مختصر تفسير ابن كثير المجلد الثالث

مختصر تفسير ابن كثير

المجلد الثالث

متسلسل العدد النوع العنوان الوصف
1 - - المجلد الثالث
2 28 احاديث 28 - سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - طسم - 2 - تلك ايات الكتاب المبين - 3 - نتلوا عليك من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون - 4 - ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين - 5 - ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين - 6 - ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون % قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة. وقوله: {تلك} اي هذه {ايات الكتاب المبين} اي الواضح الجلي الكاشف عن حقائق الامور وعلم ما قد كان وما هو كائن، وقوله: {نتلو عليك من نبا موسى وفرعون بالحق} اي نذكر لك الامر على ما كان عليه كانك تشاهد وكانك حاضر، ثم قال تعالى: {ان فرعون علا في الارض} اي تكبر وتجبر وطغى، {وجعل اهلها شيعا} اي اصنافا قد صرف كل صنف فيما يريد من امور دولته، وقوله تعالى: {يستضعف طائفة منهم} يعني بني اسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار اهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في اخس الاعمال، ويقتل مع هذا ابناءهم، ويستحيي نساءهم، اهانة لهم واحتقارا وخوفا من ان يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه، فاحترز فرعون من ذلك، وامر بقتل ذكور بني اسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر لان اجل الله اذا جاء لا يؤخر ولكل اجل كتاب، ولهذا قال تعالى: {ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض - الى قوله - يحذرون} وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال تعالى: {واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون - الى قوله - يعرشون}، وقال تعالى: {كذلك واورثناها بني اسرائيل} اراد فرعون بحوله وقوته ان ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الاله العظيم الذي لا يخالف امره ولا يغلب، بل نفذ حكمه في القدم بان يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه الوفا من الولدان، انما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وانت تربيه وتدلله وتتفداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم ان رب السماوات العلا هو القاهر الغالب العظيم، القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشا لم يكن.
3 23 احاديث 29 - سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - الم - 2 - احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون - 3 - ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين - 4 - ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون % اما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في اول سورة البقرة، وقوله تعالى: {احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون} (اخرج ابن ابي حاتم: ان {الم احسب ...} نزلت في اناس كانوا بمكة، اقروا بالاسلام فكتب اليهم اصحاب الرسول عليه السلام بالمدينة ان لا يقبل منهم حتى يهاجروا، فخرجوا الى المدينة فردهم المشركون، واخرج ابن سعد: انها نزلت في عمار بن ياسر اذ كان يعذب في الله، كما في اللباب) استفهام انكار، ومعناه ان الله سبحانه وتعالى لا بد ان يبتلي عباده المؤمنين، بحسب ما عندهم من الايمان، كما جاء في الحديث الصحيح، "اشد الناس بلاء الانبياء، ثم الصالحون، ثم الامثل فالامثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فان كان في دينه صلابة زيد له في البلاء" وهذه الاية كقوله: {ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين منكم ويعلم الصابرين}، وقال في البقرة: {ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب}، ولهذا قال ههنا: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} اي الذين صدقوا في دعوى الايمان، ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن كيف يكون وهذا مجمع عليه عند ائمة السنة والجماعة، وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله: {الا لنعلم} الا لنرى، وذلك لان الرؤية انما تتعلق بالموجود والعلم اعم من الرؤية فانه يتعلق بالمعدوم والموجود، وقوله تعالى: {ام حسب الذين يعلون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون} اي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الايمان انهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فان من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو اغلظ من هذا واطم، ولهذا قال: {ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا} اي يفوتونا {ساء يحكمون} اي بئس ما يظنون.
4 19 احاديث 30 - سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - الم - 2 - غلبت الروم - 3 - في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون - 4 - في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون - 5 - بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم - 6 - وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون - 7 - يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون % نزلت هذه الايات حين غلب الفرس (اخر ملوك الفرس الذي قتل زمن عثمان بن عفان هو: يزدجر بن شهريار، وهو الذي كتب له النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه للاسلام، فمزق الكتاب، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يمزقوا كل ممزق) على بلاد الشام، وما والاها من بلاد الجزيرة واقاصي بلاد الروم، فاضطر ملك الروم حتى لجا الى القسطنطينية وحوصر فيها مدة طويلة، ثم عادت الدولة لهرقل كما سياتي. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المشركون يحبون ان تظهر فارس على الروم لانهم اصحاب اوثان، وكان المسلمون يحبون ان تظهر الروم على فارس، لانهم اهل الكتاب، فذكر ذلك لابي بكر، فذكره ابو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اما انهم سيغلبون"، فذكره ابو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك اجلا، فان ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وان ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل اجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك ابو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الا جعلتها الى دون العشر؟ ثم ظهرت الروم بعد، قال فذلك قوله: {الم * غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} (اخرجه الامام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما). (حديث اخر: عن مسروق قال، قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم (اخرجاه في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود موقوفا). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون يحبون ان تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون ان تظهر الروم على فارس، لانهم اهل كتاب، وهم اقرب الى دينهم، فلما نزلت: {الم * غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد عليهم سيغلبون في بضع سنين} قالوا: يا ابا بكر ان صاحبك يقول: ان الروم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق، قالوا: هل لك ان نقامرك، فبايعوه على اربع قلائص الى سبع سنين فمضت السبع، ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، فشق على المسلمين فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بضع سنين عندكم"؟ قالوا دون العشر، قال: "اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الاجل" قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك وانزل الله تعالى: {الم * غلبت الروم - الى قوله تعالى - وعد الله لا يخلف الله وعده} (اخرجه ابن جرير ورواه ابن ابي حاتم والترمذي قريبا منه). وقال عكرمة: لقي المشركون اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: انكم اهل كتاب، والنصارى اهل كتاب، ونحن اميون وقد ظهر اخواننا من اهل فارس على اخوانكم من اهل الكتاب، وانكم ان قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فانزل الله تعالى: {الم * غلبت الروم في ادنى الارض - الى قوله - ينصر من يشاء} فخرج ابو بكر الصديق الى الكفار فقال: افرحتم بظهور اخوانكم على اخواننا، فلا تفرحوا ولا يقرن الله اعينكم، فوالله ليظهرن الله الروم على فارس، اخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فقام اليه (ابي بن خلف) فقال: كذبت يا ابا فضيل، فقال له ابو بكر: انت اكذب يا عدو الله، فقال: اناجيك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فان ظهرت الروم على فارس غرمت، وان ظهرت فارس غرمت الى ثلاث سنين، ثم جاء ابو بكر الى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال: "ما هكذا ذكرت انما البضع ما بين الثلاث الى التسع فزايده في خطر، وماده في الاجل"، فخرج ابو بكر، فلقي ابيا فقال: لعلك ندمت؟ فقال: لا، تعال ازايدك في الخطر وامادك في الاجل، فاجعلها مائة قلوص الى تسع سنين، قال: قد فعلت، فظهرت الروم على فارس قبل ذلك فغلبهم المسلمون. ولنتكلم على كلمات هذه الايات الكريمات، فقوله تعالى: {الم * غلبت الروم} قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في اوائل السور في اول سورة البقرة، واما الروم فهم من سلالة العيص بن اسحاق بن ابراهيم، ويقال لهم بنو الاصفر، وكانوا على دين اليونان، واليونان من سلالة يافث بن نوح ابناء عم الترك، وكانوا يعبدون الكواكب السيارة، وهم الذين اسسوا دمشق وبنوا معبدها، فكان الروم على دينهم الى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلثمائة سنة، وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له (قيصر)، فكان اول من دخل في دين النصارى من الروم (قسطنطين)، وامه مريم الهيلانية من ارض حران كانت قد تنصرت قبله فدعته الى دينها، وكان قبل ذلك فيلسوفا، فتابعها، واجتمعت به النصارى وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن اريوس، واختلفوا اختلافا كثيرا لا ينضبط، الا انه اتفق جماعتهم ثلثمائة وثمانية عشر اسقفا، فوضعوا لقسطنطين العقيدة، وهي التي يسمونها (الامانة الكبيرة) وانما هي الخيانة الحقيرة، ووضعوا له القوانين يعنون كتب الاحكام من تحريم وتحليل وغير ذلك مما يحتاجون اليه، وغيروا دين المسيح عليه السلام، وزادوا فيه ونقصوا منه، فصلوا الى المشرق، واعتاضوا عن السبت بالاحد، وعبدوا الصليب، واحلوا الخنزير، واتخذوا اعيادا احدثوها، كعيد الصليب والقداس والغطاس وغير ذلك من البواعيث والشعانين، وجعلوا له الباب وهو كبيرهم، ثم البتاركة، ثم المطارنة، ثم الاساقفة والقساوسة، ثم الشمامسة، وابتدعوا الرهبانية، وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد، واسس المدينة المنسوبة اليه وهي القسطنطينية، يقال: انه بنى في ايامه اثني عشر الف كنيسة، وبنى بيت لحم بثلاث محاريب، وبنت امه القمامة، وهؤلاء هم الملكية، يعنون الذين هم على دين الملك، ثم حدثت اليعقوبية اتباع يعقوب الاسكاف ثم النسطورية اصحاب نسطورا، وهم فرق وطوائف كثيرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انهم افترقوا على اثنين وسبعين فرقة". والغرض انهم استمروا على النصرانية كلما هلك قيصر خلفه اخر بعده حتى كان اخرهم (هرقل) وكان من عقلاء الرجال، ومن احرم الملوك وادهاهم وابعدهم غورا واقصاهم رايا، فتملك عليهم في رياسة عظيمة وابهة كثيرة، فناواه كسرى ملك الفرس، وكانت مملكته اوسع من مملكة قيصر، وكانوا مجوسا يعبدون النار، فتقدم عن عكرمة انه قال: بعث اليه نوابه وجيشه فقاتلوه، والمشهور ان كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه، ولم يقدر كسرى على فتح البلد ولا امكنه ذلك لحصانتها، لان نصفها من ناحية البر ونصفها الاخر من ناحية البحر، فكانت تاتيهم الميرة والمدد من هنالك، ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع، فان البضع في كلام العرب ما بين الثلاث الى التسع. وقوله تعالى: {لله الامر من قبل ومن بعد} اي من قبل ذلك ومن بعده، {ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} اي للروم اصحاب قيصر ملك الشام على فارس اصحاب كسرى، وهم المجوس، وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كثيرة من العلماء كابن عباس والثوري والسدي وغيرهم، وقد ورد في الحديث عن ابي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فاعجب ذلك المؤمنين ففرحوا به، وانزل الله: {ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} (اخرجه الترمذي وابن ابي حاتم والبرار)، وقال الاخرون: بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية (يروى هذا القول عن عكرمة والزهري وقتادة وغيرهم)، والامر في هذا سهل قريب، الا انه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك لان الروم اهل كتاب في الجملة فهم اقرب الى المؤمنين من المجوس، كما قال تعالى: {لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا، ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى - الى قوله - ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين}. وقال تعالى ههنا: {ويؤمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}، عن العلاء بن الزبير الكلابي عن ابيه قال: رايت غلبة فارس الروم، ثم رايت غلبة الروم فارس، ثم رايت غلبة المسلمين فارس والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة (اخرجه ابن ابي حاتم). وقوله تعالى: {وهو العزيز} اي في انتصاره وانتقامه من اعدائه، {الرحيم} بعباده المؤمنين، وقوله تعالى: {وعد الله لا يخلف الله وعده} اي هذا الذي اخبرناك به يا محمد من انا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق، وخبر صدق لايخلف، ولا بد من كونه ووقوعه، لان الله قد جرت سنته ان ينصر اقرب الطائفتين المقتتلتين الى الحق ويجعل لها العاقبة، {ولكن اكثر الناس لا يعلمون} اي بحكم الله في كونه وافعاله المحكمة الجارية على وفق العدل، وقوله تعالى: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم الغافلون} اي اكثر الناس ليس لهم علم الا بالدنيا واكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق اذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في امور الدين وما ينفعهم في الدار الاخرة، كان احدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة، قال الحسن البصري: والله ليبلغ من احدهم بدنياه انه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن ان يصلي، وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم الغافلون} يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في امر الدين جهال.
5 14 احاديث 31 - سورة لقمان بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - الم - 2 - تلك ايات الكتاب الحكيم - 3 - هدى ورحمة للمحسنين - 4 - الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون - 5 - اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون % تقدم في اول سورة البقرة عامة الكلام على ما يتعلق بصدر هذه الاية، وهو انه سبحانه وتعالى جعل هذا القران هدى وشفاء ورحمة للمحسنين، وهم الذين احسنوا العمل في اتباع الشريعة، فاقاموا الصلاة المفروضة بحدودها واوقاتها، وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة، واتوا الزكاة المفروضة عليهم الى مستحقيها، ووصلوا ارحامهم وقراباتهم، وايقنوا بالجزاء في الدار الاخرة، فرغبوا الى الله في ثواب ذلك، لم يراؤوا ولا ارادوا جزاء من الناس ولا شكورا، فمن ذلك كذلك فهو من الذين قال الله تعالى: {اولئك على هدى من ربهم} اي على بصيرة وبينة ومنهج واضح جلي {واولئك هم المفلحون} اي في الدنيا والاخرة.
6 10 احاديث 32 - سورة السجدة روى البخاري عن ابي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرا يوم الجمعة (الم تنزيل) السجدة و {هل اتى على الانسان}، وروى الامام احمد عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرا الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك. بسم الله الرحن الرحيم
7 34 احاديث 33 - سورة الاحزاب بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ان الله كان عليما حكيما - 2 - واتبع ما يوحى اليك من ربك ان الله كان بما تعملون خبيرا - 3 - وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا % قال طلق بن حبيب: التقوى ان تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وان تترك معصية الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله، وقوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} (دعا اهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يرجع عن قوله، على ان يعطوه شطرا من اموالهم، وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة، فانزل الله {يا ايها النبي ...} الاية. اخرجه جويبر، وذكره في اللباب) اي لا تسمع منهم ولا تستشرهم {ان الله كان عليما حكيما} اي فهو احق ان تتبع اوامره وتطيعه، فانه عليم بعواقب الامور، حكيم في اقواله وافعاله، ولهذا قال تعالى: {واتبع ما يوحي اليك من ربك} اي من قران وسنة، {ان الله كان بما تعملون خبيرا} اي فلا تخفى عليه خافية، {وتوكل على الله} اي في جميع امورك واحوالك، {وكفى بالله وكيلا} اي وكفى به وكيلا لمن توكل عليه واناب اليه.
8 18 احاديث 34 - سورة سبا بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير - 2 - يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور % يخبر تعالى عن نفسه الكريمة ان له الحمد المطلق في الدنيا والاخرة، لانه المنعم المتفضل على اهل الدنيا والاخرة، المالك لجميع ذلك، الحاكم في جميع ذلك، ولهذا قال تعالى: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض} اي الجميع ملكه وعبيده وتحت تصرفه وقهره، كما قال تعالى: {وان لنا للاخرة والاولى}، ثم قال تعالى: {وله الحمد في الاخرة} فهو المعبود ابدا، المحمود على طول المدى، وقوله تعالى: {وهو الحكيم} اي في اقواله وافعاله وشرعه وقدره، {الخبير} الذي لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عنه شيء، وقال الزهري: خبير بخلقه حكيم بامره، ولهذا قال عز وجل: {يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها} اي يعلم عدد القطر النازل في اجزاء الارض، والحب المبذور والكامن فيها، ويعلم ما يخرج من ذلك وعدده وكيفيته وصفاته {وما ينزل من السماء} اي من قطر ورزق، {وما يعرج فيها} اي من الاعمال الصالحة وغير ذلك، {وهو الرحيم الغفور} اي الرحيم بعباده فلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة {الغفور} عن ذنوب التائبين اليه المتوكلين عليه.
9 19 احاديث 35 - سورة فاطر بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير % قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت لا ادري ما فاطر السماوات والارض حتى اتاني اعرابيان يختصمان في بئر، فقال احدهما لصاحبه: انا فطرتها اي بداتها، وقال ابن عباس: {فاطر السماوات والارض}: اي بديع السماوات والارض، وقال الضحاك: كل شيء في القران فاطر السماوات والارض: فهو خالق السماوات والارض، وقوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلا} اي بينه وبين انبيائه، {اولي اجنحة} اي يطيرون بها ليبلغوا ما امروا به سريعا {مثنى وثلاث ورباع} اي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له اربعة، ومنهم من له اكثر من ذلك، كما جاء في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى جبريل عليه السلام (ليلة الاسراء) وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، ولهذا قال جل وعلا: {يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير} قال السدي: يزيد في الاجنحة وخلقهم ما يشاء، وقال الزهري: {يزيد في الخلق ما يشاء} يعني حسن الصوت (رواه البخاري في الادب، وقرئ في الشاذ (يزيد في الخلق) بالحاء المهملة).
10 21 احاديث 36 - سورة يس [مقدمة] روى الترمذي عن انس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان لكل شيء قلبا، وقلب القران يس، ومن قرا يس كتب الله له بقراءتها قراءة القران عشر مرات" (اخرجه الترمذي وقال: حديث غريب)، وروى الحافظ ابو يعلى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرا يس في ليلة اصبح مغفورا له، ومن قرا حم التي يذكر فيها الدخان اصبح مغفورا له" (اخرجه الحافظ الموصلي واسناده جيد كذا قال ابن كثير). وقال ابن حبان في صحيحه عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرا يس في ليلة ابتغاء وجه الله عز وجل غفر له". وروى الامام احمد: عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقراوها على موتاكم" يعني يس (اخرجه احمد ورواه ابو داود والنسائي وابن ماجه). ولهذا قال بعض العلماء: من خصائص هذه السورة انها لا تقرا عند امر عسير الا يسره الله تعالى، وكان قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة، وليسهل عليه خروج الروح والله تعالى اعلم، قال الامام احمد رحمه الله: كان المشيخة يقولون: اذا قرئت - يعني يس - عند الميت خفف الله عنه بها، وروى البزار عن ابن عباس قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لوددت انها في قلب كل انسان من امتي" (اخرجه الحافظ البزار) يعني يس. بسم الله الرحمن الرحيم.
11 21 احاديث 37 - سورة الصافات [مقدمة] روى النسائي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يامرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات.
