهم الجزية، وقال ابو العالية والسدى: المسكنة الفاقة، وقوله تعالى: {وباؤا بغضب من الله} استحقوا الغضب من الله، وقال ابن جرير: يعني بقوله {وباؤوا بغضب من الله}: انصرفوا ورجعوا، ولا يقال باء الا موصولا اما بخير واما بشر، يقال منه: باء فلان بذنبه يبوء به، ومنه قوله تعالى: {اني اريد ان تبوء باثمي واثمك} يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني، فمعنى الكلام رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب ووجب عليهم من الله سخط. وقوله تعالى: {ذلك بانهم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق} يقول الله تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة واحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بايات الله واهانتهم حملة الشرع وهم (الانبياء) واتباعهم، فانتقصوهم الى ان افضى بهم الحال الى ان قتلوهم فلا كفر اعظم من هذا، انهم كفروا بايات الله وقتلوا انبياء الله بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" (هذا جزء من حديث شريف واوله "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.."الحديث) يعني رد الحق وانتقاص الناس والازدراء بهم والتعاظم عليهم. ولهذا لما ارتكب بنوا اسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بايات الله وقتلهم انبياءه،احل الله بهم باسه الذي لا يرد، وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الاخرة جزاء وفاقا. عن عبد الله بن مسعود قال: "كانت بنوا اسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من اخر النهار" (رواه ابو داود الطيالسي) وعن عبد الله بن مسعود: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي او قتل نبيا، وامام ضلالة وممثل من الممثلين" (رواه الامام احمد في مسنده) وقوله تعالى: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} وهذه علة اخرى في مجازاتهم بما جوزوا به انهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حد الماذون فيه والمامور به، والله اعلم. (تابع... 1): 99 - ولقد انزلنا اليك ايات بينات وما يكفر بها الا الفاسقون... ... وكذلك قوله تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام حيث قال: {ان هي الا فتنتك} اي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، وقد استدل بعضهم بهذه الاية على تكفير من تعلم السحر واستشهد له بالحديث الصحيح: "من اتى كاهنا او ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم " (رواه البزار بسند صحيح) وقوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} اي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر، ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الافاعيل المذمومة، ما انهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع الشياطين كما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ان الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فاقربهم عنده منزلة اعظمهم عنده فتنة، يجيء احدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول ابليس: لا والله ما صنعت شيئا! ويجيء احدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين اهله، قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم انت (رواه مسلم عن جابر بن عبد الله) " وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل الى الرجل او المراة من الاخر من سوء منظر او خلق او نحو ذلك من الاسباب المقتضية للفرقة. وقوله تعالى: {وما هم بضارين به من احد الا باذن الله} قال سفيان الثوري: الا بقضاء الله، وقال الحسن البصري: من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشا الله لم يسلط، ولا يستطيعون من احد الا باذن الله وقوله تعالى: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} اي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة من خلاق} اي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك، انه ما له في الاخرة من خلاق، قال ابن عباس من نصيب، {ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون} يقول تعالى {ولبئس} البديل ما استبدلوا به من السحر عوضا عن الايمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم علم بما وعظوا به {ولو انهم امنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} اي ولو انهم امنوا بالله ورسله واتقوا المحارم، لكان مثوبة الله على ذلك خيرا لهم مما استخاروا لانفسهم ورضوا به كما قال تعالى: {وقال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن امن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون}. وقد استدل بقوله: {ولو انهم امنوا واتقوا} من ذهب الى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الامام احمد ابن حنبل وطائفة من السلف، وقيل: بل لا يكفر ولكن حده ضرب عنقه، لما رواه الشافعي واحمد بن حنبل عن عمرو بن دينار انه سمع بجالة بن عبدة يقول: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر (رواه البخاري من صحيحه) وصح ان حفصة ام المؤمنين سحرتها جارية لها فامرت بها فقتلت، قال الامام احمد ابن حنبل: صح عن ثلاثة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر، وروى الترمذي عن جندب الازدي انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حد الساحر ضربه بالسيف" (رواه الترمذي عن جندب الازدي مرفوعا وقال: لا نعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه) وقد روي من طرق متعددة ان الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب راس الرجل ثم يصيح به فيرد اليه راسه، فقال الناس: سبحان الله يحيي الموتى!! وراه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان الغد جاء مشتملا على سيفه، وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال: ان كان صادقا فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: {اتاتون السحر وانتم تبصرون} فغضب الوليد اذ لم يستاذنه في ذلك فسجنه ثم اطلقه، والله اعلم. وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركا، والله اعلم. فصل حكى الرازي في تفسيره عن المعتزلة انهم انكروا وجود السحر، قال: وربما كفروا من اعتقد وجوده، واما اهل السنة فقد جوزوا ان يقدر الساحر ان يطير في الهواء، ويقلب الانسان حمارا والحمار انسانا، الا انهم قالوا: ان الله يخلق الاشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة، فاما ان يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافا للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر، وانه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: {وما هم بضارين به من احد الا باذن الله}. ومن الاخبار بان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر وان السحر عمل فيه، وبقصة المراة مع عائشة رضي الله عنها، وما ذكرت من اتيانها بابل وتعلمها السحر. ثم قد ذكر ابو عبد الله الرازي ان انواع السحر ثمانية (الاول) : سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة وكانوا يعتقدون انها مدبرة العالم وانها تاتي بالخير والشر وهم الذين بعث الله اليهم ابراهيم الخليل مبطلا لمقالتهم ورادا لمذهبهم. (والنوع الثاني) : سحر اصحاب الاوهام والنفوس القوية، ثم استدل على ان الوهم له تاثير بان الانسان يمكنه ان يمشي على الجسر الموضوع على وجه الارض، ولا يمكنه المشي عليه اذا كان ممدودا على نهر او نحوه، وما ذاك الا لان النفوس خلقت مطيعة للاوهام، وقد اتفق العقلاء على ان الاصابة بالعين حق لما ثبت في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين". (والنوع الثالث) من السحر: الاستعانة بالارواح الارضية وهم الجن خلافا للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، قال: واتصال النفوس الناطقة بها اسهل من اتصالها بالارواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم ان اصحاب الصنعة وارباب التجربة شاهدوا ان الاتصال بهذه الارواح الارضيه يحصل باعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير. (النوع الرابع) من السحر: التخيلات، والاخذ بالعيون، والشعبذة، ومبناه على ان البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، الا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل اذهان الناظرين به وياخذ عيونهم اليه، حتى اذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئا اخر عملا بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء اخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جدا، ولو انه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر الى ضد ما يريد ان يعمله، ولم تتحرك النفوس والاوهام الى غير ما يريد اخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله. (قلت) وقد قال بعض المفسرين: ان سحر السحرة بين يدي فرعون انما كان من باب بالشعبذة ولهذا قال تعالى: {فلما القوا سحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم} وقال تعالى: {يخيل اليه من سحرهم انها تسعى} قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الامر، والله اعلم. (النوع الخامس) من السحر: الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الات مركبة على النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير ان يمسه احد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الانسان حتى يصورنها ضاحكة ؟؟ الى ان قال: فهذه الوجوه من لطيف امور التخاييل، قال: وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل، ؟؟ ما قاله بعض المفسرين: انهم عمدوا الى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقا فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل الى الرائي انها تسعى باختيارها، ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم اياه من الانوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من ادخال النار خفية الى الكنيسة، واشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطعام منهم، واما الخواص فهم معترفون بذلك ولكن يتاولون انهم يجمعون شمل اصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغا لهم. (النوع السادس) من السحر: الاستعانة بخواص الادوية في الاطعمة والدهانات، قال: واعلم انه لا سبيل الى انكار الخواص، فان تاثير المغناطيس مشاهد. (قلت) يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعيا انها احوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات الى غير ذلك من المحالات. (النوع السابع) من السحر: التعليق للقلب، وهو ان يدعي الساحر انه عرف الاسم الاعظم، وان الجن يطيعونه وينقادون له في اكثر الامور، فاذا اتفق ان يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد انه حق وتعلق قلبه بذلك، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخالفة، فاذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة، فحينئذ يتمكن الساحر ان يفعل ما يشاء. (قلت) : هذا النمط يقال له التنبلة وانما يروج على ضعفاء العقول من بني ادم، وفي علم الفراسة ما يرشد الى معرفة كامل العقل من ناقصه، فاذا كان النبيل حاذقا في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره. (النوع الثامن) من السحر: السعي بالنميمة من وجوه خفيفة لطيفة وذلك شائع في الناس (قلت) النميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه، فاما ان كانت على وجه الاصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين، او على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة؛ فهذا امر مطلوب كما جاء في الحديث: "الحرب خدعة" وانما يحذوا على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة والله المستعان. ثم قال الرازي فهذه جملة الكلام في اقسام السحر وشرح انواعه واصنافه، (قلت) : وانما ادخل كثيرا من هذه الانواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لان السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث: "ان من البيان لسحرا"، وسمي السحور لكونه يقع خفيا اخر الليل، والسحر: الرئة، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها الى اجزاء البدن كما قال ابو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره، اي انتفخت رئته من الخوف وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. وقال