12 14 احاديث 38 - سورة ص بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - ص والقران ذي الذكر - 2 - بل الذين كفروا في عزة وشقاق - 3 - كم اهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص % اما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في اول سورة البقرة بما اغنى عن اعادته ههنا، وقوله تعالى {والقران ذي الذكر} اي والقران المشتمل على ما فيه ذكر للعباد، ونفع لهم في المعاش والمعاد، قال الضحاك {ذي الذكر} كقوله تعالى: {لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم} اي تذكيركم (وبه قال قتادة واختاره ابن جرير رحمه الله). وقال ابن عباس {ذي الذكر} ذي الشرف اي ذي الشان والمكانة، ولا منافاة بين القولين فانه كتاب شريف، مشتمل على التذكير والاعذار والانذار، واختلفوا في جواب هذا القسم: فقال قتادة: جوابه {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} واختاره ابن جرير، وقيل: جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها، والله اعلم، وقوله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} اي ان هذا القران لذكرى لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر، وانما لم ينتفع به الكافرون لانهم {في عزة} اي استكبارا عنه وحمية، {وشقاق} اي ومخالفة له ومعاندة ومفارقة، ثم خوفهم ما اهلك به الامم المكذبة قبلهم فقال تعالى: {كم اهلكنا من قبلهم من قرن} اي من امة مكذبة، {فنادوا} اي حين جاءهم العذاب استغاثوا وجاروا الى الله تعالى، وليس ذلك بمجد عنهم شيئا، كما قال عز وجل: {فلما احسوا باسنا اذا هم منها يركضون} اي يهربون، قال التميمي: سالت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله تبارك وتعالى: {فنادوا ولات حين مناص}! قال: ليس بحين نداء ولا نزع ولا فرار، وعن ابن عباس: ليس بحين مغاث، نادوا بالنداء حين لا ينفعهم، وانشد: تذكر ليلى لات حين تذكر وقال محمد بن كعب: نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم، وقال قتادة: لما راوا العذاب ارادوا التوبة في غير حين النداء، وقال مجاهد: {فنادوا ولات حين مناص} ليس بحين فرار ولا اجابة، وعن زيد بن اسلم: {ولات حين مناص} ولا نداء في غير حين النداء، وهذه الكلمة، وهي (لات) هي (لا) التي للنفي زيدت معها التاء، كما تزاد في ثم، فيقولون: ثمت، ورب، فيقولون: ربت. واهل اللغة يقولون: النوص: التاخر، والبوص: التقدم، ولهذا قال تبارك وتعالى: {ولات حين مناص} اي ليس الحين حين فرار ولا ذهاب، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب. (تتمة الاية 49): وان للمتقين لحسن ماب - 50 - جنات عدن مفتحة لهم الابواب - 51 - متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب - 52 - وعندهم قاصرات الطرف اتراب - 53 - هذا ما توعدون ليوم الحساب - 54 - ان هذا لرزقنا ما له من نفاد % يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء ان لهم في الدار الاخرة {لحسن ماب} وهو المرجع والمنقلب. ثم فسره بقوله تعالى: {جنات عدن} اي جنات اقامة {مفتحة لهم الابواب} والالف واللام ههنا بمعنى الاضافة، كانه يقول مفتحة لهم ابوابها، اي اذا جاءوها فتحت لهم ابوابها، وقد ورد في ذكر ابواب الجنة الثمانية احاديث كثيرة من وجوه عديدة، وقوله عز وجل: {متكئين فيها} قيل: متربعين على سرير تحت الحجال، {يدعون فيها بفاكهة كثيرة} اي مهما طلبوا وجدوا واحضر كما ارادوا، {وشراب} اي من اي انواعه شاءوا اتتهم به الخدام {باكواب وابارق وكاس من معين}، {وعندهم قاصرات الطرف} اي من غير ازواجهن فلا يلتفتن الى غير بعولتهن {اتراب} اي متساويات في السن والعمر، {هذا ما توعدون ليوم الحساب} اي هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة هي التي وعدها لعباده المتقين، التي يصيرون اليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار، ثم اخبر تبارك وتعالى عن الجنة انه لا فراغ لها ولا زوال ولا انقضاء ولا انتهاء فقال تعالى: {ان هذا لرزقنا ما له من نفاد}، كقوله عز وجل: {عطاء غير مجذوذ}، وكقوله تعالى: {لهم اجر غير ممنون} اي غير مقطوع، وكقوله: {اكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار}، والايات في هذا كثيرة جدا.
13 26 احاديث 39 - سورة الزمر روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد ان يفطر، ويفطر حتى نقول ما يريد ان يصوم، وكان صلى الله عليه وسلم يقرا في كل ليلة بني اسرائيل والزمر (اخرجه النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها). بسم الله الرحمن الرحيم
14 22 احاديث 40 - سورة غافر بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم - 3 - غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله الا هو اليه المصير % اما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في اول سورة البقرة بما اغنى عن اعادته ههنا، وقوله تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم}، اي تنزيل هذا الكتاب وهو القران من الله ذي العزة والعلم فلا يرام جنابه، ولا يخفى عليه الذر وان تكاثف حجابه، وقوله عز وجل: {غافر الذنب وقابل التوب} اي يغفر ما سلف من الذنب ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب اليه، وخضع لديه، وقوله جل وعلا {شديد العقاب} اي لمن تمرد وطغى، واثر الحياة الدنيا، وعتا عن اوامر الله تعالى وبغى، وهذه كقوله: {نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم * وانا عذابي هو العذاب الاليم} يقرن هذين الوصفين كثيرا في مواقف متعددة من القران ليبقى العبد بين الرجاء والخوف، وقوله تعالى: {ذي الطول} قال ابن عباس: يعني السعة والغنى (وهو قول مجاهد وقتادة)، وقال يزيد بن الاصم {ذي الطول} يعني الخير الكثير، وقال عكرمة: ذي المن، وقال قتادة: ذي النعم والفواضل، والمعنى انه المتفضل على عباده، المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والانعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها، {وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها} الاية، وقوله جلت عظمته: {لا اله الا هو} اي لا نظير له في جميع صفاته فلا اله غيره ولا رب سواه، {اليه المصير} اي المرجع والماب، فيجازي كل عامل بعمله، وقال ابو بكر بن عياش: جاء رجل الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا امير المؤمنين اني قتلت فهل لي من توبة؟ فقرا عمر رضي الله عنه: {حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب}، وقال: اعمل ولا تياس (اخرجه ابن ابي حاتم)، وعن يزيد بن الاصم قال: كان رجل من اهل الشام ذو باس، وكان يفد الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففقده عمر فقال: ما فعل فلان ابن فلان؟ فقالوا: يا امير المؤمنين تتابع في هذا الشراب، قال، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب "من عمر بن الخطاب الى فلان ابن فلان: سلام عليك، فاني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا اله الا هو اليه المصير"، ثم قال لاصحابه: ادعوا الله لاخيكم ان يقبل بقلبه ويتوب الله عليه"، فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضي الله عنه جعل يقراه ويردده ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني ان يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فاحسن النزع، فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا اذا رايتم اخا لكم زل زلة فسددوه ووثقوه، وادعوا الله له ان يتوب عليه، ولا تكونوا اعوانا للشيطان عليه (اخرجه ابن ابي حاتم والحافظ ابو نعيم).
15 13 احاديث 41 - سورة فصلت بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - تنزيل من الرحمن الرحيم - 3 - كتاب فصلت اياته قرانا عربيا لقوم يعلمون - 4 - بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون - 5 - وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون % يقول تعالى: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} يعني القران منزل من الرحمن الرحيم، كقوله: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}، وقوله: {كتاب فصلت اياته} اي بينت معانيه واحكمت احكامه، {قرانا عربيا} اي في حال كونه قرانا عربيا بينا واضحا، فمعانيه مفصلة، والفاظه واضحة، كقوله تعالى: {كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} اي هو معجز من حيث لفظه ومعناه، وقوله تعالى: {لقوم يعلمون} اي انما يعرف هذا العلماء الراسخون {بشيرا ونذيرا} اي تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، {فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون} اي اكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه، {وقالوا قلوبنا في اكنة} اي في غلف مغطاة، {مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر} اي صمم عما جئتنا به {ومن بيننا وبينك حجاب} فلا يصل الينا شيء مما تقول، {فاعمل اننا عاملون} اي اعمل انت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك، روى البغوي في تفسيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا اعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليات هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت امرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم احدا غير (عتبة بن ربيعة)، فقالوا: انت يا ابا الوليد: فاتاه عتبة فقال: يا محمد انت خير ام عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انت خير ام عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ان كنت تزعم ان هؤلاء خير منك فقد عبدوا الالهة التي عبت، وان كنت تزعم انك خير منهم فتكلم حتى يسمع قولك، انا والله ما راينا سخلة قط اشام على قومك منك، فرقت جماعتنا وشتت امرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم ان في قريش ساحرا، وان في قريش كاهنا، والله ما ننتظر الا مثل صيحة الحبلى ان يقوم بعضنا الى بعض بالسيوف، حتى نتفانى، ايها الرجل ان كان انما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون اغنى قريش رجلا واحدا وان كان انما بك الباءة فاختر اي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرغت؟" قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل من الرحمن الرحيم - حتى بلغ - فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فامسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع الى اهله، ولم يخرج الى قريش، واحتبس عنهم، فقال ابو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة الا قد صبا الى محمد واعجبه طعامه، وما ذاك له الا من حاجة اصابته، فانطلقوا بنا اليه، فقال ابو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا الا انك صبات الى محمد واعجبك طعامه، فان كانت بك حاجة جمعنا لك من اموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة واقسم ان لا يكلم محمد ابدا، وقال: والله لقد علمتم اني من اكثر قريش مالا، ولكني اتيته وقصصت عليه القصة، فاجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرا السورة الى قوله تعالى: {فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فامسكت بفيه وناشدته بالرحم ان يكف، وقد علمتم ان محمدا اذا قال شيئا لم يكذب، فخشيت ان ينزل بكم العذاب. وروى محمد بن اسحاق في كتاب السيرة عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت ان عتبة بن ربيعة، وكان سيدا، قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش الا اقوم الى محمد فاكلمه واعرض عليه امورا، لعله ان يقبل بعضها فنعطيه ايها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين اسلم حمزة رضي الله عنه، وراوا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا ابا الوليد، فقم اليه فكلمه، فقام اليه عتبة حتى جلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن اخي انك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب، وانك قد اتيت قومك بامر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به احلامهم، وعبت به الهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من ابائهم، فاسمع مني اعرض عليك امورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل يا ابا الوليد اسمع"، قال: يا ابن اخي ان كنت انما تريد بما جئت به من هذا الامر مالا جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا مالا، وان كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع امرا دونك، وان كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وان كان هذا الذي ياتيك رئيا تراه لا تسطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الاطباء وبذلنا فيه اموالنا حتى نبرئك منه، فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه او كما قال له، حتى اذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: "افرغت يا ابا الوليد؟" قال: نعم، قال: "فاستمع مني"، قال: افعل، قال: {بسم الله الرحمن الرحيم، حم تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت اياته قرانا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فاعرض اكثرهم فهم لا يسمعون}، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو يقرؤها عليه، فلما سمع عتبة انصت لها والقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السجدة منها فسجد، ثم قال: "قد سمعت يا ابا الوليد ما سمعت، فانت وذاك"، فقام عتبة الى اصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم ابو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس اليهم قالوا: ما وراءك يا ابا الوليد؟ قال: ورائي اني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش اطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبا، فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وان يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم وكنتم اسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا ابا الوليد بلسانه، قال: هذا رايي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. وهذا السياق اشبه من الذي قبله والله اعلم.
16 16 احاديث 42 - سورة الشورى بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - عسق - 3 - كذلك يوحي اليك والى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم - 4 - له ما في السماوات وما في الارض وهو العلي العظيم - 5 - تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض الا ان الله هو الغفور الرحيم - 6 - والذين اتخذوا من دونه اولياء الله حفيظ عليهم وما انت عليهم بوكيل % قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة، وقوله عز وجل: {كذلك يوحى اليك والى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} اي كما انزل اليك هذا القران كذلك انزل على الانبياء قبلك، وقوله تعالى: {الله العزيز} اي في انتقامه، {الحكيم} في اقواله وافعاله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ان (الحارث بن هشام) سال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ياتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احيانا ياتيني مثل صلصلة الجرس، وهو اشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، واحيانا ياتيني الملك رجلا، فيكلمني فاعي ما يقول". قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد رايته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وان جبينه صلى الله عليه وسلم ليتفصد عرقا" (اخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري. ومعنى يتفصد: اي يتصبب عرقا). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هل تحس بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمع صلاصل، ثم اسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى الي الا ظننت ان نفسي تقبض" (اخرجه الامام احمد). وقوله تبارك وتعالى: {له ما في السماوات وما في الارض} اي الجميع عبيد له وملك له تحت قهره وتصريفه {وهو العلي العظيم} كقوله تعالى: {وهو الكبير المتعال}، {وهو العلي الكبير}، والايات في هذا كثيرة. وقوله عز وجل: {تكاد السماوات والارض يتفطرن من فوقهن} قال ابن عباس والسدي: اي فرقا من العظمة، {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض} كقوله عز وجل: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}، وقوله جل جلاله: {الا ان الله هو الغفور الرحيم} اعلام بذلك وتنويه به، وقوله سبحانه وتعالى: {والذين اتخذوا من دونه اولياء} يعني المشركين {الله حفيظ عليهم} اي شهيد على اعمالهم يحصيها ويعدها عدا، وسيجزيهم بها اوفر الجزاء، {وما انت عليهم بوكيل} اي انما انت نذير والله على كل شيء وكيل.
17 11 احاديث 43 - سورة الزخرف بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - والكتاب المبين - 3 - انا جعلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون - 4 - وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم - 5 - افنضرب عنكم الذكر صفحا ان كنتم قوما مسرفين - 6 - وكم ارسلنا من نبي في الاولين - 7 - وما ياتيهم من نبي الا كانوا به يستهزئون - 8 - فاهلكنا اشد منهم بطشا ومضى مثل الاولين % يقول تعالى: {حم والكتاب المبين} اي البين الواضح الجلي، المنزل بلغة اهل العرب التي هي افصح اللغات، ولهذا قال تعالى: {انا جعلناه} اي انزلناه {قرانا عربيا} اي بلغة العرب، فصيحا واضحا، {لعلكم تعقلون} اي تفهمونه وتتدبرونه، كما قال عز وجل: {بلسان عربي مبين} وقوله تعالى: {وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم} بين شرفه في الملا الاعلى، ليشرفه ويعظمه ويطيعه اهل الارض، فقال تعالى {وانه} اي القران {في ام الكتاب} اي اللوح المحفوظ {لدينا} اي عندنا {لعلي} اي ذو مكانة عظيمة، وشرف وفضل {حكيم} اي محكم بريء من اللبس والزيغ، وهكذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال تبارك وتعالى: {انه لقران كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه الا المطهرون}، وقال تعالى: {في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بايدي سفرة * كرام بررة}، ولهذا استنبط العلماء من هاتين الايتين، ان المحدث لا يمس المصحف، لان الملائكة يعظمون المصاحف، المشتملة على القران في الملا الاعلى، فاهل الارض بذلك اولى واحرى، لانه نزل عليهم، وخطابه متوجه اليهم، فهم احق ان يقابلوه بالاكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم، لقوله تعالى: {وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم}، وقوله عز وجل: {افنضرب عنكم الذكر صفحا ان كنتم قوما مسرفين}؟ اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها: اتحسبون ان نصفح عنكم فلا نعذبكم، ولم تفعلوا ما امرتم به (وهو قول مجاهد والسدي)، قاله ابن عباس واختاره ابن جرير، وقال قتادة: والله لو ان هذا القران رفع حين ردته اوائل هذا الامة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم، ودعاهم اليه عشرين سنة او ما شاء الله من ذلك، وقول قتادة لطيف المعنى جدا، وحاصله انه يقول في معناه: انه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم الى الخير، والى الذكر الحكيم وهو (القران) وان كانوا مسرفين معرضين عنه، بل امر ليهتدي به من قدر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته، ثم قال جل وعلا مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه {وكم ارسلنا من نبي في الاولين} اي في شيع الاولين {وما ياتيهم من نبي الا كانوا به يستهزئون} اي يكذبونه ويسخرون به، {فاهلكنا اشد منهم بطشا} اي فاهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا اشد بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد، كقوله عز وجل: {افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اكثر منهم واشد قوة}، والايات في ذلك كثيرة جدا. وقوله جل جلاله {ومضى مثل الاولين} قال مجاهد: سنتهم، وقال قتادة: عقوبتهم، وقال غيرهما: عبرتهم: اي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين ان يصيبهم ما اصابهم، كقوله تعالى: {فجعلناهم سلفا ومثلا للاخرين}، وكقوله جلت عظمته: {سنة الله التي قد خلت في عباده}، وقوله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
18 6 احاديث 44 - سورة الدخان بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - والكتاب المبين - 3 - انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين - 4 - فيها يفرق كل امر حكيم - 5 - امرا من عندنا انا كنا مرسلين - 6 - رحمة من ربك انه هو السميع العليم - 7 - رب السماوات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين - 8 - لا اله الا هو يحيي ويميت ربكم ورب ابائكم الاولين % يقول تعالى مخبرا عن القران العظيم، انه انزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، كما قال عز وجل: {انا انزلناه في ليلة القدر} وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تبارك وتعالى: {شهر رمضان الذي انزل فيه القران}، وقوله عز وجل: {انا كنا منذرين} اي معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعا لتقوم حجة الله على عباده، وقوله: {فيها يفرق كل امر حكيم} اي في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ الى الكتبة امر السنة، وما يكون فيها من الاجال والارزاق وما يكون فيها الى اخرها، وقوله جل وعلا: {حكيم} اي محكم لا يبدل ولا يغير، ولهذا قال جل جلاله {امرا من عندنا} اي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبامره واذنه وعلمه {انا كنا مرسلين} اي الى الناس رسولا يتلو عليهم ايات الله مبينات، فان الحاجة كانت ماسة اليه، ولهذا قال تعالى: {رحمة من ربك انه هو السميع العليم * رب السماوات والارض وما بينهما} اي الذي انزل القران هو رب السماوات والارض وخالقهما ومالكهما وما فيهما، {ان كنتم موقنين} اي ان كنتم متحققين، ثم قال تعالى: {لا اله الا هو يحيي ويميت ربكم ورب ابائكم الاولين} وهذه الاية كقوله تعالى: {قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت} الاية.
19 7 احاديث 45 - سورة الجاثية بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - 3 - ان في السماوات والارض لايات للمؤمنين - 4 - وفي خلقكم وما يبث من دابة ايات لقوم يوقنون - 5 - واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون % يرشد تعالى خلقه الى التفكير في الائه ونعمه، وقد رته العظيمة التي خلق بها السماوات والارض، وما فيهما من المخلوقات المختلفة الاجناس والانواع، من الملائكة والجن والانس والدواب، والطيور والوحوش والسباع والحشرات، وما في البحر من الاصناف المتنوعة، واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران، هذا بظلامه، وهذا بضيائه، وما انزل الله تبارك وتعالى من السحاب، من المطر في وقت الحاجة اليه، وسماه رزقا لان به يحصل الرزق {فاحيا به الارض بعد موتها} اي بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء، وقوله عز وجل: {وتصريف الرياح} اي جنوبا وشمالا برية وبحرية، ليلة ونهارية، ومنها ما هو للمطر، ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء للارواح، ومنها ما هو عقيم لا ينتج، وقال سبحانه اولا {لايات للمؤمنين} ثم {يوقنون} ثم {يعقلون} وهو ترق من حال شريف الى ما هو اشرف منه واعلى، وهذه الايات شبيهة باية البقرة وهي قوله تعالى: {ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون}.
20 8 احاديث 46 - سورة الاحقاف بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - حم - 2 - تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم - 3 - ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون - 4 - قل ارايتم ما تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا او اثارة من علم ان كنتم صادقين - 5 - ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون - 6 - واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين % يخبر تعالى انه انزل الكتاب على عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه دائما الى يوم الدين، ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام والحكمة في الاقوال والافعال، ثم قال تعالى: {وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق} اي لا على وجه العبث والباطل، {واجل مسمى} اي والى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص. وقوله تعالى: {والذين كفروا عما انذروا معرضون} اي لاهون عما يراد بهم، وقد انزل الله تعالى اليهم كتابا، وارسل اليهم رسولا، وهم معرضون عن ذلك كله، اي وسيعلمون غب ذلك، ثم قال تعالى {قل} اي لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره {ارايتم ما تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الارض} اي ارشدوني الى المكان الذي استقلوا بخلقه من الارض {ام لهم شرك في السماوات}؟ ولا شرك لهم في السماوات ولا في الارض وما يملكون من قطمير، ان الملك والتصرف كله الا لله عز وجل، فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به؟ من ارشدكم الى هذا؟ من دعاكم اليه؟ اهو امركم به؟ ام هو شيء اقترحتموه من عند انفسكم؟ ولهذا قال {ائتوني بكتاب من قبل هذا} اي هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الانبياء عليهم الصلاة والسلام، يامركم بعبادة هذه الاصنام {او اثارة من علم} اي دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه {ان كنتم صادقين} اي لا دليل لكم لا نقليا ولا عقليا على ذلك، قال مجاهد {او اثارة من علم} او احد ياثر علما، وقال ابن عباس: او بينة من الامر، وقال ابو بكر بن عياش: او بقية من علم، وقال ابن عباس ومجاهد {او اثارة من علم} يعني الخط، وقال قتادة {او اثارة من علم} خاصة من علم، وكل هذه الاقوال متقاربة، وهي راجحة الى ما قلناه، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله، وقوله تبارك وتعالى: {ومن افضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}؟ اي لا اضل ممن يدعو من دون الله اصناما، ويطلب منها ما لا تستطيعه الى يوم القيامة، وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر، لانها جماد وحجارة صم، وقوله تبارك وتعالى: {واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} كقوله عز وجل: {كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} اي سيخونونهم احوج ما يكونون اليهم، وقال تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وماواكم النار ومالكم من ناصرين}.
21 9 احاديث 47 - سورة محمد بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم - 2 - والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم - 3 - ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس امثالهم % يقول تعالى: {الذين كفروا} اي بايات الله {وصدوا} غيرهم {عن سبيل الله اضل اعمالهم} اي ابطلها واذهبها، ولم يجعل لها ثوابا ولا جزاء، كقوله تعالى: {وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، ثم قال جل وعلا {والذين امنوا وعملوا الصالحات} اي امنت قلوبهم وسرائرهم، وانقادت لشرع الله جوارحهم وبواطنهم، {وامنوا بما نزل على محمد} عطف خاص على عام، وهو دليل على انه شرط في صحة الايمان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، وقوله تبارك وتعالى: {وهو الحق من ربهم} جملة معترضة حسنة، ولهذا قال جل جلاله: {كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم} قال ابن عباس: اي امرهم؛ وقال مجاهد: شانهم، وقال قتادة: حالهم، والكل متقارب، وفي حديث تشميت العاطس "يهديكم الله ويصلح بالكم"، ثم قال عز وجل: {ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل} اي انما ابطلنا اعمال الكفار، وتجاوزنا عن سيئات الابرار، واصلحنا شؤونهم؛ لان الذين كفروا اتبعوا الباطل، اي اختاروا الباطل على الحق، {وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس امثالهم} اي يبين لهم مال اعمالهم، وما يصيرون اليه في معادهم، والله سبحانه وتعالى اعلم.
22 11 احاديث 48 - سورة الفتح روى الامام احمد عن معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره (سورة الفتح) على راحلته، فرجع فيها، قال معاوية: لولا اني اكره ان يجتمع الناس علينا لحكيت قراءته (اخرجه الامام احمد). بسم الله الرحمن الرحيم (تابع... 1): 25 - هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا ان يبلغ... ... قال الزهري: وذلك لقوله: "والله لا يسالوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى الا اعطيتهم اياها"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على ان تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به"، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب انا اخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى ان لا ياتيك منا رجل وان كان على دينك الا رددته الينا، فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك اذ جاء (ابو جندل) بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من اسفل مكة حتى رمى بنفسه بين اظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد اول من اقاضيك عليه ان ترده الي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انا لم نقض الكتاب بعد"، قال: فوالله اذا لا اصالحك على شيء ابدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاجزه لي"، قال: ما انا بمجيز ذلك لك، قال: "بلى فافعل"، قال: ما انا بفاعل، قال مكرز: بلى قد اجزناه لك، قال ابو جندي: اي معشر المسلمين ارد الى المشركين وقد جئت مسلما، الا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله عز وجل، قال عمر رضي الله عنه: فاتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: الست نبي الله حقا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بلى"، قلت: السنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بلى"، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا اذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "اني رسول الله ولست اعصيه وهو ناصري"، قلت: اولست كنت تحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بلى افاخبرتك انا ناتيه العام"، قلت: لا، قال صلى الله عليه وسلم: "فانك اتيه ومطوف به"، قال، فاتيت ابا بكر، فقلت: يا ابا بكر! اليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: السنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا اذا؟ قال: ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله انه على الحق، قلت: اوليس كان يحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، قال: افاخبرك انك تاتيه العام؟ قلت: لا، قال: فانك تاتيه وتطوف به. قال الزهري: قال عمر رضي الله عنه: فعملت لذلك اعمالا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا"، قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم احد دخل صلى الله عليه وسلم على ام سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقي من الناس، قالت له ام سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله اتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم احدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكلم احدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما راوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات فانزل الله عز وجل: {يا ايها الذين امنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات - حتى بلغ - بعصم الكوافر} فطلق عمر رضي الله عنه يومئذ امراتين كانتا له في الشرك، فتزوج احدهما معاوية بن ابي سفيان، والاخرى صفوان ابن امية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة، فجاءه (ابو بصير) رجل من قريش وهو مسلم، فارسولا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه الى الرجلين، فخرجا به، حتى اذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا ياكلون من تمر لهم، فقال ابو بصير لاحد الرجلين: والله اني لارى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الاخر، فقال: اجل، والله انه لجيد، لقد جربت منه، ثم جربت، فقال ابو بصير: ارني انظر اليه، فامكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الاخر، حتى اتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين راه: "لقد راى هذا ذعرا"، فلما انتهى الى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، واني لمقتول، فجاء ابو بصير، فقال: يا رسول الله قد والله اوفى الله ذمتك قد رددتني اليهم، ثم نجاني الله تعالى منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل امه مسعر حرب لو كان معه احد"، فلما سمع ذلك عرف انه سيرده اليهم، فخرج حتى اتى سيف البحر، قال: وتفلت منهم ابو جندل بن سهيل، فلحق بابي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد اسلم الا لحق بابي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش الى الشام، الا اعترضوا لها فقتلوهم، واخذوا اموالهم، فارسلت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم، لما ارسل اليهم فمن اتاه منهم فهو امن، فارسل النبي صلى الله عليه وسلم اليهم، وانزل الله عز وجل: {وهو الذي كف ايديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة - حتى بلغ - حمية الجاهلية} وكانت حميتهم انهم لم يقروا انه رسول الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت (اخرجه البخاري في صحيحه) وقال الامام احمد، عن انس رضي الله عنه قال: ان قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم (سهيل بن عمرو) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: لا ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب من محمد رسول الله"، قال: لو نعلم انك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم ابيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب من محمد بن عبد الله"، واشترطوا عليه صلى الله عليه وسلم، ان من جاء منكم لا نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقال: يا رسول الله انكتب هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم انه من ذهب منا اليهم فابعد الله" (اخرجه احمد وروا مسلم في صحيحه). وروى الامام احمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة، فيها جمل لابي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن الى اولادها (اخرجه الامام احمد).
23 7 احاديث 49 - سورة الحجرات بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ان الله سميع عليم - 2 - يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون - 3 - ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم % هذه ايات ادب الله تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام، والتبجيل والاعظام، فقال تبارك وتعالى: {يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} اي لا تسرعوا في الاشياء بين يديه اي قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الامور. قال ابن عباس: نهوا ان يتكلموا بين يدي كلامه (وروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس ان المراد من الاية الكريمة {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة والقول الاخر هو رواية العوفي عنه وهو الاقوى والارجح)، وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه، وقال الضحاك: لا تقضوا امرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم، وقال الحسن البصري: لا تدعوا قبل الامام، وقال قتادة: ذكر لنا ان ناسا كانوا يقولون: لو انزل في كذا وكذا، لو صح كذا، فكره الله تعالى ذلك، {واتقوا الله} فيما امركم به {ان الله سميع} اي لاقوالكم {عليم} بنياتكم، وقوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي} هذا ادب ثان ادب الله تعالى به المؤمنين، ان لا يرفعوا اصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته، وقد روي انها نزلت في الشيخين (ابي بكر) و (عمر) رضي الله عنهما، روى البخاري عن ابن ابي مليكة قال: كاد الخيران ان يهلكا (ابو بكر) و (عمر) رضي الله عنهما، رفعا اصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، حين قدم عليه ركب بني تميم، فاشار احدهما بالاقرع بن حابس رضي الله عنه اخي بني مجاشع، واشار الاخر برجل اخر، قال نافع: لا احفظ اسمه، فقال ابو بكر لعمر رضي الله عنهما: ما اردت الا خلافي، قال: ما اردت خلافك، فارتفعت اصواتهما في ذلك، فانزل الله تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون} قال ابن الزبير: "فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية حتى يستفهمه" (اخرجه البخاري في صحيحه). وفي رواية اخرى له قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابو بكر رضي الله عنه: امر (القعقاع بن معبد)، وقال عمر رضي الله عنه: بل امر (الاقرع بن حابس)، فقال ابو بكر رضي الله عنه: ما اردت الا خلافي، فقال عمر رضي الله عنه: ما اردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت اصواتهما: فنزلت في ذلك: {يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حتى انقضت الاية {ولو انهم صبروا حتى تخرج اليهم} الاية، اخرجه البخاري. وروى الحافظ البزار، عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الاية: {يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي} قلت: يا رسول الله والله لا اكلمك الا كاخي السرار". وروى البخاري، عن انس بن مالك رضي الله عنه: ان النبي صلى الله عليه وسلم افتقد (ثابت بن قيس) رضي الله عنه، فقال رجل: يا رسول الله انا اعلم لك علمه، فاتاه فوجده في بيته منكسا راسه، فقال له: ما شانك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من اهل النار، فاتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره انه قال: كذا وكذا، قال موسى: فرجع اليه المرة الاخرة ببشارة عظيمة، فقال: "اذهب اليه فقل له: انك لست من اهل النار، ولكنك من اهل الجنة" (اخرجه البخاري في صحيحه). وروى الامام احمد، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية: {يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي - الى قوله - وانتم لا تشعرون}، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: انا الذي كنت ارفع صوتي على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، انا من اهل النار، حبط عملي، وجلس في اهله حزينا، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم اليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك؟ قال: انا الذي ارفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم واجهر له بالقول، حبط عملي انا من اهل النار، فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فاخبروه بما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، بل هو من اهل الجنة". قال انس رضي الله عنه: فكنا نراه يمشي بين اظهرنا، ونحن نعلم انه من اهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تعودون اقرانكم، فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه (اخرجه الامام احمد). وفي رواية: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اما ترضى ان تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟" فقال: رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ارفع صوتي ابدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وانزل الله تعالى: {ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} (ذكر هذه الرواية ابن جرير رحمه الله تعالى) الاية. وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين، كذلك فقد نهى الله عز وجل عن رفع الاصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روينا عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت اصواتهما فجاء، فقال: اتدريان اين انتما؟ ثم قال: من اين انتما؟ قالا: من اهل الطائف، فقال: لو كنتما من اهل المدينة لاوجعتكما ضربا. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لانه محترم حيا، وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}، كما قال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}، وقوله عز وجل: {ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون} اي انما نهيناكم عن رفع الصوت عنده، خشية ان يغضب من ذلك، فيغضب الله تعالى لغضبه، فيحبط عمل من اغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح: "ان الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها بالجنة، وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار ابعد ما بين السماء والارض" (رواه مسلم واخرجه احمد والترمذي والنسائي بنحوه)، ثم ندب الله تعالى الى خفض الصوت عنده وحث على ذلك ورشد اليه ورغب فيه، فقال: {ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} اي اخلصها لها وجعلها اهلا ومحلا {لهم مغفرة واجر عظيم}. وعن مجاهد قال: كتب الى عمر، يا امير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها افضل، ام رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه: ان الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها {اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم} (اخرجه احمد في كتاب الزهد).
24 8 احاديث 50 - سورة ق هذه السورة هي اول المفصل على الصحيح، وقيل من الحجرات، والدليل على ذلك ما رواه ابو داود في سننه "باب تحزيب القران"، ثم قال قال اوس: سالت اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القران؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، واحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده (اخرجه ابو داود وابن ماجة)، بيانه: (ثلاث) البقرة وال عمران والنساء، و (خمس) المائدة والانعام والاعراف والانفال وبراءة، و (سبع) يونس وهود ويوسف والرعد وابراهيم والحجر والنحل، و (تسع) سبحان والكهف ومريم وطه والانبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان، و (احدى عشرة) الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والم السجدة والاحزاب وسبا وفاطر ويسن، و (ثلاث عشرة) الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والاحقاف والقتال والفتح والحجرات، ثم بعد ذلك الحزب المفصل، كما قاله الصحابة رضي الله عنهم، فتعين ان اوله سورة ق، وقال الامام احمد عن عبد الله بن عبد الله ان عمر بن الخطاب سال ابا واقد الليثي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا في العيد، قال: بقاف واقتربت (اخرجه مسلم واصحاب السنن). وعن ام هشام بنت حارثة قالت: لقد كان تنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين او سنة وبعض سنة، وما اخذت {ق والقران المجيد} الا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر اذا خطب الناس (اخرجه مسلم وابو داود واحمد). والقصد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع، لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور والمعاد والقيام، والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، والله اعلم. بسم الله الرحمن الرحيم
25 6 احاديث 51 - سورة الذاريات بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - والذاريات ذروا - 2 - فالحاملات وقرا - 3 - فالجاريات يسرا - 4 - فالمقسمات امرا - 5 - انما توعدون لصادق - 6 - وان الدين لواقع - 7 - والسماء ذات الحبك - 8 - انكم لفي قول مختلف - 9 - يؤفك عنه من افك - 10 - قتل الخراصون - 11 - الذين هم في غمرة ساهون - 12 - يسالون ايان يوم الدين - 13 - يوم هم على النار يفتنون - 14 - ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون % قوله تعالى: {والذاريات ذروا} قال علي رضي الله عنه: الريح، {فالحاملات وقرا} قال: السحاب {فالجاريات يسرا} قال: السفن {فالمقسمات امرا} قال: الملائكة (روي من غير وجه عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسالوني عن اية في كتاب الله تعالى، ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انباتكم بذلك، فساله ابن الكواء عن قوله تعالى {والذاريات} الخ). وقد روي عن سعيد بن المسيب قال: جاء صبيغ التميمي الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا امير المؤمنين اخبرني عن الذاريات ذروا، فقال رضي الله عنه: هي الرياح، ولولا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فاخبرني عن المقسمات امرا، قال رضي الله عنه: هي الملائكة، ولولا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فاخبرني عن الجاريات يسرا، قال رضي الله عنه: هي السفن، ولولا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته (رواه الحافظ البزار). وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر وغير واحد، ولم يحك ابن جرير غير ذلك، وقد قيل: ان المراد بالذاريات (الريح) وبالحاملات وقرا (السحاب) كما تقدم لانها تحمل الماء، فاما {الجاريات يسرا} فالمشهور عن الجمهور انها السفن، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا، وقال بعضهم: هي النجوم تجري يسرا في افلاكها، ليكون ذلك ترقيا من الادنى الى الاعلى، فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والمقسمات امرا، الملائكة فوق ذلك تنزل باوامر الله الشرعية والكونية، وهذا قسم من الله عز وجل على وقوع المعاد، ولهذا قال تعالى: {انما توعدون لصادق} اي لخبر صدق، {وان الدين} وهو الحساب {لواقع} اي لكائن لا محالة، ثم قال تعالى: {والسماء ذات الحبك} قال ابن عباس: ذات الجمال والبهاء، والحسن والاستواء، (وهو قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي وقتادة وغيرهم) وقال الضحاك: الرمل والزرع اذا ضربته الريح فينسج بعضه بعضا طرائق طرائق، فذلك الحبك، وعن ابي صالح {ذات الحبك} الشدة، وقال خصيف {ذات الحبك} ذات الصفاقة، وقال الحسن البصري: {ذات الحبك} حبكت بالنجوم، وقال عبد الله بن عمرو {والسماء ذات الحبك} يعني السماء السابعة وكانه - والله اعلم - اراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة. وكل هذه الاقوال ترجع الى شيء واحد وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما فانها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الارجاء، انيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات. وقوله تعالى: {انكم لفي قول مختلف} اي انكم ايها المشركون المكذبون للرسل {لفي قول مختلف} مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع، وقال قتادة: {انكم لفي قول مختلف} ما بين مصدق بالقران ومكذب به {يؤفك عنه من افك} اي انما يروج على من هو ضال في نفسه، لانه قول باطل، ينقاد له ويضل بسببه من هو مافوك ضال، غمر لا فهم له، قال ابن عباس {يؤفك عنه من افك} يضل عنه من ضل، وقال مجاهد: يؤفن عنه من افن، وقال الحسن البصري: يصرف عن هذا القران من كذب به، وقوله تعالى: {قتل الخراصون} قال مجاهد: الكذابون، وهي مثل التي في عبس، {قتل الانسان ما اكفره} والخراصون الذين يقولون: لا نبعث ولا يوقنون، وقال ابن عباس {قتل الخراصون} اي لعن المرتابون، وقال قتادة: الخراصون اهل الغرة والظنون، وقوله تبارك وتعالى: {الذين هم في غمرة ساهون} قال ابن عباس وغير واحد: في الكفر والشك غافلون لاهون {يسالون ايان يوم الدين} وانما يقولون هذا تكذيبا وعنادا، وشكا واستبعادا قال الله تعالى: {يوم هم على النار يفتنون} قال ابن عباس: يعذبون، قال مجاهد: كما يفتن الذهب على النار، وقال جماعة اخرون: {يفتنون} يحرقون {ذوقوا فتنتكم} قال مجاهد: حريقكم، وقال غيره: عذابكم {هذا الذي كنتم به تستعجلون} اي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا، وتحقيرا وتصغيرا، والله اعلم.
26 6 احاديث 52 - سورة الطور عن جبير بن مطعم قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرا في المغرب بالطور، فما سمعت احدا احسن صوتا او قراءة منه" (اخرجه الشيخان من طريق مالك). وروى البخاري، عن ام سلمة قالت: شكوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اني اشتكي فقال: "طوفي من وراء الناس وانت راكبة"، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الى جنب البيت يقرا بالطور وكتاب مسطور. بسم الله الرحمن الرحيم
27 8 احاديث 53 - سورة النجم روى البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال: اول سورة انزلت فيها سجدة {والنجم}، قال: فسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه، الا رجلا رايته اخذ كفا من تراب، فسجد عليه، فرايته بعد ذلك قتل كافرا، وهو امية بن خلف (اخرجه البخاري وابو داود والنسائي، وجاء في بعض الروايات انه (عتبة بن ربيعة)). بسم الله الرحمن الرحيم
28 8 احاديث 54 - سورة القمر قد تقدم في حديث ابي واقد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا بقاف واقتربت الساعة في الاضحى والفطر، وكان يقرا بهما في المحافل الكبار، لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد، وبدء الخلق واعادته، والتوحيد، واثبات النبوات وغير ذلك من المقاصد العظيمة. بسم الله الرحمن الرحيم
29 8 احاديث 55 - سورة الرحمن روى الترمذي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصحابه، فقرا عليهم سورة الرحمن من اولها الى اخرها، فسكتوا فقال: "لقد قراتها على الجن ليلة الجن، فكانوا احسن مردودا منكم، كنت كلما اتيت على قوله تعالى: {فباي الاء ربكما تكذبان} قالوا: لاشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" (اخرجه الترمذي ورواه الحافظ البزار وابن جرير بنحوه). بسم الله الرحمن الرحيم
30 9 احاديث 56 - سورة الواقعة روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده عن ابي ظبية قال: مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه، فعاده (عثمان بن عفان) فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: الا امر لك بطبيب؟ قال: الطبيب امرضني، قال: الا امر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه، قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: اتخشى على بناتي الفقر؟ اني امرت بناتي يقران كل ليلة سورة الواقعة، واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرا سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابدا" (رواه ابن عساكر وابو يعلى، وقال بعده: فكان ابو ظبية لا يدعها). وروى احمد عن سماك بن حرب انه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم، التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف كانت صلاته اخف من صلاتكم، وكان يقرا في الفجر الواقعة ونحوها من السور (رواه الامام احمد في المسند). بسم الله الرحمن الرحيم
31 11 احاديث 57 - سورة الحديد عن العرباض بن سارية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا المسبحات قبل ان يرقد وقال: "ان فيهن اية افضل من الف اية" (اخرجه احمد وابو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب)، والاية المشار اليها في الحديث هي والله اعلم قوله تعالى: {هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}. بسم الله الرحمن الرحيم
32 7 احاديث 58 - سورة المجادلة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير % عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات، لقد جاءت المجادلة الى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه، وانا في ناحية البيت ما اسمع ماتقول، فانزل الله عز وجل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} الى اخر الاية (اخرجه البخاري تعليقا، ورواه النسائي وابن ماجه) وفي رواية عنها انها قالت: تبارك الذي اوعى سمعه كل شيء، اني لاسمع كلام (خولة بنت ثعلبة) ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله اكل مالي، وافنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى اذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم اني اشكو اليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الاية: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}، قالت: وزوجها اوس بن الصامت (اخرجه ابن ابي حاتم من حديث عائشة رضي الله عنها) وروى ابن ابي حاتم عن ابي يزيد قال: "لقيت امراة عمر يقال لها (خولة بنت ثعلبة) وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها واصغى اليها راسه ووضع يديه على منكبيها، حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا امير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز، قال: ويحك وتدري من هذه؟ قال لا، قال: هذه امراة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني الى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها، الا ان تحضر صلاة فاصليها، ثم ارجع اليها حتى تقضي حاجتها" (اخرجه ابن ابي حاتم وهو منقطع بين ابي يزيد وعمر بن الخطاب كما قاله ابن كثير) وعن عامر قال: المراة التي جادلت في زوجها خولة امراة (اوس بن الصامت) وامها معاذة.