القرطبي: وعندنا ان السحر حق، وله حقيقة، يخلق الله عنده ما يشاء، خلافا للمعتزلة وابي اسحاق الاسفرايني من الشافعية حيث قالوا: انه تمويه وتخيل، قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى من اسماء الله تعالى، وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون ادوية وادخنة وغير ذلك، قال: وقوله عليه السلام: "ان من البيان لسحرا" يحتمل ان يكون مدحا كما تقوله طائفة ويحتمل ان يكون ذما للبلاغة، قال: وهذا اصح، قال: لانها تصوب الباطل حتى توهم السامع انه حق، كما قال عليه الصلاة والسلام: "فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له" الحديث. فصل واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال ابو حنيفة ومالك واحمد: يكفر بذلك، ومن اصحاب ابي حنيفة من قال ان تعلمه ليتقيه او ليجتنبه ومن تعلمه معتقدا جوازه او انه ينفعه كفر، وكذا من اعتقد ان الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي رحمه الله: اذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فان وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده اهل بابل من التقرب الى الكواكب السبعة وانها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وان كان لا يوجب الكفر فان اعتقد اباحته فهو كافر. فاما ان قتل بسحره انسانا فانه يقتل عند (مالك والشافعي واحمد) وقال ابو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك او يقر بذلك في حق شخص معين، واذا قتل فانه يقتل حدا عندهم الا الشافعي فانه قال: يقتل والحالة هذه فصاصا، قال: وهل اذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وابو حنيفة واحمد في المشهور عنهم: لا تقبل، وقال الشافعي واحمد في الرواية الاخرى تقبل، واما ساحر اهل الكتاب فعند ابي حنيفة انه يقتل كما يقتل الساحر المسلم، وقال مالك واحمد والشافعي: لا يقتل لقصة (لبيد بن الاعصم)، واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند ابي حنيفة انها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل والله اعلم. مسالة وهل يسال الساحر حلا لسحره؟ فاجازه سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري، وقال الشعبي: لا باس بالنشرة، وكره ذلك الحسن البصري، وفي الصحيح عن عائشة انها قالت: يا رسول الله هلا تنشرت، فقال: "اما الله فقد شفاني وخشيت ان افتح على الناس شرا" وحكى القرطبي عن وهب: انه قال يؤخذ سبع ورقات من سدر، فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرا عليها اية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات، ثم يغتسل بباقيه فانه يذهب ما به، وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امراته (قلت) : انفع ما يستعمل لاذهاب السحر ما انزل الله على رسوله في اذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث: "لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما" وكذلك قراءة اية الكرسي فانها مطردة للشيطان: تتمة الاية (125): وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود - 126 - واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير - 127 - واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم - 128 - ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم التفسير: قال الحسن البصري: قوله تعالى {وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل}: امرهما الله ان يطهرهاه من الاذى والنجس، ولا يصيبه من ذلك شيء. وقال ابن جريج قلت لعطاء ما عهده؟ قال امره. والظاهر ان هذا الحرف انما عدي بالى لانه في معنى اوحينا. قوله: {ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين} اي من الاوثان والرفث وقول الزور والرجس. قال مجاهد وعطاء وقتادة: {ان طهرا بيتي} اي بلا اله الا الله، من الشرك، واما قوله تعالى: {للطائفين} فالطواف بالبيت معروف، وعن سعيد بن جبير انه قال: {للطائفين} يعني من اتاه من غربة {والعاكفين} المقيمين فيه. وهكذا روي عن قتادة والربيع بن انس انهما فسرا العاكفين باهله المقيمين فيه وعن ابن عباس قال: اذا كان جالسا فهو من العاكفين، وعن ثابت قال: قلنا لعبد الله بن عبيد بن عمير ما اراني الا مكلم الامير ان امنع الذين ينامون في المسجد الحرام فانهم يجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل فان ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون (رواه ابن ابي حاتم عن حماد بن سلمة عن ثابت) (قلت) : وقد ثبت في الصحيح ان ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عزب، واما قوله تعالى: {والركع السجود} فقال عطاء عن ابن عباس اذا كان مصليا فهو من الركع السجود. قال ابن جرير رحمه الله فمعنى الاية: وامرنا ابراهيم واسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهير الذي امرهما به في البيت هو تطهيره من الاصنام وعبادة الاوثان فيه ومن الشرك، فان قيل: فهل كان قبل بناء ابراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي امر بتطهيره منه؟ فالجواب من وجهين: (احدهما): انه امرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زمان قوم نوح من الاصنام والاوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما اذ كان الله تعالى قد جعل ابراهيم اماما يقتدى به. (قلت) : وهذا الجواب مفرع على انه كان يعبد عنده اصنام قبل ابراهيم عليه السلام، ويحتاج اثبات هذا الى دليل عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم (الثاني) : انه امرهما ان يخلصا في بنائه لله وحده لا شريك له فيبنياه مطهرا من الشرك والريب، كما قال جل ثناؤه: {افمن اسس بنانه على تقوى من الله ورضوان خير ام من اسس بنيانه على شفا جرف هار}؟ قال فكذلك قوله: {وعهدنا الى ابرهيم واسماعيل ان طهرا بيتي} اي ابنياه على طهر من الشرك بي والريب، وملخص هذا الجواب ان الله تعالى امر ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ان يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له، للطائفين به والعاكفين عنده والمصلين اليه من الركع السجود كما قال تعالى: {واذ بوانا لابراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} الايات. وقد اختلف الفقهاء ايهما افضل الصلاة عند البيت او الطواف به؟ فقال مالك رحمه الله الطواف به لاهل الامصار افضل، وقال الجمهور: الصلاة افضل مطلقا، وتوجيه كل منهما يذكر في كتاب الاحكام، والمراد من ذلك الرد على المشركين، الذين كانوا يشركون بالله عند بيته، المؤسس على عبادته وحده لا شريك له، ثم مع ذلك يصدون اهله المؤمنين عنه كما قال تعالى: {ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف به والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم}، ثم ذكر ان البيت انما اسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له، اما بطواف او صلاة، فذكر في سورة الحج اجزاءها الثلاثة (قيامها وركوعها وسجودها) ولم يذكر العاكفين لانه تقدم {سواء العاكف فيه والباد} وفي هذه الاية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين، واكتفى بذكر الركوع والسجود عن القيام، لانه قد علم انه لا يكون ركوع ولا سجود الا بعد قيام وفي ذلك ايضا رد على من لا يحجه من اهل الكتابين (اليهود والنصارى) لانهم يعتقدون فضيلة ابراهيم الخليل واسماعيل ويعلمون انه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وهم لا يفعلون شيئا من ذلك، فكيف يكونون مقتدين بالخليل وهم لا يفعلون ما شرع الله له؟ وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الانبياء عليهم الصلاة والسلام كما اخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى {ان هو الا وحي يوحى}. وتقدير الكلام اذن: {وعهدنا الى ابرهيم} اي تقدمنا بوحينا الى ابراهيم واسماعيل {ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} اي طهراه من الشرك والريب وابنياه خالصا لله معقالا للطائفين والعاكفين والركع السجود. وتطهير المساجد ماخوذ من هذه الاية الكريمة ومن قوله تعالى: {في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال}، ومن السنة من احاديث كثيرة من الامر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك من صيانتها من الاذى والنجاسات وما اشبه ذلك. ولهذا قال عليه السلام: "انما بنيت المساجد لما بنيت له"، وقد جمعت في ذلك جزءا على حدة ولله الحمد والمنة. وقد اختلف الناس في اول من بنى الكعبة؟ فقيل: الملائكة قبل ادم ذكره القرطبي وحكى لفظه وفيه غرابة، وقيل ادم عليه السلام رواه عطاء وسعيد بن المسيب وهذا غريب ايضا. وروي عن ابن عباس وكعب الاحبار ان اول من بناه شيث عليه السلام، وغالب من يذكر هذا انما ياخذه من كتب اهل الكتاب وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها. واما اذا صح حديث في ذلك فعلى الراس والعين. وقوله تعالى: {واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر} قال ابن جرير عن جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ان ابراهيم حرم بيت الله وامنه، واني حرمت المدينة وما بين لابتيها، فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها (رواه النسائي واخرجه مسلم بطريق اخر) " عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: كان الناس اذا راوا اول الثمر جاءوا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا اخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم ان ابراهيم عبدك وخليلك ونبيك، واني عبدك ونبيك وانه دعاك لمكة، واني ادعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه" ثم يدعو اصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر (رواه مسلم، وفي لفظ له "بركة مع بركة" ثم يعطيه اصغر من حضر من الولدان) . وفي الصحيحين عن انس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي طلحة: "التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني"، فخرج بي ابو طلحة يردفني وراءه، فكنت اخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل. وقال في الحديث: ثم اقبل حتى بدا له احد قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، فلما اشرف على المدينة قال: "اللهم اني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم به ابراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم"، وفي لفظ لهما: "اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في مدهم" زاد البخاري يعني: اهل المدينة. وعن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلته بمكة من البركة" (رواه البخاري ومسلم) وعن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ان ابراهيم حرم مكة فجعلها حراما، واني حرمت المدينة حراما ما بين مازميها، ان لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يخبط فيها شجرة الا لعلف، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين (رواه مسلم) "، والاحاديث في تحريم المدينة كثيرة وانما اوردنا منها ما هو متعلق بتحريم ابراهيم عليه السلام لمكة لما في ذلك من مطابقة الاية الكريمة، وتمسك بها من ذهب الى ان تحريم مكة انما كان على لسان ابراهيم الخليل، وقيل: انها محرمة منذ خلقت مع الارض، وهذا اظهر واقوى والله اعلم. وقد وردت احاديث اخر تدل على ان الله تعالى حرم مكة قبل خلق السماوات والارض كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة، وانه لم يحل القتال فيه لاحد قبلي، ولم يحل لي الا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها"، فقال العباس: يا رسول الله الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم، فقال: "الا الاذخر". وعن ابي شريح العدوي انه قال لعمرو بن سعيد - وهو يبعث البعوث الى مكة - ائذن لي ايها الامير ان احدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته اذناي، ووعاه قلبي، وابصرته عيناي حين تكلم به، انه حمد الله واثنى عليه ثم قال: "ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الاخر ان يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فان احد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: ان الله اذن لرسوله ولم ياذن لكم، وانما اذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس، ليبلغ الشاهد الغائب (رواه البخاري ومسلم عن ابي شريح العدوي) " فقيل لابي شريح ما قال لك عمرو؟ قال: انا اعلم بذلك منك يا ابا شريح، ان الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة. فاذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الاحاديث، الدالة على ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والارض، وبين الاحاديث الدالة عى ان ابراهيم عليه السلام حرمها، لان ابراهيم بلغ عن الله حكمه فيها، وتحريمه اياها وانها لم تزل بلدا حراما عند الله قبل بناء ابراهيم عليه السلام لها، كما انه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبا عند الله خاتم النبيين، وان ادم لمنجدل في طينته، ومع هذا قال ابراهيم عليه السلام: {ربنا وابعث فيه رسولا منهم} وقد اجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره. واما مسالة تفضيل مكة على المدينة كما هو قول الجمهور، او المدينة على مكة كما هو مذهب مالك واتباعه، فتذكر في موضع اخر بادلتها ان شاء الله وبه الثقة. وقوله تعالى اخبارا عن الخليل: {رب اجعل هذا بلدا امنا} اي من الخوف اي لا يرعب اهله، وقد فعل الله ذلك شرعا وقدرا، كقوله تعالى: {ومن دخله كان امنا}، وقوله: {اولم يروا انا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حولهم} الى غير ذلك من الايات وقد تقدمت الاحاديث في تحريم القتال فيه، وفي صحيح مسلم عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لاحد ان يحمل بمكة السلاح"، وقال في هذه السورة: {رب اجعل هذا بلدا امنا} اي اجعل هذه البقعة بلدا امنا وناسب هناك لانه - والله اعلم - كانه وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار اهله به، وبعد مولد اسحاق الذي هو اصغر سنا من اسماعيل بثلاث عشرة سنة، ولهذا في اخر الدعاء: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحق ان ربي لسميع الدعاء}. وقوله تعالى: {وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر، قال: ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير} قال ابو جعفر الرازي عن ابي بن كعب {قال ومن كفر} الاية هو قول الله تعالى. وهذا قول مجاهد وعكرمة وهو الذي صوبه ابن جرير رحمه الله قال: وقرا اخرون: {قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير} فجعلوا ذلك من تمام دعاء ابراهيم. قال ابن عباس: "كان ابراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس، فانزل الله ومن كفر ايضا ارزقهم كما ارزق المؤمنين، ااخلق خلقا لا ارزقهم؟ امتعهم قليلا ثم اضطرهم الى عذاب النار وبئس المصير" ثم قرا ابن عباس: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} (اخرجه ابن مردويه وروي نحوه عن مجاهد وعكرمة)، وهذا كقوله تعالى: {ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون}، وكقوله تعالى: {نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الى عذاب غليظ}، وقوله: {ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير} اي ثم الجئه بعد متاعه في الدنيا، وبسطنا عليه من ظلها {الى عذاب النار وبئس المصير} ومعناه ان الله تعالى ينظرهم ويمهلهم ثم ياخذهم اخذ عزيز مقتدر كقوله تعالى: {وكاين من قرية امليت لها وهي ظالمة ثم اخذتها والي المصير}. وفي الصحيح: "ان الله ليملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته"، ثم قرا تعالى: {كذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه اليم شديد}. (يتبع...) (تابع... 1): تتمة الاية (125): وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين... ... واما قوله تعالى: {واذا يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم} فالقواعد جمع قاعدة، وهي السارية والاساس، يقول تعالى: واذكر يا محمد لقومك بناء ابراهيم واسماعيل عليهما السلام البيت، ورفعهما القواعد منه وهما يقولان: {ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم} فهما في عمل صالح وهما يسالان الله تعالى ان يتقبل منهما، وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو ابراهيم، والداعي اسماعيل، والصحيح انهما كانا يرفعان ويقولان كما سياتي بيانه. وقد روى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اول ما اتخذ النساء المنطق من قبل ام اسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي اثرها على سارة، ثم جاء بها ابراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في اعلى المسجد وليس بمكة يومئذ احد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندها جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى ابراهيم منطلقا فتبعته ام اسماعيل فقالت: يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه انيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت اليها، فقالت: الله امرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: اذا لا يضيعنا، ثم رجعت فانطلق ابراهيم حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال: {ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} حتى بلغ {يشكرون}. وجعلت ام اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى اذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر اليه يتلوى - او قال يتلبط - فانطلقت كراهية ان تنظر اليه، فوجدت الصفا اقرب جبل في الارض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى احدا فلم تر احدا، فهبطت من الصفا حتى اذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الانسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم اتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى احدا، فلم تر احدا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فلذلك سعى الناس بينهما"، فلما اشرفت على المروة سمعت صوتا فقال: "صه" - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت ايضا، فقالت: قد اسمعت ان كان عندك غواث فاذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - او قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يرحم الله ام اسماعيل لو تركت زمزم - او قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا". قال: فشربت وارضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فان ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وابوه، وان الله لا يضيع اهله، وكان البيت مرتفعا من الارض كالرابية، تاتيه السيول فتاخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، او اهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في اسفل مكة فراوا طائرا عائفا، فقالوا: ان هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فارسولا جريا او جريين فاذا هم بالماء فرجعوا فاخبروهم بالماء، فاقبلوا، قال: وام اسماعيل عند الماء، فقالوا: اتاذنين لنا ان ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حق لكم في الماء عندنا، قالوا: نعم، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "فالفى ذلك ام اسماعيل وهي تحب الانس"، فنزلوا وارسلوا الى اهليهم فنزلوا معهم حتى اذا كان بها اهل ابيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وانفسهم واعجبهم حين شب، فلما ادرك زوجوه امراة منهم. وماتت (ام اسماعيل) فجاء ابراهيم بعد ما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد اسماعيل، فسال امراته عنه فقالت: خرج يبتعي لنا، ثم سالها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة فشكت اليه، قال: اذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل كانه انس شيئا فقال: هل جاءكم من احد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسالنا عنك فاخبرته وسالني كيف عيشنا؟ فاخبرته اننا في جهد وشدة، قال: فهل اوصاك بشيء؟ قالت: نعم امرني ان اقرا عليك السلام ويقول غير عتبة بابك، قال: ذاك ابي وقد امرني ان ان افارقك فالحقي باهلك، وطلقها وتزوج منهم باخرى. فلبث عنهم ابراهيم ما شاء الله ثم اتاهم بعد فلم يجده فدخل على امراته فسالها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف انتم؟ وسالها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، واثنت على الله عز وجل، قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم لدعا لهم فيه"، قال: فهما لا يخلو عليهما احد بغير مكة الا لم يوافقاه، قال: فاذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل قال: هل اتاكم من احد؟ قالت: نعم اتانا شيخ حسن الهيئة واثنت عليه، فسالني عنك فاخبرته فسالني كيف عيشنا؟ فاخبرته انا بخير، قال انا بخير، قال: فاوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرا عليك السلام ويامرك ان ثبت عتبة بابك، قال: ذاك ابي وانت العتبة امرني ان امسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة، قريبا من زمزم، فلما راه قام اليه وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا اسماعيل ان الله امرني بامر قال: فاصنع ما امرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: واعينك، قال: فان الله امرني ان ابني ههنا بيتا، واشار الى اكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل اسماعيل ياتي بالحجارة وابراهيم يبني حتى اذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم} قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم}. ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد اخبرنا ابو عامر عبد الملك بن عمرو، اخبرنا ابراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما كان بين ابراهيم وبين اهله ما كان خرج باسماعيل وام اسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت ام اسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها حتى قدم مكة فوضعهما تحت دوحة ثم رجع ابراهيم الى اهله، فاتبعته ام اسماعيل حتى بلغوا كداء نادته من ورائه: يا ابراهيم الى من تتركنا؟ قال: الى الله، قالت: رضيت بالله. قال: فرجعت تشرب من الشنة ويدر لبناها على صبيها حتى لما فنى الماء. قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي احس احدا، فذهبت فصعدت الصفا. فنظرت هل تحس احدا؟ فلم تحس احدا، فلما بلغت الوادي سعت حتى اتت المروة وفعلت ذلك اشواطا حتى اتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فاذا هو على حاله كانه ينشغ للموت فلم تقرها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي احس احدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت فلم تحس احدا حتى اتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فاذا هي بصوت فقالت: اغث ان كان عندك خير، فاذا جبريل عليه السلام قال: فقال بعقبه هكذا وغمز عقبه على الارض، قال: فانبثق الماء فدهشت ام اسماعيل فجعلت تحفر قال: فقال ابو القاسم صلى الله عليه وسلم : "لو تركته لكان الماء ظاهرا" قال: فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها. قال: فمر ناس من جرهم ببطن الوادي فاذا هم بطير كانهم انكروا ذلك، وقالوا: ما يكون الطير الا على ماء، فبعثوا رسولهم فنظر فاذا هو بالماء فاتاهم فاخبرهم، فاتوا اليها فقالوا: يا ام اسماعيل اتاذنين لنا ان نكون معك ونسكن معك؟ فبلغ ابنها ونكح منهم امراة. قال: ثم انه بدا لابراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لاهله: اني مطلع تركتي، قال: فجاءهم فسلم فقال: اين اسماعيل؟ قالت امراته: ذهب يصيد، قال: قولي له اذا جاء غير عتبة بابك، فلما اخبرته قال: انت ذاك فاذهبي الى اهلك، قال: ثم انه بدا لابراهيم فقال: اني مطلع تركتي قال، فجاء فقال: اين اسماعيل؟ فقالت امراته: ذهب يصيد، فقالت: الا تنزل فتطعم وتشرب؟ فقال: ما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال ابو القاسم صلى الله عليه وسلم : "بركة بدعوة ابراهيم". قال: ثم انه بدا لابراهيم صلى الله عليه وسلم، فقال لاهله: اني مطلع تركتي فجاة فوفق اسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له، فقال: يا اسماعيل ان ربك عز وجل امرني ان ابني له بيتا، فقال: اطع ربك عز وجل، قال: انه امرني ان تعينني عليه، فقال: اذن افعل - او كما قال - فقام فجعل ابراهيم يبني واسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: {ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم} قال: حتى ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان: {ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم}. قال محمد بن اسحاق عن مجاهد وغيره من اهل العلم: ان الله بوا ابراهيم مكان البيت، خرج اليه من الشام وخرج معه اسماعيل وامه هاجر، واسماعيل طفل صغير يرضع، ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمر بقرية الا قال: ابهذه امرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضه، حتى قدم به مكة وهي اذ ذاك عضاه (سلم وسمر) وبها اناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة فقال ابراهيم لجبريل: اههنا امرت ان اضعهما؟ قال: نعم، فعمد بهما الى موضع الحجر فانزلهما فيه، وامر (هاجر) ام اسماعيل ان تتخذ فيه عرشا فقال: {ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} الى قوله: {لعلهم يشكرون} وقال عبد الرزاق عن مجاهد: خلق الله موضع هذا البيت قبل ان يخلق شيئا بالفي سنة واركانه في الارض السابعة. وقال البخاري رحمه الله قوله تعالى {واذ يرفع ابراهيم القوعد من البيت واسماعيل} الاية: القواعد اساسه، واحدها قاعدة، والقواعد من النساء واحدتها قاعدة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الم تري ان قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد ابراهيم؟" فقلت: يا رسول الله الا تردها على قواعد ابراهيم؟ قال: "لولا حدثان قومك بالكفر"، فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ارى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، الا ان البيت لم يتم على قواع ابراهيم عليه السلام. ورواه مسلم ايضا من حديث نافع عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا ان قومك حديثو عهد بجاهلية - او قال بكفر - لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالارض، ولادخلت فيها الحجر". (ذكر بناء قريش الكعبة بعد ابراهيم الخليل عليه السلام وقبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين) وقد نقل معهم الحجارة وله من العمر خمس وثلاثون سنة صلوات الله وسلامه عليه دائما الى يوم الدين. قال محمد بن اسحاق في السيرة: ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة وكانوا يهابون هدمها، وانما كانت رضما فوق القامة، فارادوا رفعها وتسقيفها، وذلك ان نفرا سرقوا كنز الكعبة. وكان البحر قد رمى بسفينة الى جدة لرجل من تجار الروم فتحطمت، فاخذوا خشبها فاعدوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار فهيا لهم في انفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة فتشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابون، وذلك انه كان لا يدنو منها احد الا احزالت (احزالت: ارتفعت واستعدث للوثوب) وكشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها، فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله اليها طائرا فاختطفها فذهب بها، فقالت قريش: انا لنرجو ان يكون الله قد رضي ما اردنا، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية، فلما اجمعوا امرهم في هدمها وبنيانها قام ابن وهب (خال والد النبي، وكان شريفا ممدوحا) بن عمرو بن عائذ فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع الى موضعه، فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنانها من كسبكم الا طيبا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة احد من الناس. ثم ان قريشا تجزات الكعبة فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الاسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا اليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار ابن قصي ولبني اسد بن عبد العزى بن قصي ولبني عدي بن كعب بن لؤي وهو الحطيم، ثم ان الناس هابوا هدمها وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: انا ابدؤكم في هدمها، فاخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع، اللهم انا لا نريد الا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين، فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننظر فان اصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وان لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا، فاصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله. فهدم، وهدم الناس معه حتى انتهى الهدم بهم الا الاساس - اساس ابراهيم عليه السلام - افضوا الى حجارة خضر كالاسنة اخذ بعضها بعضا قال: فحدثني بعض من يروي الحديث: ان رجلا من قريش ممن كان يهدمها ادخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها ايضا احدهما فلما تحرك الحجر انتفضت مكة باسرها فانتهوا عن ذلك الاساس. (يتبع...) (تابع... 2): تتمة الاية (125): وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين... ... قال ابن اسحاق: ثم ان القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن يعني (الحجر الاسود) فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد ان ترفعه الى موضعه دون الاخرى، حتى تحاوروا وتخالفوا واعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثما تعاقدوا هم وبنوا عدي ابن كعب بن لؤي على الموت وادخلوا ايديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا "لعقة الدم" فمكثت قريش على ذلك اربع ليال او خمسا، ثم انهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض اهل الرواية ان ابا امية بن المغيرة - وكان عامئذ اسن قريش كلهم - قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه اول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه ففعلوا، فكان اول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما راوه قالوا: هذا الامين رضينا ...هذا محمد، فلما انتهى اليهم واخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم : "هلم الي بثوب، فاتي به، فاخذ الركن - يعني الحجر الاسود - فوضعه فيه بيده ثم قال: "لتاخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم، ثم بنى عليه، وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان ينزل عليه الوحي (الامين) . قال ابن اسحاق: وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشر ذراعا، وكان تكسي القباطي، ثم كسيت بعد البرود، واول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف (قلت) : ولم تزل على بناء قريش حتى احترقت في اول امارة عبد الله بن الزبير بعد سنة ستين وفي ا
6 64 احاديث 3 - سورة ال عمران [مقدمة] %صدرها الى ثلاث وثمانين اية منها نزل في (وفد نجران)، وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة كما سياتي بيان ذلك عند تفسير اية المباهلة منها ان شاء الله تعالى. وقد ذكرنا ما ورد في فضلها مع سورة البقرة (اول سورة البقرة) فارجع اليه هناك. بسم الله الرحمن الرحيم (تابع... 1): 149 - يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم... ... وذكر محمد بن اسحاق قال: لما اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ادركه (ابي بن خلف) وهو يقول: لا نجوت ان نجوت، فقال القوم: يا رسول الله يعطف عليه رجل منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه" فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فقال بعض القوم كما ذكر لي: فلما اخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتقاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير اذا انفض، ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدادا منها عن فرسه مرارا (تدادا: سقط) وثبت في الصحيحين عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو حينئذ يشير الى رباعيته - واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ". وعن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان ابو بكر اذا ذكر يوم احد قال: ذاك يوم كله لطلحة، ثم انشا يحدث، قال: كنت اول من فاء يوم احد فرايت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - واراه قال حمية - فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي احب الي، وبين وبين المشركين رجل لا اعرفه وانا اقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطف المشي خطفا لا اعرفه فاذا هو (ابو عبيدة بن الجراح) فانتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه، وقد دخل في وجنته من حلق المغفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكما صاحبكما يريد طلحة" وقد نزف فلم نلتفت الى قوله قال: وذهبت لانزع ذلك من وجهه، فقال (ابو عبيدة:) : اقسمت عليك بحقي لما تركتني فتركته، فكره ان يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فازم عليها بفيه فاستخرج احدى الحلقتين، ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لاصنع ما صنع فقال: اقسمت عليك بحقي لما تركتني قال، ففعل مثل ما فعل في المرة الاولى، ووقعت ثنيته الاخرى مع الحلقة، فكان ابو عبيدة من احسن الناس هتما، فاصلحنا من شان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتينا (طلحة) في بعض تلك الجفار، فاذا به بضع وسبعون او اقل او اكثر من طعنة ورمية وضربة، واذا قد قطعت اصبعه، فاصلحنا من شانه (اخرجه ابو داود الطيالسي والطبراني) وقال ابن وهب: ان (مالكا) ابا ابي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم احد مص الجرج حتى انقاه ولاح ابيض فقيل له: مجه، فقال: لا والله لا امجه ابدا ثم ادبر يقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من اراد ان ينظر الى رجل من اهل الجنة فلينظر الى هذا فاستشهد". وقد ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد انه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على راسه صلى الله عليه وسلم، فكانت فاطمة تغسل الدم وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن، فلما رات فاطمة ان الماء لا يزيد الدم الا كثرة اخذت قطعة من حصير فاحرقتها، حتى اذا صارت رمادا الصقته بالجرح فاستمسك الدم وقوله تعالى: {فاثابكم غما بغم} اي فجزاكم غما على غم، كما تقول العرب: نزلت ببني فلان نزلت على بني فلان، وقال ابن جرير: وكذا قوله: {ولاصلبنكم في جذوع النخل} اي على جذوع النخل. قال ابن عباس: الغم الاول بسبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني حين علاهم المشركون فوق الجبل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"اللهم ليس لهم ان يعلونا"، وعن عبد الرحمن بن عوف: الغم الاول بسبب الهزيمة، والثاني حين قيل: قتل محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك عندهم اشد واعظم من الهزيمة. وقال السدي: الغم الاول بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والثاني باشراف العدو عليهم. وقال محمد بن اسحاق: {فاثابكم غما بغم} اي كربا بعد كرب من قتل من قتل من اخوانكم، وعلو عدوكم عليكم، وما وقع في انفسكم من قتل نبيكم، فكان ذلك متتابعا عليك غما بغم. وقال مجاهد وقتادة: الغم الاول سماعهم قتل محمد،، والثاني ما اصابهم من القتل والجراح. وقوله تعالى: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم} اي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم {ولا ما اصابكم} من الجراح والقتل قاله ابن عباس والسدي {والله خيبر بما تعملون} سبحانه وبحمده، لا اله الا هو جل وعلا. (تابع... 1): 169 - ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم... ... قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} اي لما توكلوا على الله كفاهم ما اهمهم، ورد عنهم باس ما اراد كيدهم فرجعوا الى بلدهم: {بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} مما اضمر لهم عدوهم، {واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}. عن ابن عباس في قوله الله : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل}، قال (النعمة) انهم سلموا، و (الفضل) ان عيرا مرت في ايام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالا فقسمه بين اصحابه (رواه البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس) وقال مجاهد في قوله الله تعالى: {الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} قال هذا ابو سفيان قال لمحمد صلى الله عليه وسلم موعدكم بدر حيث قتلتم اصحابنا، فقال محمد صلى الله عليه وسلم : "عسى"، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا فوافقوا السوق فيها فابتاعوا، فذلك الله عز وجل: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} الاية، قال: هي غزوة بدر الصغرى (اخرجه ابن جرير عن مجاهد.) ثم قال تعالى: {انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه} اي يخوفكم اولياءه ويوهمكم انهم ذوو باس وذوو شدة قال الله تعالى: {فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين} اذا سول لكم واوهمكم فتوكلوا علي والجاوا الي فاني كافيكم وناصركم عليهم، كما قال تعالى: {اليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} وقال تعالى: {فقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا}، وقال تعالى: {اولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون}، وقال: كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله قوي عزيز}، وقال: {ولينصرن الله من ينصره}، وقال تعالى: {يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله بنصركم} الاية، وقال تعالى: {انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد} والايات في ذلك كثيرة.