33 6 احاديث 59 - سورة الحشر. (وكان ابن عباس يقول: سورة بني النضير) روى البخاري، عن سعيد بن جابر قال، قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: سورة بني النضير. بسم الله الرحمن الرحيم.
34 5 احاديث 60 - سورة الممتحنة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون اليهم بالمودة وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل - 2 - ان يثقفوكم يكونوا لكم اعداء ويبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون - 3 - لن تنفعكم ارحامكم ولا اولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير % كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة (حاطب بن ابي بلتعة)، وذلك ان حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين وكان من اهل بدر ايضا، وكان له بمكة اولاد ومال، ولم يكن من قريش انفسهم، فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض اهلها العهد، امر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم، وقال: "اللهم عم عليهم خبرنا"، فعمد حاطب هذا فكتب كتابا، وبعثه مع امراة من قريش الى اهل مكة يعلمهم بما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدا. روى الامام احمد، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم انا والزبير والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تاتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها"، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى اتينا الروضة، فاذا نحن بالظعينة، قلنا: اخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب، او لنلقين الثياب، قال: فاخرجت الكتاب من عقاصها، فاخذنا الكتاب، فاتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا فيه: من حاطب بن ابي بلتعة الى اناس من المشركين، بمكة يخبرهم ببعض امر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟" قال: لا تعجل علي، اني كنت امرا ملصقا في قريش، ولم اكن من انفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون اهليهم بمكة، فاحببت اذ فاتني ذلك من النسب فيهم، ان اتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الاسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انه صدقكم"، فقال عمر: دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع الى اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". ونزلت فيه:{يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء} (اخرجه الجماعة الا ابن ماجه). وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد ان هذه الايات نزلت في حاطب بن ابي بلتعة. فقوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} يعني المشركون والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله، نهى الله ان يتخذوهم اولياء واصدقاء واخلاء، كما قال تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم} وهذا تهديد شديد ووعيد اكيد، وقوله تعالى: {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا} الاية. وقال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة} ولهذا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر حاطب، لما ذكر انه انما فعل ذلك مصانعة لقريش، لاجل ما كان له عندهم من الاموال والاولاد. وقوله تعالى: {يخرجون الرسول واياكم} هذا مع ما قبله من التهييج على عدواتهم وعدم موالاتهم لانهم اخرجوا الرسول واصحابه من بين اظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد واخلاص العبادة لله وحده، ولهذا قال تعالى: {ان تؤمنوا بالله ربكم} اي لم يكن لكم عندهم ذنب الا ايمانكم بالله رب العالمين، كقوله تعالى: {وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، وكقوله تعالى: {الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله}، وقوله تعالى: {ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} اي ان كنتم كذلك فلا تتخذوهم اولياء، ان كنت خرجتم مجاهدين في سبيلي فلا توالوا اعدائي، وقد اخرجوكم من دياركم واموالكم، حنقا عليكم وسخطا لدينكم، وقوله تعالى: {تسرون اليهم بالمودة وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم} اي تفعلون ذلك وانا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر، {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * ان يثقفوكم يكونوا لكم اعداء ويبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء} اي لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من اذى ينالوكم به بالمقال والفعال، {وودوا لو تكفرون} اي ويحرصون على ان لا تنالوا خيرا، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة فكيف توالون مثل هؤلاء؟ وهذا تهييج على عدواتهم ايضا، وقوله تعالى: {لن تنفعكم ارحامكم ولا اولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير} اي قراباتكم لا تنفعكم عند الله، اذا اراد الله بكم سوءا، ونفعهم لا يصل اليكم اذا ارضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق اهله على الكفر ليرضيهم، فقد خاب وخسر وضل عمله، ولا ينفعه عند الله قرابته من احد.
35 5 احاديث 61 - سورة الصف. روى الترمذي، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم اي الاعمال احب الى الله عز وجل لعملناه، فانزل الله تعالى: {سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم * يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون} قال عبد الله بن سلام: فقراها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخرجه الترمذي والامام احمد). بسم الله الرحمن الرحيم.
36 4 احاديث 62 - سورة الجمعة. عن ابن عباس رضي الله عنهما: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (رواه مسلم في صحيحه). بسم الله الرحمن الرحيم.
37 2 احاديث 63 - سورة المنافقون. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون - 2 - اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا يعملون - 3 - ذلك بانهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون - 4 - واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون % يقول تعالى مخبرا عن المنافقين، انهم انما يتفهون بالاسلام ظاهرا فاما في باطن الامر فليسوا كذلك بل على الضد من ذلك، ولهذا قال تعالى: {اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله} اي اذا حضروا عندك واجهوك بذلك، واظهروا لك ذلك، وليس كما يقولون ولهذا اعترض بجملة مخبرة انه رسول الله فقال: {والله يعلم انك لرسوله}. ثم قال تعالى: {والله يشهد ان المنافقين لكاذبون} اي فيما اخبروا به لانهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه، ولهذا كذبهم بالنسبة الى اعتقادهم، وقوله تعالى: {اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} اي اتقوا الناس بالايمان الكاذبة ليصدقوا فيما يقولون فاغتر بهم من لا يعرف جلية امرهم، فاعتقدوا انهم مسلمون، وهم من شانهم انهم كانوا في الباطن لا يالون الاسلام واهله خيالا، فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس، ولهذا قال تعالى: {فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا يعملون}، وقوله تعالى: {ذلك بانهم امنوا، ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} اي انما قدر عليهم النفاق لرجوعهم عن الايمان الى الكفران، واستبدالهم الضلالة بالهدى، {فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون} اي فلا يصل الى قلوبهم هدى، ولا يخلص اليها خير فلا تعي ولا تهتدي. وقوله تعالى: {واذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم} اي وكانوا اشكالا حسنة وذوي فصاحة والسنة، واذا سمعهم السامع يصغي الى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع، ولهذا قال تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} اي كلما وقع امر او خوف، يعتقدون لجبنهم انه نازل بهم، كما قال تعالى: {فاذا جاء الخوف رايتهم ينظرون اليك تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} فهم جهامات وصور بلا معاني، ولهذا قال تعالى: {هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون} اي كيف يصرفون عن الهدى الى الضلال، وفي الحديث: "ان للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد الا هجرا، ولا ياتون الصلاة الا دبرا، مستكبرين، لا يالفون ولا يؤلفون، خشب بالليل صخب بالنهار" (اخرجه الامام احمد عن ابي هريرة مرفوعا، وقال يزيد بن مرة: سخب بالنهار اي بالسين).
38 4 احاديث 64 - سورة التغابن. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - يسبح لله ما في السماوات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - 2 - هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير - 3 - خلق السماوات والارض بالحق وصوركم فاحسن صوركم واليه المصير - 4 - يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور % هذه السورة هي اخر المسبحات، وقد تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها، ولهذا قال تعالى {له الملك وله الحمد} اي هو المتصرف في جميع الكائنات، المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره. وقوله تعالى: {وهو على كل شيء قدير} اي مهما اراد كان بلا ممانع ولا مدافع، وما لم يشا لم يكن، وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}، اي هو الخالق لكم على هذه الصفة، فلا بد من وجود مؤمن وكافر، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال، ولهذا قال تعالى: {والله بما تعملون بصير}، ثم قال تعالى: {خلق السماوات والارض بالحق} اي بالعدل والحكمة، {وصوركم فاحسن صوركم} اي احسن اشكالكم، كقوله تعالى: {الذي خلقك فسواك فعدلك، في اي صورة ما شاء ركبك}، وكقوله تعالى: {وصوركم فاحسن صوركم ورزقكم من الطيبات} الاية، وقوله تعالى: {واليه المصير} اي المرجع والمال. ثم اخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والارضية والنفسية فقال تعالى: {يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور}.
39 5 احاديث 65 - سورة الطلاق. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا % خوطب النبي صلى الله عليه وسلم اولا تشريفا وتكريما، ثم خاطب الامة تبعا فقال تعالى: {يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وعن انس قال: "طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فاتت اهلها فانزل الله تعالى: {يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} فقيل له: راجعها، فانها صوامة قوامة، وهي من ازواجك ونسائك في الجنة" (اخرجه ابن ابي حاتم). وروى البخاري ان عبد الله بن عمر طلق امراة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فان بدا له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها، فتلك العدة التي امر بها الله عز وجل" (كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعكرمة وغيرهم). وفي رواية لهم: "فتلك عدة التي امر الله ان يطلق لها النساء". وقال عبد الله في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} قال: الطهر من غير جماع، وقال ابن عباس: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى اذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، وقال عكرمة: {فطلقوهن لعدتهن} العدة الطهر، والقرء الحيضة ان يطلقها حبلى مستبينا حملها ولا يطلقها وقد طاف عليها ولا يدري حبلى هي ام لا؟ ومن ههنا اخذ الفقهاء احكام الطلاق، وقسموه الى طلاق سنة، وطلاق بدعة، فطلاق السنة ان يطلقها طاهرة من غير جماع، او حاملا قد استبان حملها، والبدعي ان يطلقها في حال الحيض، او في طهر قد جامعها فيه، ولا يدري احملت ام لا؛ وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة وهو طلاق الصغيرة والايسة وغير المدخول بها، وتحرير الكلام مستقصى في كتب الفروع. وقوله تعالى: {واحصوا العدة} اي احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها لئلا تطول العدة على المراة فتمتنع من الازواج، {واتقوا الله ربكم} اي في ذلك، وقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} اي في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه، فليس للرجل ان يخرجها ولا يجوز لها ايضا الخروج لانها متعلقه لحق الزوج ايضا، وقوله تعالى: {الا ان ياتين بفاحشة مبينة} اي لا يخرجن من بيوتهن الا ان ترتكب المراة فاحشة مبينة، والفاحشة المبينة تشمل الزنا (كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعكرمة وغيرهم)، وتشمل ما اذا نشزت المراة او بذت على اهل الرجل واذتهم في الكلام والفعال (كما قاله ابي بن كعب وابن عباس وعكرمة وغيرهم)، وقوله تعالى: {وتلك حدود الله} اي شرائعه ومحارمه {ومن يتعد حدود الله} اي يخرج عنها ويتجاوزها الى غيرها ولا ياتمر بها {فقد ظلم نفسه} اي بفعل ذلك، وقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا} اي لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، قال الزهري عن فاطمة بنت قيس في قوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا} قالت: هي الرجعة (وكذا قال الشعبي وعطاء والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان)، ومن ههنا ذهب من ذهب من السلف الى انه لا تجب السكنى للمبتوتة اي المقطوعة، وكذا المتوفي عنها زوجها، واعتمدوا ايضا على حديث (فاطمة بنت قيس) حين طلقها زوجها (ابو عمرو بن حفص) اخر ثلاث تطليقات، وكان غائبا عنها باليمن، فارسل اليها بذلك، فارسل اليها وكيله بشعير يعني نفقة فتسخطته، فقال: والله ليس لك علينا نفقة، فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس لك عليه نفقة"، ولمسلم: "ولا سكنى"، وامرها ان تعتد في بيت ام شريك، ثم قال: "تلك امراة يغشاها اصحابي، اعتدي عند ابن ام مكتوم فانه رجل اعمى تضعين ثيابك" (قصة طلاق فاطمة بنت قيس ذكرها الامام احمد والنسائي والطبراني وغيرهم) الحديث.
40 3 احاديث 66 - سورة التحريم. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم - 2 - قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم - 3 - واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثا فلما نبات به واظهره الله عليه عرف بعضه واعرض عن بعض فلما نباها به قالت من انباك هذا قال نباني العليم الخبير - 4 - ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير - 5 - عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكارا % اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة، فقيل: نزلت في شان (مارية) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالى: {يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك} الاية، روى النسائي، عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له امة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها، فانزل الله عز وجل: {يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك} الى اخر الاية (اخرجه النسائي في سننه)، وروى ابن جرير، عن زيد بن اسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اصاب ام ابراهيم في بيت بعض نسائه، فقالت: اي رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراما، فقالت: اي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها بالله لا يصيبها، فانزل الله تعالى: {يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك} (رواه ابن جرير) ؟! وعن مسروق قال: الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم، فعوقب في التحريم، وامر بالكفارة باليمين (رواه ابن جرير ايضا)، وعن سعيد بن جبير: ان ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها، وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة} يعني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته، فقال الله تعالى: {يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك} الى قوله {قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم} فكفر يمينه فصير الحرام يمينا (اخرجه ابن جرير، ورواه البخاري عن ابن عباس بنحوه)، ومن ههنا قال بعض الفقهاء بوجوب الكفارة على من حرم جاريته، او زوجته، او طعاما او شرابا، او شيئا من المباحات وهو مذهب الامام احمد، وذهب الشافعي الى انه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية اذا حرم عينيهما، فاما ان نوى بالتحريم طلاق الزوجة او عتق الامة نفذ فيهما، والاية نزلت في تحريمه العسل كما روى البخاري عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند (زينب بنت جحش) ويمكث عندها، فتواطات انا وحفصة على ايتنا دخل عليها فلتقل له: اكلت مغافير؟ اني اجد منك ريح مغافير، قال: "لا ولكني كنت اشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن اعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك احدا" {تبتغي مرضات ازواجك} (اخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري). وقال البخاري في "كتاب الطلاق" عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان اذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من احداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس اكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسالت عن ذلك فقيل لي اهدت لها امراة من قومها عكة عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: اما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: انه سيدنو منك، فاذا دنا فقولي: اكلت مغافير، فانه سيقول لا، فقولي له: ما هذه الريح التي اجد؟ سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط وساقول ذلك، وقولي له انت يا صفية ذلك، قالت، تقول سودة: فوالله ما هو الا ان قام على الباب، فاردت ان اناديه بما امرتني فرقا منك، فلما دنا منها، قالت له سودة: يا رسول الله اكلت مغافير؟ قال: "لا"، قالت: فما هذه الريح التي اجد منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل"، قالت: جرست نحلة العرفط، فلما دار الي، قلت نحو ذلك، فلما دار الى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار الى حفصة قالت له: يا رسول الله الا اسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه"، قالت: تقول سودة والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي. هذا لفظ البخاري ولمسلم، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه ان يوجد منه الريح، يعني الريح الخبيثة، ولهذا قلن له اكلت مغافير لان ريحها فيه شيء، فلما قال: "بل شربت عسلا" قلن: جرست نحلة العرفط، اي رعث نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته، قال الجوهري: جرست النحل العرفط اذا اكلته، ومنه قيل للنحل جوارس، وفي رواية عن عائشة ان (زينب بنت جحش) هي التي سقته العسل، وان عائشة وحفصة تواطاتا وتظاهرتا عليه فالله اعلم، وقد يقال انهما واقعتان، ولا بعد في ذلك الا ان كونهما سببا لنزول هذه الاية فيه نظر، والله اعلم. ومما يدل على ان عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الامام احمد عن ابن عباس قال: لم ازل حريصا على ان اسال عمر عن المراتين من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما} حتى جح عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بالاداوة، فتبرز ثم اتاني، فسكبت على يديه فتوضا، فقلت: يا امير المؤمنين: من المراتان من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: {ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما}؟ فقال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس، قال الزهري: كره والله ما ساله عنه ولم يكتمه، قال: هي (عائشة وحفصة). قال: ثم اخذ يسوق الحديث، قال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في دار امية بن زيد بالعوالي، فغضبت يوما على امراتي، فاذا هي تراجعني، فانكرت ان تراجعني، فقالت: ما تنكر ان اراجعك فوالله ان ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره احداهن اليوم الى الليل، قال: فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: اتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره احداكن اليوم الى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، افتامن احداكن ان يغضب الله عليها لغضب رسوله، فاذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تساليه شيئا، وسليني من مالي ما بدا لك، ولا يغرنك ان كانت جارتك هي اوسم (اي اجمل) واحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منك - يريد عائشة - ، قال: وكان لي جار من الانصار، وكنا نتتاوب النزول الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يوما وانزل يوما، فياتيني بخبر الوحي وغيره واتيه بمثل ذلك، قال: وكنا نتحدث ان غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوما، ثم اتى عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرجت اليه، فقال: حدث امر عظيم، فقلت: وما ذاك، اجاءت غسان؟ قال: لا، بل اعظم من ذلك واطول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت اظن هذا كائنا، حتى اذا صليت الصبح شددت علي ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: اطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: لا ادري، هو هذا معتزل في هذه المشربة، فاتيت غلاما له اسود، فقلت: استاذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج الي فقال: ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى اتيت المنبر، فاذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست عنده قليلا، ثم غلبني ما اجد فاتيت الغلام، فقلت: استاذن لعمر، فدخل ثم خرج الي، فقال: قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست الى المنبر، ثم غلبني ما اجد، فاتيت الغلام فقلت: استاذن لعمر، فدخل ثم خرج الي فقال: قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبرا، فاذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل قد اذن لك، فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا هو متكئ على رمال حصير وقد اثر في جنبه، فقلت: اطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع راسه الي، وقال: "لا"، فقلت: الله اكبر، ولو رايتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومهم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امراتي يوما، فاذا هي تراجعني، فانكرت ان تراجعني، فقالت: ما تنكر ان اراجعك؟ فوالله ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره احداهن اليوم الى الليل، فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، افتامن احداكن ان يغضب الله عليها لغضب رسوله، فاذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة، فقلت: لا يغرنك ان كانت جارتك هي اوسم او احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم اخرى، فقلت: استانس يا رسول الله؟ قال: "نعم"، فجلست فرفعت راسي في البيت فوالله ما رايت في البيت شيئا يرد البصر الا اهب مقامه، فقلت: ادع الله يا رسول الله ان يوسع على امتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا وقال: "افي شك انت يا ابن الخطاب؟ اولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"، فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان اقسم ان لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عز وجل. وروى البخاري عن انس قال، قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: {عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن} فنزلت هذه الاية، وقد تقدم انه وافق القران في اماكن منها في نزول الحجاب ومنها في اسارى بدر، ومنها قوله: لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى، فانزل الله تعالى: {واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى} (اخرجه البخاري في صحيحه). وقد تبين مما اوردناه تفسير هذه الايات الكريمات، ومعنى قوله: {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات} ظاهر، وقوله تعالى: {سائحات} اي صائمات قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد، وتقدم فيه حديث مرفوع، ولفظه "سياحة هذه الامة الصيام"، وقال زيد بن اسلم {سائحات} اي مهاجرات، وتلا {السائحون} اي المهاجرون، والقول الاول اولى، والله اعلم. وقوله تعالى: {ثيبات وابكارا} اي منهن ثيبات، ومنهن ابكارا، ليكون ذلك اشهى الى النفس، فان التنوع يبسط النفس، ولهذا قال: {ثيبات وابكارا} اي منهن ثيبات، ومنهن ابكار، ليكون ذلك اشهى الى النفس، فان التنوع يبسط النفس، ولهذا قال: {ثيبات وابكار} قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الاية ان يزوجه، فالثيب اسية امراة فرعون، وبالابكار مريم بنت عمران (رواه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير)، وذكر الحافظ ابن عساكر، عن ابن عمر قال: جاء جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال: "ان الله يقرؤها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب، بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران واسية بنت مزاحم" (اخرجه ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام).
41 6 احاديث 67 - سورة الملك. ما ورد في فضلها: روى الامام احمد عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان سورة في القران ثلاثين اية شفعت لصاحبها حتى غفر له: تبارك الذي بيده الملك" (اخرجه احمد واهل السنن الاربعة وقال الترمذي: حديث حسن). وعن انس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سورة في القران خاصمت عن صاحبها حتى ادخلته الجنة: تبارك الذي بيده الملك" (رواه الطبراني والحافظ المقدسي). وعن ابن عباس قال: ضرب بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب انه قبر، فاذا قبر انسان يقرا سورة الملك حتى ختمها، فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ضربت خبائي على قبر، وانا لا احسب انه قبر، فاذا انسان يقرا سورة الملك: تبارك، حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر" (رواه الترمذي، وقال غريب من هذا الوجه). وعن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرا: "{الم تنزيل}، و{تبارك الذي بيده الملك}" (اخرجه الترمذي). وقال ليث، عن طاووس: يفضلان كل سورة في القران بسبعين حسنة، وعن ابن عباس انه قال لرجل: الا اتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى، قال: اقرا {تبارك الذي بيده الملك} وعلمها اهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فانها المنجية، والمجادلة تجادل او تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطالب له ان ينجيه من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت انها في قلب كل انسان من امتي" (اخرجه عبد بن حميد في مسنده). بسم الله الرحمن الرحيم.
42 5 احاديث 68 - سورة القلم. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - ن والقلم وما يسطرون - 2 - ما انت بنعمة ربك بمجنون - 3 - وان لك لاجرا غير ممنون - 4 - وانك لعلى خلق عظيم - 5 - فستبصر ويبصرون - 6 - بايكم المفتون - 7 - ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين % قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في اول سورة البقرة، بما اغنى عن اعادته ههنا، وقيل: المراد بقوله {ن} حوت عظيم وقيل: المراد بقوله {ن} لوح من نور، وقيل: المراد بقوله {ن} الدواة، {والقلم} القلم، روي عن الحسن وقتادة في قوله {ن} قالا: هي الدواة، وقوله تعالى: {والقلم} الظاهر انه جنس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى: {الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم} فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما انعم به عليهم، من تعليم الكتابة التي تنال بها العلوم، ولهذا قال: {وما يسطرون} قال ابن عباس: يعني وما يكتبون، وقال ابو الضحى عنه {وما يسطرون} اي وما يعملون، وقال السدي {وما يسطرون} يعني الملائكة وما تكتب من اعمال العباد، وقال اخرون: بل المراد ههنا بالقلم الذي اجراه الله بالقدر، حين كتب مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارضين بخمسين الف عام، روى ابن ابي حاتم عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دعاني ابي حين حضره الموت، فقال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ان اول ما خلق الله القلم فقال: اكتب، قال: يا رب وما انا اكتب؟ قال اكتب القدر وما هو كائن الى الابد" (اخرجه ابن ابي حاتم، ورواه احمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب). وعن ابن عباس انه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان اول شيء خلقه الله القلم فامره فكتب كل شيء" (رواه ابن جرير). وقال مجاهد {والقلم} يعني الذي كتب به الذكر، وقوله تعالى: {وما يسطرون} اي يكتبون كما تقدم. وقوله تعالى: {ما انت بنعمة ربك بمجنون} اي لست ولله الحمد بمجنون، كما يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى حيث نسبوك الى الجنون، {وان لك لاجرا غير ممنون} اي ان لك الاجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على ابلاغك رسالة ربك الى الخلق، وصبرك على اذاهم، ومعنى {غير ممنون} اي غيرمقطوع، كقوله: {عطاء غير مجذوذ}، {فلهم اجر غير ممنون} اي غير مقطوع عنهم، وقال مجاهد {غير ممنون}: اي غير محسوب وهو يرجع الى ما قلناه، وقوله تعالى: {وانك لعلى خلق عظيم} قال ابن عباس: وانك لعلى دين عظيم وهو الاسلام، وقال عطية: لعلى ادب عظيم، وقال قتادة: ذكر لنا ان سعيد بن هشام سال عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: الست تقرا القران؟ قال: بلى، قالت: فان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كالقران، وروى الامام احمد عن الحسن قال: سالت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القران (اخرجه الامام احمد)، وقال ابن جرير، عن سعد بن هشام قال: اتيت عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها: اخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه كالقران، اما تقرا: {وانك لعلى خلق عظيم}؟ (رواه ابن جرير واللفظ له ورواه ابو داود والنسائي بنحوه) ومعنى هذا انه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القران سجية له وخلقا، وترك طبعه الجبلي، فمهما امره القران فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن انس، قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: اف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم افعله الا فعلته؟ وكان صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان اطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخرجه الشيخان عن انس رضي الله عنه)، وروى البخاري، عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم احسن الناس وجها، واحسن الناس خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير (اخرجه البخاري)، وروى الامام احمد، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما قط، ولا ضرب امراة، ولا ضرب بيده شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط الا كان احبهما اليه ايسرهما حتى يكون اثما، فاذا كان اثما كان ابعد الناس من الاثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى اليه الا ان تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله عز وجل (اخرجه الامام احمد والاحاديث في هذا كثيرة، ولابي عيسى الترمذي كتاب سماه (الشمائل)). وقوله تعالى: {فستبصر ويبصرون بايكم المفتون} اي فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك، من المفتون الضال منك ومنهم، وهذا كقوله تعالى: {سيعلمون غدا من الكذاب الاشر}، قال ابن عباس في هذه الاية: ستعلم ويعلمون يوم القيامة، {بايكم المفتون} اي المجنون، وقال قتادة: {بايكم المفتون} اي اولى بالشيطان، ومعنى المفتون ظاهر اي الذي افتتن عن الحق وضل عنه، وانما دخلت الباء في قوله: {بايكم} لتدل على تضمين الفعل في قوله {فستبصر ويبصرون} وتقديره: فستعلم ويعلمون، اي فستخبر ويخبرون بايكم المفتون، والله اعلم، ثم قال تعالى: {ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين} اي هو يعلم تعالى اي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق.
43 5 احاديث 69 - سورة الحاقة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الحاقة - 2 - ما الحاقة - 3 - وما ادراك ما الحاقة - 4 - كذبت ثمود وعاد بالقارعة - 5 - فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية - 6 - واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية - 7 - سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية - 8 - فهل ترى لهم من باقية - 9 - وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة - 10 - فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية - 11 - انا لما طغا الماء حملناكم في الجارية - 12 - لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية % {الحاقة} من اسماء يوم القيامة، لان فيها يتحقق الوعد والوعيد، ولهذا عظم الله امرها فقال: {وما ادراك ما الحاقة}، ثم ذكر تعالى اهلاكه الامم المكذبين بها فقال تعالى: {فاما ثمود فاهلكوا بالطاغية} وهي الصيحة التي اسكتتهم والزلزلة التي اسكنتهم، هكذا قال قتادة {الطاغية}: الصيحة، وهو اختيار ابن جرير، وقال مجاهد: {الطاغية} الذنوب، وكذا قال ابن زيد انها الطغيان، وقرا: {كذبت ثمود بطغوها}، {واما عاد فاهلكوا بريح صرصر} اي باردة، قال قتادة والسدي: {عاتية} اي شديدة الهبوب، عتت عليهم حتى نقبت عن افئدتهم، وقال الضحاك: {صرصر} باردة {عاتية} عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، وقال علي: عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب، {سخرها عليهم} اي سلطها عليهم {سبع ليالي وثمانية ايام حسوما} اي كوامل متتابعات مشائيم، قال ابن مسعود: {حسوما} متتابعات، وعن عكرمة والربيع: مشائيم عليهم كقوله تعالى: {في ايام نحسات} ويقال: انها التي تسميها الناس الاعجاز، وكان الناس اخذوا ذلك من قوله تعالى: {فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية}. وقيل: لانها تكون في عجز الشتاء، قال ابن عباس: {خاوية} خربة، وقال غيره: بالية، اي جعلت الريح تضرب باحدهم الارض فيخر ميتا على ام راسه، فينشدح راسه، وتبقى جثته هامدة، كانها قائمة النخلة اذا خرت بلا اغصان، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: "نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور" (اخرجاه في الصحيحين). وعن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها الا مثل موضع الخاتم، فمرت باهل البادية فحملتهم ومواشيهم واموالهم فجعلتهم بين السماء والارض، فلما راى ذلك اهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها قالوا: هذا عارض ممطرنا، فالقت اهل البادية ومواشيهم على اهل الحاضرة" (رواه ابن ابي حاتم) {فهل ترى لهم من باقية}؟ اي هل تحس منهم من احد من بقاياهم او ممن ينتسب اليهم؟ بل بادوا عن اخرهم، ولم يجعل الله لهم خلفا، ثم قال تعالى: {وجاء فرعون ومن قبله} اي ومن قبله من الامم المشبهين له، وقوله تعالى: {والمؤتفكات} وهم الامم المكذبون بالرسل، {بالخاطئة} وهي التكذيب بما انزل الله، قال الربيع {بالخاطئة} اي بالمعصية، وقال مجاهد: بالخطايا، ولهذا قال تعالى: {فعصوا رسول ربهم} اي كل كذب رسول الله اليهم كما قال تعالى: {ان كل الا كذب الرسل فحق وعيد}، ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع، كما قال تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين}، {كذبت عاد المرسلين} وانما جاء الى كل امة رسول واحد، ولهذا قال ههنا: {فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية} اي عظيمة شديدة اليمة، قال مجاهد {رابية}: شديدة، وقال السدي: مهلكة. ثم قال تعالى: {انا لما طغى الماء} اي ازداد على الحد، وقال ابن عباس: {طغى الماء} كثر، وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام، فاستجاب الله له، وعم اهل الارض بالطوفان الا من كان مع نوح في السفينة، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته، قال علي بن ابي طالب: لم تنزل قطرة من ماء الا بكيل على يدي ملك، فلما كان يوم نوح اذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان، فخرج، فذلك قوله تعالى: {انا لما طغى الماء} اي زاد على الحد باذن الله، {حملناكم في الجارية} ولم ينزل شيء من الريح الا بكيل على يدي ملك الا يوم عاد فانه اذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله تعالى: {بريح صرصر عاتية} (رواه ابن جرير)، ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس {حملناكم في الجارية} وهي السفينة الجارية على وجه الماء، {لنجعلها لكم تذكرة} اي وابقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال: {وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون}، وقال تعالى: {واية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} وقال قتادة: ابقى الله السفينة حتى ادركها اوائل هذه الامة، والاول اظهر، ولهذا قال تعالى: {وتعيها اذن واعية} اي وتفهم هذه النعمة وتذكرها اذن واعية، قال ابن عباس: حافظة سامعة، وقال قتادة: {اذن واعية} عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. وقال الضحاك: {وتعيها اذن واعية} سمعتها اذن ووعت، اي من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام في كل من فهم ووعي.
44 3 احاديث 70 - سورة المعارج. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - سال سائل بعذاب واقع - 2 - للكافرين ليس له دافع - 3 - من الله ذي المعارج - 4 - تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة - 5 - فاصبر صبرا جميلا - 6 - انهم يرونه بعيدا - 7 - ونراه قريبا % {سال سائل بعذاب واقع} اي استعجل سائل بعذاب واقع، كقوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده}. قال النسائي، عن ابن عباس في قوله تعالى: {سال سائل بعذاب واقع}، قال (النضر بن الحارث) وقال العوفي عن ابن عباس {سال سائل بعذاب واقع} قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم، وقال مجاهد في قوله تعالى: {سال سائل} دعا داع بعذاب واقع يقع في الاخرة، قال وهو قولهم: {اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم}، وقوله تعالى: {للكافرين} اي مرصد معد للكافرين، {ليس له دافع} اي لا دافع له اذا اراد الله كونه، ولهذا قال تعالى: {من الله ذي المعارج} قال ابن عباس: ذو الدرجات، وعنه: ذو العلو والفواضل، وقال مجاهد {ذي المعارج} معارج السماء، وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم، وقوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح اليه} قال قتادة {تعرج} تصعد، واما الروح فيحتمل ان يكون المراد به جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام، ويحتمل ان يكون اسم جنس لارواح بني ادم، فانها اذا قبضت يصعد بها الى السماء، كما دل عليه حديث البراء، في قبض الروح الطيبة وفيه: "فلا يزال يصعد بها من سماء الى سماء، حتى ينتهي بها الى السماء التي فيها الله". وقوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين الف سنة} فيه اربعة اقوال: احدها: ان المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم الى اسفل السافلين، وهو قرار الارض السابعة، وذلك مسيرة خمسين الف سنة. عن ابن عباس في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين الف سنة} قال: منتهى امره من اسفل الارضين، الى منتهى امره من فوق السماوات خمسين الف سنة (رواه ابن ابي حاتم). القول الثاني: ان المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم الى قيام الساعة، قال : الدنيا عمرها خمسون الف سنة، وذلك عمرها يوم سماها الله عز وجل يوما. وعن عكرمة: {في يوم كان مقداره خمسين الف سنة} قال: الدنيا من اولها الى اخرها مقدار خمسين الف سنة لا يدري احد كم مضى ولا كم بقي الا الله عز وجل (اخرجه عبد الرزاق عن عكرمة). القول الثالث: انه اليوم الفاصل بين الدنيا والاخرة وهو قول غريب جدا، روي عن محمد بن كعب قال: هو يوم الفصل بين الدنيا والاخرة (رواه ابن ابي حاتم). القول الرابع: ان المراد بذلك يوم القيامة، وبه قال الضحاك وابن زيد وعكرمة، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة} قال: هو يوم القيامة جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين الف سنة، روى الامام احمد عن ابي سعيد قال، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {في يوم كان مقداره خمسين الف سنة} ما اطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون اخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" (اخرجه احمد وابن جرير). وقال الامام احمد، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه الا جعل صفائح يحمي عليها في نار حهنم، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار" (اخرجه الامام احمد). وقوله تعالى: {فاصبر صبرا جميلا} اي اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه كقوله تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين امنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق}، ولهذا قال: {انهم يرونه بعيدا} اي وقوع العذاب، وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع بمعنى مستحيل الوقوع {ونراه قريبا} اي المؤمنون يعتقدون كونه قريبا وان كان له امد لا يعلمه الا الله عز وجل، ولكن كل ما هو ات فهو قريب وواقع لا محالة.
45 3 احاديث 71 - سورة نوح. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - انا ارسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل ان ياتيهم عذاب اليم - 2 - قال يا قوم اني لكم نذير مبين - 3 - ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون - 4 - يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى ان اجل الله اذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون % يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام، انه ارسله الى قومه، امرا له ان ينذرهم باس الله قبل حلوله بهم، فان تابوا وانابوا رفع عنهم، ولهذا قال تعالى: {ان انذر قومك من قبل ان ياتيهم عذاب اليم * قال يا قوم اني لكم نذير مبين} اي بين النذارة، ظاهر الامر واضحه {ان اعبدوا الله واتقوه} اي اتركوا محارمه واجتنبوا ماثمه، {واطيعون} فيما امركم به وانهاكم عنه، {يغفر لكم من ذنوبكم} اي اذا فعلتم ما امركم به وصدقتم ما ارسلت به اليكم غفر الله لكم ذنوبكم، {ويؤخركم الى اجل مسمى} اي يمد في اعماركم ويدرا عنكم العذاب، وقد يستدل بهذه الاية من يقول: ان الطاعة والبر وصلة الرحم يزاد بها في العمر حقيقة، كما ورد به الحديث: "صلة الرحم تزيد في العمر"، وقوله تعالى: {ان اجل الله اذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون} اي بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة، فان امره تعالى لا يرد ولا يمانع، فانه العظيم الذي قد قهر كل شيء، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات.
46 4 احاديث 72 - سورة الجن. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرانا عجبا - 2 - يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا - 3 - وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا - 4 - وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا - 5 - وانا ظننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا - 6 - وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا - 7 - وانهم ظنوا كما ظننتم ان لن يبعث الله احدا % يقول تعالى امرا رسوله صلى الله عليه وسلم، ان يخبر قومه ان الجن استمعوا القران، فامنوا به وصدقوه وانقادوا له فقال تعالى: {قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرانا عجبا * يهدي الى الرشد} اي الى السداد والنجاح {فامنا به ولن نشرك بربنا احدا} كقوله تعالى: {واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القران}، وقوله تعالى: {وانه تعالى جد ربنا} قال ابن عباس {جد ربنا} الاؤه وقدرته ونعمته على خلقه، وقال مجاهد: جلال ربنا، وقال قتادة: تعالى جلاله وعظمته وامره، وقال السدي: تعالى امر ربنا، وقال سعيد بن جبير: {تعالى جد ربنا} اي تعالى ربنا، وقوله تعالى: {ما اتخذ صاحبة ولا ولدا} اي تعالى عن اتخاذ الصاحبة و الاولاد، اي قالت الجن: تنزه الرب جل جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد، ثم قالوا: {وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا}، قال مجاهد {سفيهنا} يعنون ابليس، {شططا} اي جورا، وقال ابن زيد: اي ظلما كبيرا، ويحتمل ان يكون المراد بقولهم: سفيهنا اسم جنس لكل من زعم ان لله صاحبة او ولدا، ولهذا قالوا: {وانه كان يقول سفيهنا} اي قبل اسلامه، {على الله شططا} اي باطلا وزورا، ولهذا قالوا: {وانا ظننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا} اي ما حسبنا ان الانس والجن، يتمالاون على الكذب على الله تعالى، في نسبة الصاحبة والولد اليه، فلما سمعنا هذا القران وامنا به علمنا انهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.وقوله تعالى: {وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}، كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان، ان يصيبهم بشيء يسوؤهم، فلما رات الجن ان الانس يعوذون بهم من خوفهم منهم {زادوهم رهقا} اي خوفا وارهابا وذعرا، حتى بقوا اشد منهم مخافة واكثر تعوذا بهم، كما قال قتادة {فزادوهم رهقا} اي اثما، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة، وقال الثوري {فزادوهم رهقا} اي ازدادت الجن عليهم جراة، وقال السدي: كان الرجل يخرج باهله فياتي الارض فينزلها فيقول: اعوذ بسيد هذا الوادي من الجن ان اضر انا فيه ومالي او ولدي او ماشيتي، قال قتادة: فاذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الاذى عند ذلك، وعن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الانس كما يفرق الانس منهم او اشد، فكان الانس اذا نزلوا واديا هرب الجن، فيقول سيد القوم: نعوذ بسيد اهل هذا الوادي، فقال الجن: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم، فدنوا من الانس، فاصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول الله عز وجل: {وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} اي اثما (اخرجه ابن ابي حاتم عن عكرمة)، وقال ابو العالية {رهقا} اي خوفا، وقال ابن عباس: اي اثما، وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا. روى ابن ابي حاتم، عن كردم بن ابي السائب الانصاري قال: خرجت مع ابي من المدينة في حاجة، وذلك اول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فاوانا المبيت الى راعي غنم، فلما انتهى صف الليل جاء ذئب، فاخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي، فقال: يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان ارسله، فاتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة، وانزل الله تعالى على رسوله بمكة: {وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} (اخرجه ابن ابي حاتم). وقوله تعالى: {وانهم ظنوا كما ظننتم ان لن يبعث الله احدا} اي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولا.
47 3 احاديث 73 - سورة المزمل. [مقدمة] عن جابر رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسما يصد الناس عنه، فقالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، فتفرق المشركون على ذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فاتاه جبريل عليه السلام، فقال: {يا ايها المزمل}، {يا ايها المدثر} (اخرجه الحافظ البراز). بسم الله الرحمن الرحيم.