7 71 احاديث 4 - سورة النساء [مقدمة] قال العوفي عن ابن عباس: نزلت سورة النساء بالمدينة وقال عبد الله بن مسعود: ان في سورة النساء لخمس ايات ما يسرني ان لي بها الدنيا وما فيها: {ان الله لا يظلم مثقال ذرة} الاية، {ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الاية، {ان الله لا يغفر ان يشر به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، {لو انه اذ ظلموا انفسهم جاؤك} الاية، وقوله {ومن يعمل سوءا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} رواه ابن جرير. بسم الله الرحمن الرحيم (تابع... 1): 23 - حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ... ... وقوله تعالى: {فما استمعتم به منهن فاتوهن اجورهم فريضة} اي كما تستمعون بهن فاتوهن مهورهن في مقابلة ذلك، كما قال تعالى: {وكيف تاخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض} كما قال تعالى: {وكيف تاخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض} وكقوله تعالى: {واتوا النساء صدقاتهن نحلة} وكقوله: {ولا يحل لكم ان تاخذوا مما اتيتموهن شيئا} وقد استدل بعموم هذه الاية على نكاح المتعة ولا شك انه كان مشروعا في ابتداء الاسلام ثم نسخ بعد ذلك، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء الى انه ابيح، ثم نسخ ثم ابيح ثم نسخ مرتين. وقال اخرون: انما ابيح مرة ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك، وقد قيل باباحتها لضرورة وهي رواية عن الامام احمد، وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، ولهذا الحديث الفاظ مقررة هي في كتاب الاحكام، وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن ابيه انه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: "يا ايها الناس اني كنت اذنت لكم في الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك الى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تاخذوا مما اتيتموهن شيئا"، وفي رواية لمسلم في حجة الوداع وله الفاظ موضعها كتاب الاحكام. وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} اي اذا فرضت لها صداقا فابراتك منه او عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك، وقال ابن جرير: ان رجالا كانوا يفرضون المهر، ثم عسى ان يدرك احدهم العسرة فقال: ولا جناح عليكم ايها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، يعني ان وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ، وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس: {ولا جناج عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} والتراضي ان يوفيها صداقها، ثم يخيرها يعني في المقام او الفراق، وقوله تعالى: {ان الله كان عليما حكيما} مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات. (تابع... 1): 43 - يا ايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما... ... وقوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم وايديكم} التيمم بدل عن الوضوء في التطهير به، لا انه بدل منه في جميع اعضائه، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالاجماع، ولكن اختلف الائمة في كيفية التيمم على اقوال: احدها - وهو مذهب الشافعي في الجديد - انه يجب ان يمسح الوجه واليدين الى المرفقين بضربتين، لان لفظ اليدين يصدق اطلاقها على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين كما في اية الوضوء، ويطلق ويراد بهما ما يبلغ الكفين كما في اية السرقة: {فاقطعوا ايديهما}، قالو: وحمل ما اطلق ههنا على ما قيد في اية الوضوء اولى لجامع الطهورية، وذكر بعضهم ما رواه الدار قطني عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين الى المرفقين" (اخرجه الامام احمد والدارقطني عن ابن عمر) والقول الثاني: انه يجب مسح الوجه واليدين الى الكفين بضربتين، وهو قول الشافعي في القديم، والثالث انه يكفي مسح الوجه والكفين بضربة واحدة لما روي ان رجلا اتى عمر فقال: اني اجنبت فلم اجد ماء؛ فقال عمر: لا تصل. قال عمار: اما تذكر يا امير المؤمنين اذ انا وانت في سرية فاجنبنا فلم نجد ماء، فاما انت فلم تصل، واما انا فتمعكت في التراب فصليت، فلما اتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: "انما كان يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده الارض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه" (رواه النسائي واحمد) ؟ (طريق اخرى) : قال احمد عن سليمان الاعمش، حدثنا شقيق قال: كنت قاعدا مع (عبد الله) و (ابي موسى) فقال ابو يعلى لعبد الله: لو ان رجلا لم يجد الماء، لم يصل؟ فقال عبد الله ات تذكر ما قال عمرا لعمر؟ الا تذكر اذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم واياك في ابل فاصابتني جنابة فتمرغت في التراب، فلما رجعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "انما كان يكفيك ان تقول هكذا، وضرب بكفيه الى الارض، ثم مسح كفيه جميعا، ومسح واحدة بضربة واحدة"؟ فقال عبد الله: لا جرم ما رايت عمر قنع بذلك، قال، فقال له ابو موسى: فيكف بهذه الاية في سورة النساء: {فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا طيبا}؟ قال: فما درى عبد الله ما يقول. وقال: لو رخصنا لهم في التيمم لاوشك احدهم اذا برد الماء على جلده ان يتيمم. وقال في المائدة: {فامسحو بوجوهكم وايديكم منه}، فقد استدل بذلك الشافعي على انه لا بد في التيمم ان يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء. وقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} اي في الدين الذي شرعه لكم {ولكن يريد ليطهركم} فلهذا اباح التيمم. اذا لم تجدوا الماء ان تعدلوا الى التيمم بالصعيد، والتيمم نعمة عليكم لعلكم تشكرون، ولهذا كانت هذه الامة مخصوصة بمشروعية التيمم دون سائر الامم، كما ثبت في الصحيحن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اعطيت خمسا لم يعطهن احد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر؛ وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، فايما رجل من امتي ادركته الصلاة فليصل"، وفي لفظ: "فعنده مسجده وطهوره، واحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي، واعطيت الشفاعة وكان يبعث النبي الى قومه وبعثت الى الناس كافة" وقال تعالى في هذه الاية الكريمة: {فامسحوا بوجوهكم وايديكم ان الله كان عفوا غفورا} اي ومن عفوه عنكم وغفرانه ولكم ان شرع لكم التيمم، واباح لكم فعل الصلاة به اذا فقدتم الماء، توسعة عليكم ورخصة لكم، وذلك ان هذه الاية الكريمة فيها تنزيه الصلاة ان تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحوا المكلف ويعقل ما يقول، او جنابة حتى يغتسل، او حدث حتى يتوضا الا ان يكون مريضا او عادما للماء، فان الله عز وجل قد ارخص في التيمم - والحالة هذه - رحمة بعباده ورافة بهم، وتوسعة عليهم، ولله الحمد والمنة. (ذكر سبب نزول مشروعية التيمم) وانما ذكرنا ذلك ههنا لان هذه الاية التي في النساء متقدمة النزول على اية المائدة، وبيانه ان هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر انما حرم بعد احد بيسير، في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير، واما المائدة فانها من اخر مانزل ولا سيما صدرها، فناسب ان يذكر السبب هنا وبالله الثقة. قال البخاري عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض اسفاره، حتى اذا كنا بالبيداء او بذات الجيش انقطع عقد لي، فاقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، واقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فاتى الناس الى ابي بكر فقالوا: الا ترى ما صنعت عائشة؟ اقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء ابو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع راسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء!! قالت عائشة: فعاتبني ابو بكر وقال ما شاء الله ان يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك الا مكان راس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء حين اصبح، فانزل الله اية التيمم فتيموا، فقال اسيد بن الحضير: ما هي باول بركتكم يا ال ابي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته. (حديث اخر) : قال الامام احمد عن ابن عباس عن عمار بن ياسر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بذات الجيش ومعه زوجته عائشة، فانقطع عقد لها من جزع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى اضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فانزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بايديهم الى الارض ثم رفعوا ايديهم ولم ينفضوا من التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وايديهم الى المناكب، ومن بطون ايديهم الى الاباط. (حديث اخر) : قال الحافظ بن مردويه عن الاسلع بن شريك، قال: كنت ارحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصابتني جنابة في ليلة باردة، واراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، فكرهت ان ارحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا جنب، وخشيت ان اغتسل بالماء البارد فاموت او امرض، فامرت رجلا من الانصار فرحلها، ثم رضفت احجارا فاسخنت بها ماء واغتسلت، ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه، فقال: "يا اسلع مالي ارى رحلتك قد تغيرت"، قلت يا رسول الله: الم ارحلها، رحلها رجل من الانصار، قال: "ولم؟ قالت: اني اصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي، فامرته ان يرحلها ورضفت احجارا فاسخنت بها ماء فاغتسلت به، فانزل الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} الى قوله {ان الله كان عفوا غفورا} وقد روي من وجه اخر عنه. (تابع... 1): 155 - فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الانبياء بغير حق... ... قال البخاري رحمه الله في (كتاب ذكر الانبياء) عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله احد، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها"، ثم يقول ابو هريرة: اقراوا ان شئتم: {وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} (اخرجه الشيخان واللفظ للبخاري) وقال احمد عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها او يعتمر او يجمعهما" قال وتلا ابو هريرة: {وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته} الاية، فزعم حنظلة ان ابا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى، فلا ادري هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم او شيء قاله ابو هريرة. (طريق اخرى) : قال البخاري عن نافع مولى ابي قتادة الانصاري ان ابا هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف بكم اذا نزل فيكم المسيح بن مريم وامامكم منكم" (اخرجه البخاري ومسلم والامام احمد) (طريق اخرى) : قال الامام احمد عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الانبياء اخوة لعلات امهاتهم شتى ودينهم واحد واني اولى الناس بعيسى بن مريم لانه لم يكن نبي بيني وبينه وانه نازل، فاذا رايتموه فاعرفوه رجل مربوع الى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران (مصبوغان بالمصر وهو تراب احمر) كان راسه يقطر وان لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويدعوا الناس الى الاسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها الا الاسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الامنة على الارض حتى ترتع الاسود مع الابل والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم فيمكث اربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون". وقد روى البخاري عن ابي هريرة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انا اولى الناس بعيسى بن مريم والانبياء اولاد علات ليس بين وبينه نبي". وفي رواية: "انا اولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والاخرة الانبياء اخوة لعلات امهاتهم شتى ودينهم واحد". (حديث اخر) : وروى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالاعماق او بدابق، فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار اهل الارض يومئذ، فاذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين اخواننا، فيقاتلوهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم ابدا يقتل ثلث هم افضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون ابدا فيفتحون (قسطنطينية) فبينما هم يقسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون اذ صاح فيهم الشيطان: ان المسيح قد خلفكم (خلفكم في اهليكم: اي طرق اهلهم وهم غائبون عنهم) في اهليكم فيخرجون، وذلك باطل، فاذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف، اذا اقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فيؤمهم، فاذا راه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته". (حديث اخر) : روى ابن ماجة في سننه عن ابي امامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان اكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله ان قال: "لم تكن فتنة في الارض منذ ذرا الله ذرية ادم عليه السلام اعظم من فتنة الدجال وان الله لم يبعث نبيا الا حذر امته الدجال وانا اخر الانبياء، وانتم اخر الامم، وهو خارج فيكم لا محالة، فان يخرج وانا بين ظهرانيكم فانا حجيج كل مسلم، وان يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، وان الله خليفتي على كل مسلم، وانه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يمينا ويعيث شمالا، الا يا عباد الله: ايها الناس فاثبتوا واني ساصفه لكم صفة لم يصفها اياه نبي قبلي: انه يبدا فيقول: انا نبي فلا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: انا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا. وانه اعور وان ربكم عز وجل ليس باعور، وانه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وان من فتنته ان معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستغث بالله، وليقرا فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار بردا وسلاما على ابراهيم وان من فتنته ان يقول للاعرابي: ارايت ان بعثت لك امك واباك اتشهد اني ربك؟ فيقول نعم، فيتمثل له شيطان في صورة ابيه وامه، فيقولان: يا بني اتبعه فانه ربك، وان من فتنته ان يسلط على نفس واحدة فينشرها بالمنشار حتى تلقى شقتين، ثم يقول انظر الى عبدي هذا فاني ابعثه الان، ثم يزعم ان له ربا غيري، فيبعثه الله فيقول له الخبيث من ربك؟ فيقول: ربي الله، وانت عدو الله الدجال، والله ما كنت بعد اشد بصيرة بك مني اليوم". وان من فتنته: ان يامر السماء ان تمطر فتمطر، ويامر الارض ان تنبت فتنبت، وان من فتنته ان يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة الا هلكت، وان من فتنته ان يمر بالحي فيصدقونه فيامر السماء ان تمطر فتمطر ويامر الارض ان تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك اسمن ما كانت واعظمه، وامده خواصر وادره ضروعا، وانه لا يبقى شء من الارض الا وطئه وظهر عليه الا (مكة) و (المدينة) فانه لا ياتيهم من نقب من نقابهما الا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الظريب الاحمر عند منقطع السبخة فترجف المدينة باهلها ثلاث رجفات فال يبقى منافق ولا منافقة الا خرج اليه، فينفى الخبث منها كما ينفى الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم (يوم الخلاص) فقالت ام شريك بنت ابي العكر: يا رسول الله فاين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وامامهم رجل صالح، فبينما امامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح اذ نزل عليه عيسى بن مريم عليه السلام، فرجع ذلك الامام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى عليه السلام فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول: تقدم فصل فانها لك اقيمت، فيصلي بهم امامهم، فاذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون الف يهودي كلهم ذو سيف محلى وتاج، فاذا نظر اليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا، فيقول عيسى ان لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب لد) الشرقي فيقتله، ويهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالى يتوارى به يهودي الا انطق الله ذلك الشيء - لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة، الا الفرقدة فانها من شجرهم لا تنطق - الا قال يا عبد الله المسلم: هذا يهودي فتعال اقتله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وان ايامه اربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، واخر ايامه كالشررة يصبح احدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الاخر حتى يمسي"، فقيل له: كيف نصلي يا نبي الله في تلك الايام القصار؟ قال: "تقدرون الصلاة كما تقدرون في هذه الايام الطوال ثم صلوا"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فيكون عيسى بن مريم في امتي حكما عدلا واماما مقسطا، يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترتفع الشحناء والتباغض، وتنزح حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتفر الوليدة الاسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كانه كلبها، وتملا الارض من السلم كما يملا الاناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد الا الله، وتضع الحرب اوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الارض لها نور الفضة، وتنبت نباتها كعهد ادم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال ويكون الفرس بالدريهمات" قيل يا رسول الله ومايرخص الفرس؟ قال: "لا تركب لحرب ابدا"، قيل له فما يغلي الثور؟ قال: "يحرث الارض كلها، وان قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، ويامر الله السماء في السنة الاولى ان تحبس ثلث مطرها، ويامر الارض فتحبس ثلث نباتها، ثم يامر الله السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويامر الارض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يامر الله عز وجل السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويامر الارض ان تحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف الا هلكت الا ما شاء الله" قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام" (اخرجه ابن ماجة، قال الحافظ ابن كثير: غريب جدا من هذا الوجه ولبعضه شواهد من احاديث اخر) (حديث اخر) : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبيء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله - الا الفرقد فانه من شجر اليهود" (رواه مسلم عن ابي هريرة مرفوعا) . (حديث اخر) : وقال مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا اليه عرف ذلك في وجوهنا، فقال: "ما شانكم"؟ قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، قال: "غير الدجال اخوفني عليكم، ان يخرج وانا فيكم، فانا حجيجه دونكم، وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، انه شاب قطط، عينه طافية كاني اشبهه بعبد العزى بن قطن، من ادركه منكم فليقرا عليه فواتح سورة الكهف، انه خارج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا" قلنا: يا رسول الله فما لبثه في الارض؟ قال: "اربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر ايامه كايامكم" قلنا يا رسول الله وذلك اليوم الذي كسنة اتكفينا فيه صلاة يوم؟ قا: "لا، اقدروا له قدره"، قلنا يا رسول الله وما اسراعه في الارض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح، فياتي على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيامر السماء فتمطر، والارض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم اطول ما كانت ذرى اسبغه ضروعا وامده خواصر، ثم ياتي القوم فيدعوهم فيردون عليهم قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بايديهم شيء من اموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: اخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل (يعاسيب النحل: ذكروها)، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل وتهلل وجهه ويضحك. فبينما هو كذلك اذ بعث الله (المسيح بن مريم) عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على اجنحة ملكين، اذا طاطا راسه قطر، واذار رفعه تحر منه كجمان اللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه الا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم ياتي عيسى عليه السلام قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك اذا اوحى الله عز وجل الى عيسى: اني قد اخرجت عبادا لي لا يدان لاحد بقتالهم فحرز عبادي الى الطور. ويبعث الله (ياجوج وماجوج) وهم من كل حدب ينسلون، فيمر اولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر اخرهم فيقولون: لقد كان بهذا مرة ماء، ويحضر نبي الله عيسى واصحابه حتى يكون راس الثور لاحدهم خيرا من مائة دينار لاحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى واصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى (اي: قتلى) كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى واصحابه الى الارض فلا يجدون في الارض موضع شبر الا ملاه زهمهم (رائحتهم النتنة المتغيرة) ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى واصحابه الى الله فيرسل الله طيرا كاعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الارض حتى يتركها كالزلفة (الزلفة بالتحريك: المراة) . ثم يقال للارض اخرجي ثمرك وردي بركتك، فيومئذ تاكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك الله في الرسل حتى ان اللقحة من الابل لتكفي الفئام (الرسل بالتحريك: القطيع الجمع ارسال، واللقحة - بالكسر وبالفتح لغة - هي ذات اللبن، والفئام الجماعة) من الناس فبينما هم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة فتاخذهم تحت اباطهم، فيقبض الله روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة" (اخرجه مسلم ورواه احمد واهل السنن) (يتبع...) (تابع... 2): 155 - فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بايات الله وقتلهم الانبياء بغير حق... ... (حديث اخر}: قال مسلم في صحيحه عن يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي يقول، سمعت عبد الله ابن عمرو - وجاءه رجل - فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: ان الساعة تقوم الى كذا وكذا، فقال: (سبحان الله) او (لا اله الا الله) او كلمة نحوهما، لقد هممت ان لا احدث احدا شيئا ابدا، انما قلت: انكم سترون بعد قليل امرا عظيما: يحرق البيت ويكون ويكون، ثم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يخرج الدجال في امتي فيمكث اربعين، لا ادري اربعين يوما، او اربعين شهرا، او اربعين عاما، فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم كانه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الارض احد في قلبه مثقال ذرة من خير - او ايمان - الا قبضته، حتى لو ان احدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بيبقى شرار الناس في خفة الطير واحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: لا تستجيبون؟ فيقولون: فما تامرنا؟ فيامرهم بعبادة الاوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حس عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه احد الا اصغى ليتا ورفع ليتا، قال: واول من سمعه رجل يلوط حوض ابله، فيصعق ويصعق الناسن ثم يرسل الله - او قال ينزل الله - مطرا كانه الطل - او قال الظل - نعمان الشاك - فتنبت منه اجساد الناس، ثم ينفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون. ثم يقال: ايها الناس هلموا الى ربكم {وقفوهم انهم مسؤولون}، ثم يقال: اخرجوا بعث الناس، فيقال من كم؟ فيقال: من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال فذلك {يوما يجعل الولدان شيبا} وذلك {يوم يكشف عن ساق} (اخرجه مسلم والنسائي) (حديث اخر) قال الامام احمد، اخبرنا عبد الرزاق، اخبرنا معمر عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله ابن ثعلبة الانصاري، عن عبد الله بن زيد الانصاري، عن مجمع بن جارية، قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد - او الى جانب لد - " ورواه احمد ايضا عن سفيان بن عيينة من حديث الليث والاوزاعي، ثلاثتهم عن الزهري عن عبد الله بن عبيد الله بن ثعلبة، عن عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد" وكذا رواه الترمذي عن قتيبة عن الليث به، وقال: هذا حديث صحيح. قال: وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عيينة وابي برزة وحذيفة بن اسيد وابي هريرة، وكيسان، وعثمان بن ابي العاص، وجابر وابي امامة، وابن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان، وعمرو بن عوف، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم. ومراده برواية هؤلاء ما فيه ذكر الدجال، وقتل عيسى بن مريم عليه السلام له. (حديث اخر) : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر ايات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج ياجوج وماجوج، ونزول عيسى بن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق - او تحشر - الناس، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" (رواه احمد ومسلم واصحاب السنن) وذكر الحافظ ابو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى بن مريم من تاريخه عن بعض السلف: انه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته، فالله اعلم. وقوله تعالى: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} قال قتادة: يشهد عليهم انه قد بلغهم الرسالة من الله، واقر بعبودية الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى في اخر سورة المائدة: {واذ قال الله يا عيسى ابن مريم اانت قلت للناس - الى قوله - العزيز الحكيم}.
8 46 احاديث 5 - سورة المائدة [مقدمة] قال الامام احمد عن اسماء بنت يزيد، قالت: اني لاخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة. وقال احمد ايضا، عن عبد الله بن عمرو، قال: انزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع ان تحمله، فنزل عنها، وقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو، قال: اخر سورة انزلت سورة المائدة والفتح، وقد روي عن ابن عباس انه قال: اخر سورة انزلت {اذا جاء نصر الله والفتح}، وعن جبير بن نفير، قال: حججت، فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرا المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: اما انها اخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه (رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين) ورواه الامام احمد عن معاوية بن صالح، وزاد: وسالتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: القران. بسم الله الرحمن الرحيم (تابع... 1): 3 - حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به... ... وقوله تعالى: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} قال ابن عباس: يعني يئسوا ان يراجعوا دينهم، وكذا روي عن عطاء ومقاتل وعلى هذا المعنى يرد الحديث الثابت في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان الشيطان قد يئس ان يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم". ويحتمل ان يكون المراد انهم يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك واهله، ولهذا قال تعالى امرا لعباده المؤمنين ان يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا احدا الا الله، فقال: {فلا تخشوهم واخشون} اي لا تخافوهم في مخالفتكم اياهم واخشوني انصركم عليهم واوؤيدكم واظفركم بهم، اشف صدوركم منهم، واجعلكم فوقهم في الدنيا والاخرة. وقوله: {اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} هذه اكبر نعم الله تعالى على هذه الامة حيث اكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون الى دين غيره، ولا الى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الانبياء، وبعثه الى الانس والجن، فلا حلال الا ما احله ولا حرام الا ما حرمه، ولا دين الا ما شرعه، وكل شيء اخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} اي صدقا في الاخبار، وعدلا في الاوامر والنواهي. فلما اكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى: {اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} اي فارضوه انتم لانفسكم فانه لدين الذي احبه الله ورضيه بعث به افضل الرسل الكرام، انزل به اشرف كتبه، وقال ابن عباس قوله: {اليوم اكملت لكم دينكم} وهو الاسلام اخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين انه قد اكمل لهم الايمان، فلا يحتاجون الى زيادة ابدا، وقد اتمه الله فلا ينقصه ابدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه ابدا. وقال السدي: نزلت هذه الاية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام. وقال ابن جرير: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة باحد وثمانين يوما. لما نزلت {اليوم اكملت لكم دينكم} وذلك يوم الحج الاكبر بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ما يبكيك"؟ قال ابكاني انا كنا في زيادة من ديننا، فاما اذا اكمل فانه لم يكمل شيء الا نقص، فقال: "صدقت"، ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: "ان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء"، وقال الامام احمد: جاء رجل من اليهود الى عمر بن الخطاب، فقال: يا امير المؤمنين انكم تقراون اية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: واي اية؟ قال قوله: {اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي}، فقال عمر: والله اني لاعمل اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية عرفة في يوم جمعة. ولفظ البخاري قال، قالت اليهود لعمر: انكم تقراون اية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا، فقال عمر: اني لاعلم حين انزلت، واين انزلت، واين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث انزلت: يوم عرفة وانا والله بعرفة، قال سفيان: واشك كان يوم الجمعة ام لا {اليوم اكملت لكم دينكم} الاية، وقال كعب: لو ان غير هذه الامة نزلت عليهم هذه الاية لنظروا اليوم الذي انزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر: اي اية يا كعب؟ فقال: {اليوم اكملت لكم دينكم} فقال عمر: قد علمت اليوم الذي انزلت، والمكان الذي انزلت فيه: في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد. وعن علي قال: نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة {اليوم اكملت لكم دينكم} (رواه ابن مردويه) وقوله تعالى: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم} اي فمن احتاج الى تناول شيء من هذه المحرامات التي ذكرها الله تعالى لضرورة الجاته الى ذلك، فله تناوله، والله غفور رحيم له، لانه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره الى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له. وفي المسند عن ابن عمر مرفوعا قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ان الله يحب ان تؤتى رخصته كما يكره ان تؤتى معصيته" لفظ ابن حبان؛ وفي لفظ لاحمد: "من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الاثم مثل جبال عرفة"، ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الاحيان، وهو ما اذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا بحسب الاحوال، واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق، او له ان يشبع او يشبع ويتزود؟ على اقوال؛ كما هو مقرر في كتاب الاحكام. وليس من شرط جواز تناول الميتة ان يمضي عليه ثلاثة ايام لا يجد طعاما، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر الى ذلك جاز له. وقد قال الامام احمد، عن ابي واقد الليثي، انهم قالوا: يا رسول الله، انا بارض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: "اذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بها بقلا فشانكم بها"، وهو اسناد صحيح على شرط الصحيحين ومعنى قوله: "ما لم تصطبحوا" يعني به الغداء "وما لم تغتبقوا" يعني به العشاء "او تحتفئوا بقلا فشانكم بها" فكلوا منها. وقال ابن جرير: يروى هذا الحرف، يعني قوله "او تحتفئوا" على اربعة اوجه: تحتفئوا بالهمزة، وتحتفيوا: بتخفيف الياء والحاء، وتحتفوا بتشديد الفاء، وتحتفوا بالحاء والتخفيف ويحتمل الهمز، كذا رواه في التفسير. (حديث اخر) : قال ابو داود عن النجيع العامري انه اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال: "ما طعامكم؟" قلنا: نصطبح ونغتبق. قال ابو نعيم: فسره لي عقبة، قدح غدوة وقدح عشية، قال: ذاك وابي الجوع، واحل لهم الميتة على هذه الحال. تفرد به ابو داود، وكانهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئا لا يكفيهم، فاحل لهم الميتة لتمام كفايتهم، وقد يحتج به من يرى جواز الاكل منها حتى يبلغ حد الشبع، ولا يتقيد ذلك بسد الرمق والله اعلم. (حديث اخر) : قال ابو داود عن جابر عن سمرة: ان رجلا نزل الحرة ومعه اهل وولده، فقال له رجل: ان ناقتي ضلت فان وجدتها فامسكها، فوجدها ولم يجد صاحبها، فمرضت فقالت له امراته: انحرها، فابى، فنفقت، فقالت له امراته: اسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فناكله، قال: لا، حتى اسال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتاه فساله، فقال: "هل عندك غنى يغنيك" قال: لا، قال: "فكلوها"، قال: فجاء صاحبها فاخبره الخبر فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك. وقد يحتج به من يجوز الاكل والشبع والتزود منها مدة يغلب على ظنه الاحتياج اليها، والله اعلم. وقوله: {غير متجانف لاثم} اي متعاط لمعصية الله، فان الله قد اباح ذلك له، وسكت عن الاخر، كما قال في سورة البقرة: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم}، وقد استدل بهذه الاية من يقول بان العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر لان الرخص لا تنال بالمعاصي، والله اعلم. (تابع... 1): 6 - يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم... ... قد تقدم في حديث امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين في وضوئه اما مرة واما مرتين او ثلاثا على اختلاف رواياتهم، وفي حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضا فغسل قدميه ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به" وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فادركنا، وقد ارهقتنا الصلاة: صلاة العصر، ونحن نتوضا، فجعلنا نمسح على ارجلنا، فنادى باعلى صوته: "اسبغوا الوضوء ويل للاعقاب من النار"، وفي رواية: "ويل للاعقاب وبطون الاقدام من النار"، رواه البيهقي والحاكم. وقال الامام احمد عن جابر بن عبد الله قال: راى النبي صلى الله عليه وسلم في رجل رجل مثل الدرهم لم يغسله فقال: "ويل للاعقاب من النار". وقال ابن جرير عن ابي امامة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابصر قوما يصلون وفي عقب احدهم او كعب احدهم مثل موضع الدرهم او موضع الظفر لم يمسه الماء فقال: "ويل للاعقاب من النار"، قال: فجعل الرجل اذا راى في عقبه شيئا لم يصبه الماء اعاد وضوءه. ووجه الدلاة من هذه الاحاديث ظاهر، وذلك انه لو كان فرض الرجلين مسحهما او انه يجوز ذلك فيهما لما توعد على تركه، لان المسح لا يستوعب جميع الرجل بل يجري فيه ما يجري في مسح الخف، وهكذا وجه هذه الدلالة على الشيعة الامام ابو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى، وقد روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب: ان رجلا توضا فترك موضع ظفر على قدمه فابصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فاحسن وضوءك". وقال الامام احمد عن خالد بن معدان عن بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم انه راى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعيد الوضوء. ورواه ابو داود وزاد "والصلاة" وهذا اسناد جيد قوي صحيح، والله اعلم. وقال الامام احمد، قال ابو امامة: حدثنا عمرو بن عبس، قال، قلت: يا رسول الله اخبرني عن الوضوء؟ قال: "ما منكم من احد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر، الا خرت خطايه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر، ثم يغسل وجهه كما امره الله الا خرت خطايا وجهه من اطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه الى المرفقين الا خرت خطايا يديه من اطراف انامله، ثم يمسح راسه الا خرت خطايا راسه من اطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه الى الكعبين كما امره الله الا خرت خطايا قدميه من اطراف اصابعه مع الماء ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له اهل، ثم يركع ركعتين الا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه". قال ابو امامة: يا عمرو انظر ما تقول، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ايعطى هذا الرجل كله في مقامه؟ فقال عمرو بن عبسة: يا ابا امامة لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب اجلين وما بي حاجة ان اكذب على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو لم اسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم الا مرة او مرتين او ثلاثا، لقد سمعته سبع مرات او اكثر من ذلك، وهذا اسناد صحيح، وهو في صحيح مسلم من وجه اخر، وفيه: ثم يغسل قدميه كما امره الله فدل على ان القران يامر بالغسل، وهكذا روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه قال: اغسلوا القدمين الى الكعبين كما امرتم، وقد روى ابو داود عن اوس بن ابي اوس، قال: رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى سباطة قوم فبال وتوضا ومسح على نعليه وقدميه. وقد رواه ابن جرير من طريق شعبة ثم قال: وهذا محمول على انه تضا كذلك وهو غير محدث، اذ كان غير جائز ان تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافية متعارضة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الامر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى اليه وبلغه، ولما كان القران امرا بغسل الرجلين كما في قراءة النصب وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليها توهم بعض السلف ان هذه الاية ناسخة لرخصة المسح على الخفين، وقد روي ذلك عن علي بن ابي طالب، ولكن لم يصح اسناده، ثم الثابت عنه خلافه وليس كما زعموه فانه قد ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول هذه الاية الكريمة وقال الامام احمد عن جرير ابن عبد الله البجلي قال: انا اسلمت بعد نزول المائدة، وانا رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بعدما اسلمت؛ وفي الصحيحين عن همام قال: بال جرير ثم توضا ومسح على خفيه فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضا ومسح على خفيه. قال الاعمش، قال ابراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث لان اسلام جرير كان بعد نزول المائدة، لفظ مسلم. وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية المسح على الخفين قولا منه وفعلا، وقد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند بل بجهل وضلال، مع انه ثابت في صحيح مسلم من رواية امير المؤمنين علي ابن ابي طالب رضي الله عنه، كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن نكاح المتعة وهم يستبيحونها، وكذلك هذه الاية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق ما دلت عليه الاية الكريمة، وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في نفس الامر ولله الحمد، وهكذا خالفوا الائمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين، فعندهم انهما في ظهر القدم فعندهم في كل رجل كعب، وعند الجمهور ان الكعبين هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم. قال الربيع، قال الشافعي: لم اعلم مخالفا في ان الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان، وهما مجمع مفصل الساق والقدم هذا لفظه. قوله تعالى: {وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه} كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير اية النساء، فلا حاجة بنا الى اعادته لئلا يطول الكلام. وقد ذكرنا سبب نزول اية التيمم هناك، ولكن البخاري روى ههنا حديثا خاصا بهذه الاية الكريمة، فقال عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فاناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى راسه في حجري راقدا، فاقبل ابو بكر فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة، فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني؛ وقد اوجعني، ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: {يا ايها الذين امنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} الى اخر الاية، فقال اسيد بن الحضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا ال ابي بكر ما انتم الا بركة لهم (قال السيوطي: دل الحديث على ان الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول الاية، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء، وبعضهم يرى احتمال نزول اول الاية في فرضية الوضوء، ثم نزل بقيتها بعد ذلك في التيمم والاول اصوب؛ لان فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة، والاية مدنية) وقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} اي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر بل اباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ورحمة بكم، وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء الا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه. وقوله تعالى: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} اي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرافة والرحمة والتسهيل والسماحة، وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بان يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الاية الكريمة، كما رواه الامام احمد ومسلم واهل السنن عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الابل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فادركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس، فادركت من قوله: "ما من مسلم يتوضا فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه الا وجبت له الجنة" قال، قلت: ما اجود هذه! فاذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها اجود منها، فنظرت، فاذا عمر رضي الله عنه فقال: اني قد رايتك جئت انفا، قال: "ما منكم من احد يتوضا فيبلغ او فيسبغ الوضوء يقول اشهد ان لا اله الا الله، وان محمدا عبده ورسوله، الا فتحت له ابواب الجنة الثمانية يدخل من ايها شاء"، لفظ مسلم. وروي عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اذا توضا العبد المسلم او المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر اليها بعينيه مع الماء او مع اخر قطر الماء، فاذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، او مع اخر قطر الماء، فاذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء او مع اخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب" رواه مسلم وروى ابن جرير عن ابي امامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من توضا فاحسن الوضوء، ثم قام الى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه" وروى مسلم في صحيحه عن ابي مالك الاشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطهور شطر الايمان، والحمد لله تملا الميزان، وسبحان الله والله اكبر تملا ما بين السماء والارض، والصوم جنة، والصبر ضياء، والصدقة برهان، والقران حجة لك او عليك، كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها او موبقها" وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور". (تابع... 1): 32 - من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او... ... وقوه تعالى: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم} اي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع اديهم وارجلهم من خلاف ونفيهم، خزي لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا، مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة، وهذا يؤيد قول من قال: انها نزلت في المشركين، فاما اهل الاسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: اخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اخذ على النساء الا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل اولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا، (يعضه: يرمي غيره بالافك والكذب والبهتان) فمن وفى منكم فاجره على الله تعالى، ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره الله فامره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه. وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من اذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله اعدل من ان يثني عقوبته على عبده، ومن اذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله اكرم من ان يعود عليه في شيء قد عفا عنه" (رواه احمد والترمذي وابن ماجة" وقال ابن جرير {ذلك لهم خزي في الدنيا}: يعني شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا فبل الاخرة {ولهم في الاخرة عذاب عظيم} اي اذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا فلهم في الاخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا والعقوبة التي عاقبتهم بها في الدنيا عذاب عظيم يعني عذاب جهنم. وقوله تعالى: {الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم} اما على قول من قال: انها في اهل الشرك، فظاهر. واما المحاربون المسلمون فاذا تابوا قبل القدرة عليهم فانه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد ام لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الاية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة. وروى ابن جرير عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد الى ابي موسى، وهو على الكوفة في امارة عثمان رضي الله عنه بعدما صلى المكتوبة، فقال: يا ابا موسى هذا مقام العائذ بك، انا فلان بن فلان المرادي، واني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الارض فسادا، واني تبت من قبل ان تقدروا علي، فقال ابو موسى: ان هذا فلان بن فلان، وانه كان حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا، وانه تاب من قبل ان نقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له الا بخير. فان يك صادقا فسبيل من صدق، وان يك كاذبا تدركه ذنوبه، فاقام الرجل ما شاء الله، ثم انه خرج فادركه الله تعالى بذنوبه فقتله. ثم روى ابن جرير ان عليا الاسدي حارب، واخاف السبيل، واصاب الدم والمال، فطلبه الائمة والعامة فامتنع، ولم يقدروا عليه حتى جاء تائبا، وذلك انه سمع رجلا يقرا هذه الاية: {قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم} فوقف عليه، فقال: يا عبد الله اعد قراءتها فاعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائبا، حتى قدم المدينة من السحر، فاغتسل، ثم اتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح، ثم قعد الى ابي هريرة في اغمار اصحابه، فلما اسفروا عرفه الناس، فقاموا اليه، فقال: لا سبيل لكم علي، جئت تائبا من قبل ان تقدروا علي، فقال ابو هريرة: صدق، واخذ بيده حتى اتى مروان بن الحكم، وهو امير على المدينة في زمن معاوية فقال: هذا جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه، ولا قتل، فترك من ذلك كله، قال: وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر، فلقوا الروم، فقربوا سفينته الى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الروم في سفينتهم، فهربوا منه الى شقها الاخر، فمالت به وبهم، فغرقوا جميعا.
9 71 احاديث 6 - سورة الانعام بسم الله الرحمن الرحيم