48 3 احاديث 74 - سورة المدثر. بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - يا ايها المدثر - 2 - قم فانذر - 3 - وربك فكبر - 4 - وثيابك فطهر - 5 - والرجز فاهجر - 6 - ولا تمنن تستكثر - 7 - ولربك فاصبر - 8 - فاذا نقر في الناقور - 9 - فذلك يومئذ يوم عسير - 10 - على الكافرين غير يسير % روى البخاري، عن جابر بن عبد الله، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاورت بحراء فلما قضيت جواري، هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني، فلم ار شيئا، ونظرت عن شمالي فلم ار شيئا، ونظرت امامي فلم ار شيئا، ونظرت خلفي فلم ار شيئا، فرفعت راسي فرايت شيئا، فاتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا علي ماء باردا - قال - فدثروني وصبوا علي ماء باردا، قال، فنزلت: {يا ايها المدثر * قم فانذر * وربك فكبر} (رواه البخاري). وعن ابي سلمة قال: اخبرني جابر بن عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينا انا امشي اذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فاذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والارض، فجثثت منه حتى هويت الى الارض، فجئت الى اهلي فقلت: زملوني. زملوني. فزملوني، فانزل: {يا ايها المدثر * قم فانذر - الى - فاهجر}، قال ابو سلمة: والرجز: الاوثان، "ثم حمي الوحي وتتابع" (اخرجه البخاري ومسلم). وهذا السياق يقتضي انه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: "فاذا الملك الذي كان بحراء،" وهو جبريل حين اتاه بقوله: {اقرا باسم ربك الذي خلق}، ثم انه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا، كما قال الامام احمد، عن جابر بن عبد الله، انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا انا امشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فاذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والارض، فجثثت منه فرقا حتى هويت الى الارض، فجئت اهلي، فقلت لهم: زملوني. زملوني، فزملوني، فانزل الله تعالى: {يا ايها المدثر * قم فانذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر} ثم حمي الوحي وتتابع" (اخرجه احمد والشيخان). وروى الطبراني، عن ابن عباس قال: ان الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما فلما اكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: ليس بشاعر، وقال بعضهم: بل ساحر يؤثر، فاجمع رايهم على انه سحر يؤثر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحزن وقنع راسه وتدثر، فانزل الله تعالى: {يا ايها المدثر * قم فانذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر} وقوله تعالى: {قم فانذر} اي شمر عن ساق العزم وانذر الناس {وربك فكبر} اي عظم {وثيابك فطهر} سئل ابن عباس عن هذه الاية: {وثيابك فطهر} فقال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: اما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي: فاني بحمد الله لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدرة اتقنع. وفي رواية عنه: فطهر من الذنوب، وقال مجاهد: {وثيابك فطهر} قال: نفسك ليس ثيابه، وفي رواية عنه: اي عملك فاصلح، وقال قتادة: {وثيابك فطهر} اي طهرها من المعاصي، وقال محمد بن سيرين: {وثيابك فطهر} اي اغسلها بالماء، وقال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون، فامره الله ان يتطهر وان يطهر ثيابه، وهذا القول اختاره ابن جرير، وقد تشمل الاية جميع ذلك مع طهارة القلب، فان العرب تطلق الثياب عليه. وقال سعيد بن جبير {وثيابك فطهر} وقلبك ونيتك فطهر. وقوله تعالى: {والرجز فاهجر} قال ابن عباس: والرجز وهو الاصنام فاهجر (وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد ان الرجز يراد به الاوثان)، وقال الضحاك {والرجز فاهجر}: اي اترك المعصية، وعلى كل تقدير، فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: {يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين}. وقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، قال ابن عباس: لا تعط العطية تلتمس اكثر منها، وقال الحسن البصري: لا تمتن بعملك على ربك تستكثره، واختاره ابن جرير، وقال مجاهد: لا تضعف ان تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب تضعف، وقال ابن زيد: لاتمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تاخذ عليه عوضا من الدنيا، فهذه اربعة اقوال، والاظهر القول الاول، والله اعلم. وقوله تعالى: {ولربك فاصبر} اي اجعل صبرك على اذاهم لوجه ربك عز وجل، قاله مجاهد. وقال ابراهيم النخعي: اصبر عطيتك لله عز وجل. وقوله تعالى: {فاذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير} قال ابن عباس ومجاهد: {الناقور} الصور، قال مجاهد: وهو كهيئة القرن، وفي الحديث: "كيف انعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟" فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تامرنا يا رسول الله؟ قال: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا" (اخرجه احمد وابن ابي حاتم)، وقوله تعالى: {فذلك يومئذ يوم عسير} اي شديد، {على الكافرين غير يسير} اي غير سهل عليهم، كما قال تعالى: {يقول الكافرون هذا يوم عسر}، وقد روينا عن (زرارة بن اوفى) قاضي البصرة انه صلى بهم الصبح فقرا هذه السورة، فلما وصل الى قوله تعالى: {فاذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير} شهق شهقة، ثم خر ميتا رحمه الله تعالى.
49 2 احاديث 75 - سورة القيامة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - لا اقسم بيوم القيامة - 2 - ولا اقسم بالنفس اللوامة - 3 - ايحسب الانسان الن نجمع عظامه - 4 - بلى قادرين على ان نسوي بنانه - 5 - بل يريد الانسان ليفجر امامه - 6 - يسال ايان يوم القيامة - 7 - فاذا برق البصر - 8 - وخسف القمر - 9 - وجمع الشمس والقمر - 10 - يقول الانسان يومئذ اين المفر - 11 - كلا لا وزر - 12 - الى ربك يومئذ المستقر - 13 - ينبا الانسان يومئذ بما قدم واخر - 14 - بل الانسان على نفسه بصيرة - 15 - ولو القى معاذيره % قد تقدم ان المقسم عليه اذا كان منتفيا جاز الايتان بلا قبل القسم لتاكيد النفي، والمقسم عليه ههنا هو اثبات المعاد، والرد على ما يزعمه الجهلة من عدم بعث الاجساد، ولهذا قال تعالى: {لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة} قال الحسن: اقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، وقال قتادة: بل اقسم بهما جميعا، والصحيح انه اقسم بهما معا وهو المروي عن ابن عباس وسعيد ابن جبير، واختاره ابن جرير، فاما يوم القيامة فمعروف، واما النفس اللوامة فقال الحسن البصري: ان المؤمن والله ما نراه الا يلوم نفسه: ما اردت بكلمتي، ما اردت باكلتي، ما اردت بحديث نفسي، وان الفاجر يمضي قدما قدما ما يعاتب نفسه، وعن سماك انه سال عكرمة عن قوله {ولا اقسم بالنفس اللوامة} قال: يلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا، وعن سعيد بن جبير قال: تلوم على الخير والشر، وقال مجاهد: تندم على ما فات وتلوم عليه، وقال ابن عباس: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: {اللوامة} الفاجرة، قال ابن جرير: وكل هذه الاقوال متقاربة المعنى، والاشبه بظاهر التنزيل انها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات. وقوله تعالى: {ايحسب الانسان ان لن نجمع عظامه}؟ اي يوم القيامة. ايظن انا لا نقدر على اعادة عظامه وجمعها من اماكنها المتفرقة؟ {بلى قادرين على ان نسوي بنانه} قال ابن عباس: ان نجعله خفا او حافرا (وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك، قال ابن جرير: اي في الدنيا لو شاء لجعل ذلك)، والظاهر من الاية ان قوله تعالى: {قادرين} حال من قوله تعالى {نجمع} اي ايظن الانسان انا لا نجمع عظامه؟ بلى سنجمعها قادرين على ان نسوي بنانه، اي قدرتنا صالحة لجمعها، ولو شئنا لبعثناه ازيد مما كان، فنجعل بنانه وهي اطراف اصابعه مستوية، وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج، وقوله: {بل يريد الانسان ليفجر امامه} قال ابن عباس: يعني يمضي قدما، وعنه: يقول الانسان: اعمل ثم اتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة، وقال مجاهد {ليفجر امامه}: ليمضي امامه راكبا راسه، وقال الحسن: لا يلفى ابن ادم الا تنزع نفسه الى معصية الله قدما قدما الا من عصمه الله تعالى، وروي عن غير واحد من السلف: هو الذي يعجل الذنوب ويسوف التوبة، وقال ابن عباس: هو الكافر يكذب بيوم الحساب، وهذا هو الاظهر من المراد، ولهذا قال بعده: {يسال ايان يوم القيامة}؟ اي يقول متى يكون يوم القيامة، وانما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستاخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}، وقال تعالى ههنا: {فاذا برق البصر} بكسر الراء اي حار كقوله تعالى: {لا يرتد اليهم طرفهم}، والمقصود ان الابصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الاهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الامور. وقوله تعالى: {وخسف القمر} اي ذهب ضوؤه، {وجمع الشمس والقمر} قال مجاهد: كورا، كقوله {اذا الشمس كورت}، وقوله تعالى: {يقول الانسان يومئذ اين المفر} اي اذا عاين ابن ادم هذه الاهوال يوم القيامة، حينئذ يريد ان يفر ويقول: {اين المفر}؟ اي هل من ملجا او موئل، قال الله تعالى: {كلا لا وزر الى ربك يومئذ المستقر} قال ابن مسعود وابن عباس: اي لا نجاة، وهذه الاية كقوله تعالى: {ما لكم من ملجا يومئذ وما لكم من نكير} اي ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال ههنا: {لا وزر} اي ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال: {الى ربك يومئذ المستقر} اي المرجع والمصير، ثم قال تعالى: {ينبا الانسان يومئذ بما قدم واخر} اي يخبر بجميع اعماله قديمها وحديثها، اولها واخرها، صغيرها وكبيرها كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا}، وهكذا قال ههنا: {بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره} اي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وانكر، كما قال تعالى: {اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} وقال ابن عباس {بل الانسان على نفسه بصيرة} يقول: سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه. وقال قتادة: شاهد على نفسه، وفي رواية قال: اذا شئت والله رايته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه وكان يقال: ان في الانجيل مكتوبا: يا ابن ادم تبصر القذاة في عين اخيك، وتترك الجذع في عينك لا تبصره. وقال مجاهد: {ولو القى معاذيره} ولو جادل عنها فهو بصير عليها، وقال قتادة: {ولو القى معاذيره} ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه، وقال السدي: {ولو القى معاذيره} حجته، واختاره ابن جرير، وقال الضحاك: ولو القى ستوره، واهل اليمن يسمون الستر المعذار، والصحيح قول مجاهد واصحابه، كقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}، وكقوله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شيء الا انهم هم الكاذبون}، وقال ابن عباس: {ولو القى معاذيره} هي الاعتذار الم تسمع انه قال: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}؟
50 4 احاديث 76 - سورة الانسان. [مقدمة] عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا في صلاة الصبح يوم الجمعة: {الم تنزيل} السجدة و{هل اتى على الانسان} (اخرجه مسلم في صحيحه)؟ بسم الله الرحمن الرحيم.
51 4 احاديث 77 - سورة المرسلات. [مقدمة] روى البخاري، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى، اذ نزلت عليه: {والمرسلات} فانه ليتلوها واني لاتلقاها من فيه، وان فاه لرطب بها، اذا وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوها" فابتدرناها، فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقيت شركم كما وقيتم شرها" (اخرجه البخاري، ورواه مسلم من طريق الاعمش به). وقال الامام احمد: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن امه انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرا في المغرب بالمرسلات عرفا، وعن ابن عباس ان ام الفضل سمعته يقرا: {والمرسلات عرفا} فقالت: يا بني اذكرتني بقراءتك هذه السورة، انها لاخر ما سمعت من رسول الله يقرا بها في المغرب (اخرجاه في الصحيحين من طريق مالك عن الزهري). بسم الله الرحمن الرحيم.
52 3 احاديث 78 - سورة النبا. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - عم يتساءلون - 2 - عن النبا العظيم - 3 - الذي هم فيه مختلفون - 4 - كلا سيعلمون - 5 - ثم كلا سيعلمون - 6 - الم نجعل الارض مهادا - 7 - والجبال اوتادا - 8 - وخلقناكم ازواجا - 9 - وجعلنا نومكم سباتا - 10 - وجعلنا الليل لباسا - 11 - وجعلنا النهار معاشا - 12 - وبنينا فوقكم سبعا شدادا - 13 - وجعلنا سراجا وهاجا - 14 - وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا - 15 - لنخرج به حبا ونباتا - 16 - وجنات الفافا % يقول تعالى منكرا على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة انكارا لوقوعها: {عم يتساءلون * عن النبا العظيم} اي: عن اي شيء يتساءلون عن امر القيامة، وهو النبا العظيم: يعني الخبر الهائل المفظع الباهر، قال قتادة: النبا العظيم: البعث بعد الموت، وقال مجاهد: هو القران، والاظهر الاول، لقوله: {الذي هم فيه مختلفون} يعني الناس فيه مؤمن به وكافر، ثم قال تعالى متوعدا لمنكري القيامة: {كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون} وهذا تهديد شديد ووعيد اكيد، ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الاشياء الغريبة والامور العجيبة، الدالة على قدرته على ما يشاء من امر المعاد وغيره، فقال: {الم نجعل الارض مهادا} اي ممهدة للخلائق ذلولا لهم، قارة ساكنة ثابتة {والجبال اوتادا} اي جعلها لها اوتادا، ارساها بها وثبتها وقررها، حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها، ثم قال تعالى: {وخلقناكم ازواجا} يعني ذكرا وانثى، يتمتع كل منهما بالاخر، ويحصل التناسل بذلك كقوله: {ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، وقوله تعالى: {وجعلنا نومكم سباتا} اي قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد، والسعي في المعايش في عرض النهار، {وجعلنا الليل لباسا} اي يغشى الناس بظلامه وسواده، كما قال: {والليل اذا يغشاها}، وقال قتادة: {وجعلنا الليل لباسا} اي سكنا، وقوله تعالى: {وجعلنا النهار معاشا} اي جعلناه مشرقا نيرا مضيئا ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعايش والتكسب والتجارات وغير ذلك. وقوله تعالى: {وبنينا فوقكم سبعا شدادا} يعني السماوات السبع في اتساعها وارتفاعها، واحكامها واتقانها وتزينها بالكواكب الثوابت والسيارات، ولهذا قال تعالى: {وجعلنا سراجا وهاجا} يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوءها لاهل الارض كلهم، وقوله تعالى: {وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} قال ابن عباس: المعصرات: الرياح، تستدر المطر من السحاب، وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس: من المعصرات اي من السحاب (وهو قول عكرمة والضحاك والحسن والربيع بن انس الثوري، واختاره ابن جرير وهو الاظهر كما قال ابن كثير)، وقال الفراء: هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال امراة معصر اذا دنا حيضها ولم تحض، وعن الحسن وقتادة: {من المعصرات} يعني السماوات وهذا قول غريب، والاظهر ان المراد بالمعصرات السحاب، كما قال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله} اي من بينه، وقوله جل وعلا: {ماء ثجاجا} قال مجاهد: {ثجاجا}: منصبا، وقال الثوري: متتابعا، وقال ابن زيد: كثيرا، قال ابن جرير: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج، وانما الثج الصب المتتابع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "افضل الحج العج والثج" يعني صب دماء البدن. قلت: وفي حديث المستحاضة: "انما اثج ثجا" وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير، والله اعلم. وقوله تعالى: {لنخرج به حبا ونباتا وجنات الفافا} اي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك {حبا} يدخر للاناسي والانعام، {ونباتا} اي خضرا يؤكل رطبه، {وجنات} اي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة والوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة، وان كان ذلك في بقعة واحدة من من الارض مجتمعا، ولهذا قال: {وجنات الفافا} قال ابن عباس وغيره: الفافا مجتمعة، وهذه كقوله تعالى: {وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ان في ذلك لايات لقوم يعقلون}.
53 3 احاديث 79 - سورة النازعات. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - والنازعات غرقا - 2 - والناشطات نشطا - 3 - والسابحات سبحا - 4 - فالسابقات سبقا - 5 - فالمدبرات امرا - 6 - يوم ترجف الراجفة - 7 - تتبعها الرادفة - 8 - قلوب يومئذ واجفة - 9 - ابصارها خاشعة - 10 - يقولون ائنا لمردودون في الحافرة - 11 - ائذا كنا عظاما نخرة - 12 - قالوا تلك اذا كرة خاسرة - 13 - فانما هي زجرة واحدة - 14 - فاذا هم بالساهرة % {والنازعات غرقا}: الملائكة حين تنزع ارواح بني ادم، فمنهم من تاخذ روحه بعسر فتغرق في نزعها، ومنهم من تاخذ روحه بسهولة وكانما حلته من نشاط، وهو قوله: {والناشطات نشطا} قال ابن عباس وغيره، وعنه {والنازعات}: هي انفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار (رواه ابن ابي حاتم)، وقال مجاهد: {والنازعات غرقا}: الموت. وقال الحسن وقتادة {والنازعات غرقا * والناشطات نشطا}: هي النجوم، والصحيح الاول وعليه الاكثرون، اما قوله تعالى: {والسابحات سبحا} فقال ابن مسعود: هي الملائكة، وقال قتادة: هي النجوم، وقال عطاء: هي السفن، وقوله تعالى {فالسابقات سبقا}: يعني الملائكة، قال الحسن: سبقت الى الايمان والتصديق، وقال قتادة: هي النجوم، وقال عطاء: هي الخيل في سبيل الله، وقوله تعالى: {فالمدبرات امرا} قال علي ومجاهد: هي الملائكة تدبر الامر من السماء الى الارض، يعني بامر ربها عز وجل، وقوله تعالى: {يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة} قال ابن عباس: هما النفختان الاولى والثانية (وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم)، قال مجاهد: اما الاولى {يوم ترجف الراجفة} فكقوله جلت عظمته: {يوم ترجف الارض والجبال}، واما الثانية وهي الرادفة، كقوله: {وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة}، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه" فقال رجل: يا رسول الله ارايت ان جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: "اذا يكفيك الله ما اهمك من ديناك واخرتك" (اخرجه احمد) رواه احمد والترمذي، ولفظ الترمذي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "يا ايها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه". وقوله تعالى: {قلوب يومئذ واجفة} فقال ابن عباس: يعني خائفة {ابصارها خاشعة} اي ابصار اصحابها وانما اضيفت اليها للملابسة، اي ذليلة حقيرة مما عانت من الاهوال. وقوله تعالى: {يقولون ائنا لمردودون في الحافرة} يعني مشركي قريش، يستبعدون وقوع البعث بعد المصير الى {الحافرة} وهي القبور (قاله مجاهد) وبعد تمزق اجسادهم وتفتت عظامهم ونخورها، ولهذا قالوا: {ائذا كنا عظاما نخرة} وقرئ: ناخرة اي بالية، قال ابن عباس: وهو العظم اذا بلي ودخلت الريح فيه، {قالوا تلك اذا كرة خاسرة}. وعن ابن عباس وقتادة: الحافرة الحياة بعد الموت، وقال ابن زيد: الحافرة النار، وما اكثر اسماءها! هي النار والجحيم وسقر وجهنم والهاوية والحافرة ولظى والحطمة، واما قولهم: {تلك اذا كرة خاسرة} فقال محمد بن كعب، قالت قريش: لئن احيانا الله بعد ان نموت لنخسرن، قال الله تعالى: {فانما هي زجرة واحدة فاذا هم بالساهرة} اي فانما هو من امر الله لا مثنوية فيه ولا تاكيد فاذا الناس قيام ينظرون، وهو ان يامر تعالى اسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث، فاذا الاولون والاخرون قيام بين يدي الرب عز وجل ينظرون، كما قال تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون ان لبثتم الا قليلا}، وقال تعالى: {وما امرنا الا كلمح بالبصر} وقال تعالى: {وما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب} قال مجاهد: {فانما هي زجرة واحدة} صحية واحدة، واشد ما يكون الرب عز وجل غضبا على خلقه يوم يبعثهم، قال الحسن البصري: زجرة من الغضب، وقوله تعالى: {فاذا هم بالساهرة} قال ابن عباس: الساهرة الارض كلها، وقال عكرمة والحسن: الساهرة وجه الارض، قال مجاهد: كانوا باسفلها فاخرجوا الى اعلاها، عن سهل بن سعد الساعدي {فاذا هم بالساهرة} قال: ارض بيضاء عفراء خالية كالخبزة النقي (رواه ابن ابي حاتم)، وقال الربيع بن انس: {فاذا هم بالساهرة} يقول الله عز وجل: {يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}، ويقول تعالى: {ويسالونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا}، ويقول تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة}، وهي ارض لم يعمل عليها خطيئة ولم يهرق عليها دم.
54 2 احاديث 80 - سورة عبس. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - عبس وتولى - 2 - ان جاءه الاعمى - 3 - وما يدريك لعله يزكى - 4 - او يذكر فتنفعه الذكرى - 5 - اما من استغنى - 6 - فانت له تصدى - 7 - وما عليك الا يزكى - 8 - واما من جاءك يسعى - 9 - وهو يخشى - 10 - فانت عنه تلهى - 11 - كلا انها تذكرة - 12 - فمن شاء ذكره - 13 - في صحف مكرمة - 14 - مرفوعة مطهرة - 15 - بايدي سفرة - 16 - كرام بررة % ذكر غير واحد من المفسرين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في اسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه اذ اقبل ابن ام مكتوم، وكان ممن اسلم قديما، فجعل يسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صلى الله عليه وسلم ان لو كف ساعته تلك، ليتمكن من ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته وعبس في وجه ابن ام مكتوم واعرض عنه، واقبل على الاخر، فانزل الله تعالى، {عبس وتولى ان جاءه الاعمى * وما يدريك لعله يزكى} اي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه، {او يذكر فتنفعه الذكرى} اي يحصل له اتعاظ وازدجار عن المحارم. {اما من استغنى فانت له تصدى} اي اما الغني فانت تعرض له لعله يهتدي {وما عليك الا يزكى} اي ما انت بمطالب به اذا لم يزك نفسه. {واما من جاءك يسعى * وهو يخشى} اي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له، {فانت عنه تلهى} اي تتشاغل. ومن ههنا امر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يخص بالانذار احدا، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار، ثم الله تعالى يهدي من يشاء الى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، روى الحافظ ابو يعلى عن انس رضي الله عنه في قوله: {عبس وتولى} قال: جاء ابن ام مكتوم الى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يكلم (ابي بن خلف) فاعرض عنه، فانزل الله عز وجل: {عبس وتولى * ان جاءه الاعمى} فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه (اخرجه الحافظ ابو يعلى)، وعن عائشة قالت: انزلت {عبس وتولى} في ابن ام مكتوم الاعمى، اتى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول ارشدني. قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين قالت: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الاخر، ويقول: "اترى بما اقول باسا"؟ فيقول: لا، ففي هذا انزلت: {عبس وتولى} (اخرجه ابن جرير وابو يعلى)، وهكذا ذكر غير واحد من السلف والخلف:انها نزلت في ابن ام مكتوم، والمشهور ان اسمه عبد الله، وقوله تعالى: {كلا انها تذكرة} اي هذه الوصية بالمساواة بين الناس، في ابلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم، وقال قتادة {كلا انها تذكرة} يعني القران {فمن شاء ذكره} اي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع اموره، ويحتمل عود الضمير الى الوحي لدلالة الكلام عليه، وقوله تعالى: {في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة} اي هذه السورة او العظة {في صحف مكرمة} اي معظمة موقرة، {مرفوعة} اي عالية القدرة، {مطهرة} اي من الدنس والزيادة والنقصان، وقوله تعالى: {بايدي سفرة} قال ابن عباس ومجاهد: هي الملائكة، وقال وهب بن منبه: هم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقال قتادة: هم القراء، وقال ابن جرير: والصحيح ان السفرة الملائكة، والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه، ومنه السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير، كما قال الشاعر: وما ادع السفارة بين قومي * وما امشي بغش ان مشيت.وقال البخاري: سفرة: الملائكة: سفرت اصلحت بينهم، وجعلت الملائكة اذا نزلت بوحي الله تعالى وتاديته كالسفير الذي يصلح بين القوم، وقوله تعالى: {كرام بررة} اي خلقهم كريم، واخلاقهم بارة طاهرة، وفي الصحيح: "الذي يقرا القران وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له اجران" (اخرجه الجماعة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا).
55 2 احاديث 81 - سورة التكوير. [مقدمة] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره ان ينظر الى يوم القيامة كانه راي عين فليقرا: {اذا الشمس كورت} و{اذا السماء انفطرت} و{اذا السماء انشقت}" اخرجه احمد. بسم الله الرحمن الرحيم.
56 2 احاديث 82 - سورة الانفطار. [مقدمة] قد تقدم من رواية عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سره ان ينظر الى القيامة راي عين فليقرا: {اذا الشمس كورت} و{اذا السماء انفطرت} و{اذا السماء انشقت}". بسم الله الرحمن الرحيم.
57 3 احاديث 83 - سورة المطففين. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - ويل للمطففين - 2 - الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون - 3 - واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون - 4 - الا يظن اولئك انهم مبعوثون - 5 - ليوم عظيم - 6 - يوم يقوم الناس لرب العالمين % عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من اخبث الناس كيلا، فانزل الله تعالى: {ويل للمطففين} فحسنوا الكيل بعد ذلك (اخرجه النسائي وابن ماجه)، وروى ابن جرير، عن عبد الله قال، قال له رجل: يا ابا عبد الرحمن ان اهل المدينة ليوفون الكيل، قال: وما يمنعهم ان يوفوا الكيل، وقد قال الله تعالى: {ويل للمطففين - حتى بلغ يقوم الناس لرب العالمين} (رواه ابن جرير)، والمراد بالتطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان، اما بالازدياد ان اقتضى من الناس، واما النقصان ان قضاهم، ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك بقوله تعالى: {اذا اكتالوا على الناس} اي من الناس {يستوفون} اي ياخذون حقهم بالوافي والزائد، {واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون} اي ينقصون، والاحسن ان يجعل "كالوا ووزنوا" متعديا ويكون (هم) في محل نصب، وقد امر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال تعالى: {واوفوا الكيل اذا كلتم}، وقال تعالى: {واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}، واهلك قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال، ثم قال تعالى متوعدا لهم: {الا يظن اولئك انهم مبعوثون * ليوم عظيم}؟ اي ما يخاف اولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السرائر والضمائر، في يوم عظيم الهول، كثير الفزع جليل الخطب، من خسر فيه ادخل نارا حامية؟ وقوله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} اي يقومون حفاة عراة، في موقف صعب حرج، ضيق على المجرم، ويغشاهم من امر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه، عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب احدهم في شحه الى انصاف اذنيه" (اخرجه البخاري ومسلم والامام مالك)، وفي رواية لاحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين، لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة، حتى ان العرق ليلجم الرجال الى انصاف اذانهم (اخرجه الامام احمد). حديث اخر: وروى الامام احمد عن المقداد بن الاسود الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذا كان يوم القيامة ادنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل او ميلين - قال - فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر اعمالهم، منهم من ياخذه الى عقبيه، ومنهم من ياخذه الى ركبتيه، ومنهم من ياخذه الى حقويه، ومنهم من ياخذه الجاما" (رواه مسلم والترمذي واحمد). حديث اخر: روى الامام احمد، عن عقبة بن عامر قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنو الشمس من الارض فيعرق الناس، فمن الناس من يبلغ عرقه عقبيه، ومنهم من يبلغ الى نصف الساق، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ العجز، ومنهم من يبلغ الخاصرة، ومنهم من يبلغ منكبيه، ومنهم من يبلغ وسط فيه - واشار بيده فالجمها فاه - رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده هكذا - ومنهم من يغطيه عرقه" وضرب بيده، اشارة (اخرجه الامام احمد)، وفي سنن ابي داود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة، وعن ابن مسعود: يقومون اربعين سنة رافعي رؤوسهم الى السماء لا يكلمهم احد قد الجم العرق برهم وفاجرهم.
58 2 احاديث 84 - سورة الانشقاق. [مقدمة] روى البخاري، عن ابي رافع قال: "صليت مع ابي هريرة العتمة فقرا: {اذا السماء انشقت} فسجد، فقلت له، فقال: سجدت خلف ابي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا ازال اسجد بها حتى القاه" (اخرجه البخاري ومسلم والنسائي). بسم الله الرحمن الرحيم.
59 2 احاديث 85 - سورة البروج. [مقدمة] روى الامام احمد عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا في العشاء الاخرة بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق. % بسم الله الرحمن الرحيم.
60 2 احاديث 86 - سورة الطارق. [مقدمة] روى النسائي عن جابر بن عبد الله قال: صلى معاذ المغرب فقرا البقرة والنساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "افتان انت يا معاذ؟ ما كان يكفيك ان تقرا بالسماء والطارق، والشمس وضحاها ونحوها؟" (اخرجه النسائي). بسم الله الرحمن الرحيم.
61 2 احاديث 87 - سورة الاعلى. [مقدمة] روى البخاري، عن البراء بن عازب قال: "اول من قدم علينا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن ام مكتوم، فجعلا يقرئاننا القران، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رايت اهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رايت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء حتى قرات: {سبح اسم ربك الاعلى} في سور مثلها (اخرجه البخاري في صحيحه). وروى مسلم واهل السنن عن النعمان بن بشير ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرا في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الاعلى وهل اتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فقراهما (اخرجه مسلم واهل السنن)، وقد روى الامام احمد عن عائشة ام المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا في الوتر بسبح اسم ربك الاعلى، وقل يا ايها الكافرون، وقل هو الله احد، زادت عائشة: والمعوذتين (اخرجه الامام احمد). بسم الله الرحمن الرحيم.
62 3 احاديث 88 - سورة الغاشية [مقدمة] عن النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا بسبح اسم ربك الاعلى والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة (اخرجه مسلم واصحاب السنن). بسم الله الرحمن الرحيم
63 2 احاديث 89 - سورة الفجر. بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - والفجر - 2 - وليال عشر - 3 - والشفع والوتر - 4 - والليل اذا يسر - 5 - هل في ذلك قسم لذي حجر - 6 - الم تر كيف فعل ربك بعاد - 7 - ارم ذات العماد - 8 - التي لم يخلق مثلها في البلاد - 9 - وثمود الذين جابوا الصخر بالواد - 10 - وفرعون ذي الاوتاد - 11 - الذين طغوا في البلاد - 12 - فاكثروا فيها الفساد - 13 - فصب عليهم ربك سوط عذاب - 14 - ان ربك لبالمرصاد$ اما الفجر فعروف وهو الصبح، وعن مسروق: المراد به فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر، وقيل: المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده، والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة (وهو قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف)، وقد ثبت في صحيح البخاري: "ما من ايام العمل الصالح احب الى الله فيهن من هذه الايام" يعني عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، الا رجلا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء" (اخرجه البخاري عن ابن عباس مرفوعا). وقيل: المراد بذلك العشر الاول من المحرم، عن ابن عباس: {وليال عشر} قال: هو العشر الاول من رمضان، والصحيح القول الاول. روي عن جابر يرفعه: "ان العشر عشر الاضحى، والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر" (اخرجه احمد والنسائي وابن ابي حاتم، قال ابن كثير: اسناد رجاله لا باس بهم والمتن في رفعه نكارة). وقوله تعالى: {والشفع والوتر} الوتر يوم عرفة لكونه التاسع، والشفع يوم النحر لكونه العاشر، قاله ابن عباس: قول ثان: عن واصل بن السائب قال: سالت عطاء عن قوله تعالى: {والشفع والوتر} قلت: صلاتنا وترنا هذا؟ قال: لا، ولكن الشفع يوم عرفة والوتر ليلة الاضحى. قول ثالث: عن ابي سعيد بن عوف قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس فقام اليه رجل، فقال: يا امير المؤمنين اخبرني عن الشفع والوتر؟ فقال: الشفع قول الله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه}، والوتر قوله تعالى: {ومن تاخر فلا اثم عليه} (اخرجه ابن ابي حاتم). وفي الصحيحين: "ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من احصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" (اخرجه الشيخان عن ابي هريرة مرفوعا). قول رابع: قال الحسن البصري: الخلق كلهم شفع ووتر، اقسم تعالى بخلقه (وهو رواية عن مجاهد). وقال ابن عباس: {والشفع والوتر} قال: الله وتر واحد، وانتم شفع، ويقال: الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب. قول خامس: عن مجاهد {والشفع والوتر} قال: الشفع الزوج، والوتر الله عز وجل (اخرجه ابن ابي حاتم)، وعنه: الله الوتر وخلقه الشفع الذكر والانثى، وعنه: كل شيء خلقه الله شفع: السماء والارض، والبر والبحر، والجن والانس، والشمس والقمر، ونحو هذا، كقوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} اي لتعلموا ان خالق الازواج واحد. قول سادس: قال الحسن: {والشفع والوتر} هو العدد منه شفع، ومنه وتر. قول سابع: قال ابو العالية والربيع بن انس؛ هي الصلاة منها شفع كالرباعية والثنائية، ومنها وتر كالمغرب، فانها ثلاث، وهي وتر النهار، وكذلك صلاة الوتر في اخر التهجد من الليل، ولم يجزم ابن جرير بشيء من الاقوال في الشفع والوتر. وقوله تعالى: {والليل اذا يسر} قال ابن عباس: اي اذا ذهب، وقال مجاهد وابو العالية {والليل اذا يسر}: اذا سار اي ذهب، ويحتمل اذا سار: اي اقبل، وهذا انسب لانه في مقابلة قوله: {والفجر} فان الفجر هو اقبال النهار، وادبار الليل، فاذا حمل قوله: {والليل اذا يسر} على اقباله كان قسما باقبال الليل وادبار النهار وبالعكس، كقوله: {والليل اذا عسعس * والصبح اذا تنفس} وقال الضحاك: {والليل اذا يسر} اي يجري، وقال عكرمة: {والليل اذا يسر} يعني ليلة جمع المزدلفة، وقوله تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجر} اي لذي عقل ولب وحجى، وانما سمي العقل (حجرا) لانه يمنع الانسان من تعاطي ما لا يليق به من الافعال والاقوال، وحجر الحاكم على فلان اذا منعه التصرف، وهذا القسم هو باوقات العبادة، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من انواع القرب، التي يتقرب اليه عباده المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه، الخاشعون لوجهه الكريم، ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده: {الم تر كيف فعل ربك بعاد}؟ وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، فذكر تعالى كيف اهلكهم ودمرهم وجعلهم احاديث وعبرا فقال: {الم تر كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد}؟ وهؤلاء (عاد الاولى) وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام فكذبوه وخالفوه، فانجاه الله من بين اظهرهم ومن امن معه منهم واهلكهم {بريح صرصر عاتية}، وقد ذكر الله قصتهم في القران، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون، فقوله تعالى: {ارم ذات العماد} عطف بيان زيادة تعريف بهم، وقوله تعالى: {ذات العماد} لانهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالاعمدة الشداد، وقد كانوا اشد الناس في زمانهم خلقة واقواهم بطشا، ولهذا ذكرهم (هود) بتلك النعمة، وارشدهم الى ان يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم فقال: {واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا الاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين}. وقال تعالى: {فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا من اشد منا قوة؟ اولم يروا ان الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة}، وقال ههنا: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} اي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم، وقال مجاهد: ارم امة قديمة يعني عادا الاولى، قال قتادة والسدي: ان ارم بيت مملكة عاد، وكانوا اهل عمد لا يقيمون، وقال ابن عباس: انما قيل لهم ذات العماد لطولهم، واختار الاول ابن جرير، وقوله تعالى: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} الضمير يعود على القبيلة، اي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم، روي عن المقدام انه ذكر {ارم ذات العماد} فقال: "كان الرجل منهم ياتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم" (اخرجه ابن ابي حاتم عن المقدام مرفوعا)، وسواء كانت العماد ابنية بنوها، او اعمدة بيوتهم للبدو، او سلاحهم يقاتلون به، او طول الواحد منهم، فهم قبيلة وامة من الامم، وهم المذكورون في القران في غير ما موضع، المقرونون بثمود كما ههنا، والله اعلم. ومن زعم ان المراد بقوله: {ارم ذات العماد} مدينة اما دمشق، او اسكندرية او غيرهما، فضعيف لانه لا يتسق الكلام حينئذ، ثم المراد انما هو الاخبار عن اهلاك القبيلة المسماة بعاد، وما احل الله بهم من باسه الذي لا يرد، لا ان المراد الاخبار عن مدينة او اقليم، وقول ابن جرير: يحتمل ان يكون المراد بقوله: {ارم ذات العماد} قبيلة او بلدة كانت عاد تسكنها فلذلك لم تصرف، فيه نظر، لان المراد من السياق انما هو الاخبار عن القبيلة، ولهذا قال بعده: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد} يعني يقطعون الصخر بالوادي، قال ابن عباس: ينحتونها ويخرقونها، يقال: اجتاب الثوب، اذا فتحه وقال تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين}، وقال ابن اسحاق: كانوا عربا وكان منزلهم بوادي القرى، وقد ذكرنا قصة عاد مستقصاة في سورة الاعراف بما اغنى عن اعادته. وقوله تعالى: {وفرعون ذي الاوتاد} قال ابن عباس: الاوتاد الجنود الذين يشدون له امره، ويقال: كان فرعون يوتد ايديهم وارجلهم في اوتاد من حديد يعلقهم بها، وكذا قال مجاهد: كان يوتد الناس بالاوتاد، وقال السدي: كان يربط الرجل كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشدخه، وقال ثابت البناني: قيل لفرعون ذي الاوتاد، لانه ضرب لامراته اربعة اوتاد، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت، وقوله تعالى: {الذين طغوا في البلاد * فاكثروا فيها الفساد} اي تمردوا وعتوا وعاثوا في الارض بالافساد والاذية للناس، {فصب عليهم ربك سوط عذاب} اي انزل عليهم رجزا من السماء، واحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين، وقوله تعالى: {ان ربك لبالمرصاد} قال ابن عباس: يسمع ويرى يعني يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والاخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله ويقابل كلا بما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور.
64 1 احاديث 90 - سورة البلد بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - لا اقسم بهذا البلد - 2 - وانت حل بهذا البلد - 3 - ووالد وما ولد - 4 - لقد خلقنا الانسان في كبد - 5 - ايحسب ان لن يقدر عليه احد - 6 - يقول اهلكت مالا لبدا - 7 - ايحسب ان لم يره احد - 8 - الم نجعل له عينين - 9 - ولسانا وشفتين - 10 - وهديناه النجدين % هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة (ام القرى) في حال كون الساكن فيها حلالا، لينبه على عظمة قدرها في حال احرام اهلها، قال مجاهد: {لا اقسم بهذا البلد} لا، رد عليهم. اقسم بهذا البلد، وقال ابن عباس: {لااقسم بهذا البلد} يعني مكة {وانت حل بهذا البلد} قال: انت يا محمد يحل لك ان تقاتل به، وقال مجاهد: ما اصبت فيه فهو حلال لك، وقال الحسن البصري: احلها الله له ساعة من نهار، وهذا المعنى قد ورد به الحديث المتفق على صحته: "ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه، وانما احلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس، الا فليبلغ الشاهد الغائب" (اخرجه الشيخان واصحاب السنن). وفي لفظ اخر: "فان احد ترخص بقتال رسول الله فقولوا ان الله اذن لرسوله ولم ياذن لكم"، وقوله تعالى: {ووالد وما ولد} قال ابن عباس: الوالد الذي يلد {وما ولد} العاقر الذي لا يولد له، وقال مجاهد وقتادة والضحاك: يعني بالوالد ادم {وما ولد} ولده، وهذا الذي ذهب اليه مجاهد واصحابه حسن قوي، لانه تعالى لما اقسم بام القرى وهي المساكن، اقسم بعده بالساكن، وهو (ادم) ابو البشر وولده، واختار ابن جرير انه عام في كل ولد وولده وهو محتمل ايضا، وقوله تعالى: {لقد خلقنا الانسان في كبد} روي عن ابن مسعود وابن عباس: يعني منتصبا، زاد ابن عباس: منتصبا في بطن امه، والكبد: الاستواء والاستقامة، ومعنى هذا القول: لقد خلقناه سويا مستقيما، كقوله تعالى: {الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ما شاء ركبك}، وكقوله تعالى: {لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم} وقال ابن عباس {في كبد} في شدة خلق، الم تر اليه وذكر مولده ونبات اسنانه، وقال مجاهد: {في كبد} نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، يكبد في الخلق، وهو كقوله تعالى: {حملته امه كرها ووضعته كرها} فهو يكابد ذلك، وقال سعيد بن جبير: {في كبد} في شدة وطلب معيشة، وقال قتادة: في مشقة، وقال الحسن: يكابد امر الدنيا وامر من الاخرة، وفي رواية: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الاخرة، واختار ابن جرير ان المراد بذلك مكابدة الامور ومشاقها. وقال تعالى: {ايحسب ان لن يقدر عليه احد} قال الحسن البصري: يعني ياخد ماله، وقال قتادة: يظن ان لن يسال عن هذا المال من اين اكتسبه واين انفقه، وقال السدي: {ايحسب ان لن يقدر عليه احد} قال: الله عز وجل يظن ان لن يقدر عليه ربه، وقوله تعالى: {يقول اهلكت مالا لبدا} اي يقول ابن ادم: انفقت {مالا لبدا} اي كثيرا قاله مجاهد والحسن، {ايحسب ان لم يره احد} قال مجاهد: اي ايحسب ان لم يره الله عز وجل، وكذا قال غيره من السلف، وقوله تعالى: {الم نجعل له عينين} اي يبصر بهما {ولسانا} اي ينطق به فيعبر عما في ضميره {وشفتين} يستعين بهما على الكلام، واكل الطعام، وجمالا لوجهه وفمه. وقد روى الحافظ ابن عساكر عن مكحول قال؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: يا ابن ادم قد انعمت عليك نعما عظاما، لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها، وان مما انعمت عليك ان جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاء، فانظر بعينيك الى ما احللت لك، وان رايت ما حرمت عليك، فاطبق عليهما غطاءهما، وجعلت لك لسانا وجعلت له غلافا، فانطق بما امرتك، واحللت لك فان عرض عليك ما حرمت عليك فاغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا، فاصب بفرجك ما احللت لك، فان عرض عليك ما حرمت عليك فارخ عليك سترك، يا ابن ادم انك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي" (اخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة ابي الربيع الدمشقي). {وهديناه النجدين}: الطريقين، قال ابن مسعود: الخير والشر، وعن ابي رجاء قال: سمعت الحسن يقول: {وهديناه النجدين} قال: ذكر لنا ان نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا ايها الناس انهما النجدان، نجد الخير، ونجد الشر، فما جعل نجد الشر احب اليكم من نجد الخير" (اخرجه ابن جرير عن الحسن مرسلا)، وقال ابن عباس {وهديناه النجدين} قال: الثديين، قال ابن جرير: والصواب القول الاول، نظير هذه الاية قوله: {انا هديناه السبيل اما شاكرا او كفورا}.
65 1 احاديث 91 - سورة الشمس بسم الله الرحمن الرحيم - 1 - والشمس وضحاها - 2 - والقمر اذا تلاها - 3 - والنهار اذا جلاها - 4 - والليل اذا يغشاها - 5 - والسماء وما بناها - 6 - والارض وما طحاها - 7 - ونفس وما سواها - 8 - فالهمها فجورها وتقواها - 9 - قد افلح من زكاها - 10 - وقد خاب من دساها % قال مجاهد {والشمس وضحاها}: اي وضوئها، وقال قتادة: {وضحاها} النهار كله، قال ابن جرير: والصواب ان يقال: اقسم الله بالشمس ونهارها، لان ضوء الشمس الظاهر هو النهار، {والقمر اذا تلاها} قال مجاهد: تبعها، وقال ابن عباس: {والقمر اذا تلاها} قال: يتلو النهار، وقال قتادة: اذا تلاها ليلة الهلال اذا سقطت الشمس رؤي الهلال. وقال ابن زيد: هو يتلوها في النصف الاول من الشهر، ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الاخير من الشهر، وقوله تعالى: {والنهار اذا جلاها} قال مجاهد: اضاءها، وقال قتادة: اذا غشيها النهار، وتاول بعضهم ذلك بمعنى: والنهار اذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها (ذكره ابن جرير عن بعض اهل اللغة). (قلت): ولو ان القائل تاول ذلك بمعنى {والنهار اذا جلاها} اي البسيطة لكان اولى، ولصح تاويله في قوله تعالى: {والليل اذا يغشاها} فكان اجود واقوى، والله اعلم. ولهذا قال مجاهد: {والنهار اذا جلاها} انه كقوله تعالى: {والنهار اذا تجلى}، واما ابن جرير فاختار عود الضمير ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها، وقالوا في قوله تعالى: {والليل اذا يغشاها} يعني اذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الافاق. وقال بقية: اذا جاء الليل قال الرب جل جلاله: غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل تهابه، والذي خلقه احق ان يهاب (رواه ابن ابي حاتم). وقوله تعالى: {والسماء وما بناها} يحتمل ان تكون (ما) ههنا مصدرية بمعنى: والسماء وبنائها، وهو قول قتادة، ويحتمل ان تكون بمعنى (من) يعني: والسماء وبانيها، وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى: {والسماء بنيناها بايد - اي بقوة - وانا لموسعون}، وقوله تعالى: {والارض وما طحاها} قال مجاهد: {طحاها} دحاها، وقال ابن عباس: اي خلق فيها، وقال مجاهد وقتادة والضحاك: {طحاها} بسطها، وهذا اشهر الاقوال، وعليه الاكثر من المفسرين وهو المعروف عند اهل اللغة، قال الجوهري: طحوته مثل دحوته اي بسطته، وقوله تعالى: {ونفس وما سواها} اي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى: {فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة". وفي صحيح مسلم: "يقول الله عز وجل: اني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم". وقوله تعالى: {فالهمها فجورها وتقواها} اي فارشدها الى فجورها وتقواها اي بين ذلك لها وهداها الى ما قدر لها، قال ابن عباس: بين لها الخير والشر، وقال سعيد بن جبير: الهمها الخير والشر، وقال ابن زيد: جعل فيها فجورها وتقواها. وفي الحديث: ان رجلا من مزينة او جهينة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ارايت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، اشيء قضي عليهم من قدر قد سبق، ام شيء مما يستقبلون مما اتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم واكدت به عليهم الحجة؟ قال: "بل شيء قد قضي عليهم"، قال: ففيم نعمل؟ قال: "من كان الله خلقه لاحدى المنزلتين يهيئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها} (رواه احمد ومسلم). وقوله تعالى: {قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها} المعنى قد افلح من زكى نفسه بطاعة الله، وطهرها من الاخلاق الدنيئة والرذائل، كقوله: {قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى} {وقد خاب من دساها} اي دسسها اي اخملها حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل، وقد يحتمل ان يكون المعنى: قد افلح من زكى نفسه، وقد خاب من دسى الله نفسه، كما قال ابن عباس (هذا القول عن ابن عباس ورد به حديث مرفوع: "افلحت نفس زكاها الله عز وجل" (اخرجه ابن ابي حاتم ولكن في اسناده ضعف). وروى ابن ابي حاتم، عن ابي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا: {فالهمها فجورها وتقواها} قال: "اللهم ات نفسي تقواها، وزكها انت خير من زكاها، انت وليها ومولاها" (اخرجه ابن ابي حاتم)، وفي رواية عن عائشة انها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: "رب اعط نفسي تقواها، وزكها انت خير من زكاها، انت وليها ومولاها" (اخرجه احمد). حديث اخر: روى الامام احمد، عن زيد بن ارقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل، والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر، اللهم ات نفسي تقواها، وزكها انت خير من زكاها، انت وليها ومولاها، اللهم اني اعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، وعلم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها" (اخرجه احمد ومسلم). قال زيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن.
66 2 احاديث 92 - سورة الليل [مقدمة] تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: "فهلا صليت بسبح اسم ربك الاعلى، والشمس وضحاها، والليل اذا يغشى". بسم الله الرحمن الرحيم
67 1 احاديث 93 - سورة الضحى. [مقدمة] يستحب التكبير من اخر الضحى لاخر سورة الناس، وقد ذكر القراء ان ذلك سنة ماثورة وذكروا في مناسبة التكبير من اول (سورة الضحى) انه لما تاخر الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة ثم جاء الملك فاوحى اليه: {والضحى والليل اذا سجى} السورة بتمامها كبر فرحا وسرورا (قال ابن كثير: لم يرو ذلك باسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف فالله اعلم). بسم الله الرحمن الرحيم.
68 - - 94 - سورة الشرح. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الم نشرح لك صدرك - 2 - ووضعنا عنك وزرك - 3 - الذي انقض ظهرك - 4 - ورفعنا لك ذكرك - 5 - فان مع العسر يسرا - 6 - ان مع العسر يسرا - 7 - فاذا فرغت فانصب - 8 - والى ربك فارغب % يقول تعالى: {الم نشرح لك صدرك} يعني قد شرحنا لك صدرك اي نورناه، وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا كقوله: {فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام}، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا سمحا سهلا، لا حرج فيه ولا اصر ولا ضيق، وقيل: المراد بقوله: {الم نشرح لك صدرك} شرح صدره ليلة الاسراء، وهذا وان كان واقعا ليلة الاسراء، ولكن لا منافاة، فان من جملة شرح صدره الحسي الشرح المعنوي ايضا، وقوله تعالى: {ووضعنا عنك وزرك} بمعنى {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخر}، {الذي انقض ظهرك} الانقاض الصوت اي اثقلك حمله، وقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} قال مجاهد: لا اذكر الا ذكرت معي "اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله"، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والاخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة الا ينادي بها، اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، روى ابن جرير عن ابي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: "اتاني جبريل فقال: ان ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله اعلم، قال: "اذا ذكرت ذكرت معي" (رواه ابن جرير). وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد ان المراد بذلك الاذان، يعني ذكره فيه، كما قال حسان بن ثابت: وضم الاله اسم النبي الى اسمه * اذ قال في الخمس المؤذن اشهد وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد وقال اخرون: رفع الله ذكره في الاولين والاخرين، ونوه به حين اخذ الميثاق على جميع النبيين ان يؤمنوا به، وان يامروا اممهم بالايمان به، ثم شهر ذكره في امته، فلا يذكر الله الا ذكر معه. وقوله تعالى: {فان مع العسر يسرا * ان مع العسر يسرا} اخبر تعالى ان مع العسر يوجد اليسر، ثم اكد هذا الخبر، بقوله: {ان مع العسر يسرا}، قال الحسن: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين، وعن قتادة ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر اصحابه بهذه الاية فقال: "لن يغلب عسر يسرين" (رواه ابن جرير)، ومعنى هذا ان العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدد، ولهذا قال: "لن يغلب عسر يسرين" يعني قوله: {فان مع العسر يسرا * ان مع العسر يسرا} فالعسر الاول عين الثاني، واليسر تعدد، ومما يروى عن الشافعي انه قال: صبرا جميلا ما اقرب الفرجا * من راقب الله في الامور نجا من صدق الله لم ينله اذى * ومن رجاه يكون حيث رجا وقال الشاعر: ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج كملت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج وقوله تعالى: {فاذا فرغت فانصب * والى ربك فارغب} اي اذا فرغت من امور الدنيا واشغالها، وقطعت علائقها فانصب الى العبادة، وقم اليها نشيطا فارغ البال، واخلص لربك النية والرغبة، قال مجاهد في هذه الاية: اذا فرغت من امر الدنيا فقمت الى الصلاة فانصب لربك. وعن ابن مسعود: اذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وفي رواية عنه {فانصب} بعد فراغك من الصلاة وانت جالس، وقال ابن عباس {فاذا فرغت فانصب} يعني في الدعاء، وقال الضحاك {فاذا فرغت} اي من الجهاد {فانصب} اي في العبادة {والى ربك فارغب} قال الثوري: اجعل نيتك ورغبتك الى الله عز وجل.
69 1 احاديث 95 - سورة التين. [مقدمة] روى مالك عن البراء بن عازب قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرا في سفره في احدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت احدا احسن صوتا او قراءة منه" اخرجه الجماعة. بسم الله الرحمن الرحيم.
70 1 احاديث 96 - سورة العلق. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - اقرا باسم ربك الذي خلق - 2 - خلق الانسان من علق - 3 - اقرا وربك الاكرم - 4 - الذي علم بالقلم - 5 - علم الانسان ما لم يعلم % عن عائشة قالت: اول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب اليه الخلاء فكان ياتي حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع الى خديجة، فيتزود لمثلها حتى فجاه الوحي، وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه، فقال: اقرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقلت: ما انا بقارئ - قال - فاخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال: اقرا، فقلت: ما انا بقارئ، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني، فقال: اقرا باسم ربك الذي خلق - حتى بلغ - ما لم يعلم". قال: فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة: "مالي"؟! واخبرها الخبر، وقال: "قد خشيت على نفسي". فقالت له: "كلا ابشر فوالله لا يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، ثم انطلقت به خديجة حتى اتت به (ورقة بن نوفل) بن اسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة اخي ابيها، وكان امرا قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، وكتب بالعربية من الانجيل ما شاء الله ان يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: اي ابن عم، اسمع من ابن اخيك، فقال ورقة: ابن اخي ما ترى؟ فاخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما راى فقال ورقة: هذا الناموس الذي انزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني اكون حيا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "او مخرجي هم؟" فقال ورقة: نعم لم يات رجل قط بما جئت به الا عودي، وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة ان توفي، وفتر الوحي" (اخرجه الشيخان والامام احمد واللفظ له). فاول شيء نزل من القران هذه الايات الكريمات المباركات، وهن اول رحمة رحم الله بها العباد، واول نعمة انعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الانسان من علقة، وان من كرمه تعالى ان علم الانسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به ابو البرية ادم على الملائكة؛ والعلم تارة يكون في الاذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان (وفي الاثر: قيدوا العلم بالكتابة)، ذهني، ولفظي، ورسمي، فلهذا قال: {اقرا وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم}، وفي الاثر: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم.
71 - - 97 - سورة القدر. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - انا انزلناه في ليلة القدر - 2 - وما ادراك ما ليلة القدر - 3 - ليلة القدر خير من الف شهر - 4 - تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر - 5 - سلام هي حتى مطلع الفجر % يخبر تعالى انه انزل القران {ليلة القدر} وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: {انا انزلناه في ليلة مباركة} وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي انزل فيه القران}، قال ابن عباس: انزل الله القران جملة واحدة من اللوح المحفوظ الى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى معظما لشان ليلة القدر التي اختصها بانزال القران الكريم فيها، فقال: {وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر}. روى ابن ابي حاتم، عن مجاهد ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل الف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فانزل الله عز وجل: {انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر} التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله الف شهر (اخرجه ابن ابي حاتم)، وروى ابن جرير، عن مجاهد قال: كان في بني اسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك الف شهر، فانزل الله هذه الاية {ليلة القدر خير من الف شهر} قيام تلك الليلة، خير من عمل ذلك الرجل (اخرجه ابن جرير عن مجاهد موقوفا). وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من الف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من الف شهر، وعن مجاهد: ليلة القدر خير من الف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس: عمل فيها خير من الف شهر، وهذا القول بانها افضل من عبادة الف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير، والصواب، كقوله صلى الله عليه وسلم: "رباط ليلة في سبيل الله خير من الف ليلة فيما سواه من المنازل" (اخرجه احمد). وفي الحديث الصحيح في فضائل رمضان قال عليه السلام: "فيه ليلة خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم" (اخرجه احمد والنسائي) ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة الف شهر، ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" (اخرجه الشيخان). وقوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر} اي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القران، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون اجنحتهم لطالب العلم تعظيما له، واما الروح فقيل: المراد به ههنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل: هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبا، والله اعلم. وقوله تعالى: {من كل امر} قال مجاهد: سلام هي من كل امر، وقال سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله: {سلام هي} قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوءا، او يعمل فيها اذى، وقال قتادة: تقضى فيها الامور، وتقدر الاجال والارزاق، كما قال تعالى: {فيها يفرق كل امر حكيم}. وروى ابو داود الطيالسي، عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "انها ليلة سابعة، او تاسعة وعشرين، وان الملائكة تلك الليلة في الارض اكثر من عدد الحصى" (رواه الطيالسي). وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سلام هي} يعني هي خير كلها ليس فيها شر الى مطلع الفجر، وامارة ليلة القدر انها صافية بلجة، كان فيها قمرا ساطعا، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، والشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء" (اخرجه الطيالسي)، وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اني رايت ليلة القدر فانسيتها وهي في العشر الاواخر من لياليها وهي طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، كان فيها قمرا لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها". فصل. اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الامم السالفة او هي من خصائص هذه الامة؟ فقال الزهري: حدثنا مالك انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اري اعمار الناس قبله او ما شاء الله من ذلك، فكانه تقاصر اعمار امته ان لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فاعطاه الله ليلة القدر خيرا من الف شهر (اخرجه مالك)، وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الامة بليلة القدر، وقيل: انها كانت في الامم الماضين كما هي في امتنا، ثم هي باقية الى يوم القيامة وفي رمضان خاصة لا كما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء اهل الكوفة من انها توجد في جميع السنة، وترتجى في جميع الشهور على السواء، وقد ترجم ابو داود في سننه على هذا فقال: (باب بيان ان ليلة القدر في كل رمضان)، ثم روى بسنده عن عبد الله بن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا اسمع عن ليلة القدر؟ فقال: "هي في كل رمضان" (اخرجه ابو داود)، وقد حكي عن ابي حنيفة رحمه الله رواية انها ترتجى في كل شهر رمضان وهو وجه حكاه الغزالي. فصل. ثم قد قيل: انها تكون في اول ليلة من شهر رمضان، وقيل: انها تقع ليلة سبع عشرة، وهو قول الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري، ووجهوه بانها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشرة من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه: (يوم الفرقان). وقيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود، وقيل: ليلة احدى وعشرين لحديث ابي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الاول من رمضان، واعتكفنا معه، فاتاه جبريل فقال: ان الذي تطلب امامك، فاعتكف العشر الاوسط، فاعتكفنا معه، فاتا جبريل فقال: الذي تطلب امامك، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف معي فليرجع فاني رايت ليلة القدر، واني انسيتها وانها في العشر الاواخر في وتر، واني رايت كاني اسجد في طين وماء"، وكان سقف المسجد جريدا من النخل، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة، فمطرنا فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رايت اثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه في صبح احدى وعشرين" (اخرجه الشيخان). قال الشافعي: وهذا الحديث اصح الروايات، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: تكون ليلة خمس وعشرين لما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الاواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى" (اخرجه البخاري) فسره كثيرون بليالي الاوتار، وهو اظهر واشهر، وحمله اخرون على الاشفاع. وقيل: انها تكون ليلة سبع وعشرين، لما رواه مسلم في صحيحه عن ابي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انها ليلة سبع وعشرين، قال الامام احمد: عن زر: سالت ابي بن كعب قلت: ابا المنذر ان اخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، قال: يرحمه الله لقد علم انها في شهر رمضان، وانها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة او بالاية التي اخبرنا بها، تطلع ذلك اليوم لاشعاع لها يعني الشمس (اخرجه احمد ورواه مسلم بنحوه). وهو قول طائفة من السلف، ومذهب الامام احمد بن حنبل رحمه الله، وهو رواية عن ابي حنيفة ايضا، وقيل: انها تكون في ليلة تسع وعشرين، روى الامام احمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت انه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في رمضان فالتمسوها في العشر الاواخر فانها وتر احدى وعشرين او ثلاث وعشرين او خمس وعشرين او سبع وعشرين او تسع وعشرين او في اخر ليلة" (اخرجه احمد). وعن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "انها في ليلة سابعة او تاسعة وعشرين، وان الملائكة تلك الليلة في الارض اكثر من عدد الحصى" (اخرجه احمد). وقيل: انها تكون في اخر ليلة لما تقدم من هذا الحديث انفا، ولما رواه الترمذي والنسائي من حديث عيينة بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في تسع يبقين او سبع يبقين او خمس يبقين او ثلاث يبقين او اخر ليلة يعني التمسوا ليلة القدر" (اخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح). وفي المسند من طريق ابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: "انها اخر ليلة". فصل. قال الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للسائل اذا قيل له: انلتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم"، وانما ليلة القدر ليلة معينة لا تنتقل، وروي عن ابي قلابة انه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الاواخر؛ وهذا الذي حكاه عن ابي قلابة هو الاشبه، والله اعلم. وقد يستانس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر ان رجالا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اروا ليلة القدر في المنام في السبع الاواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارى رؤياكم قد تواطات في السبع الاواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الاواخر (اخرجاه في الصحيحين)، وفيهما ايضا عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان" (اخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري). ويحتج الشافعي انها لا تنتقل وانها معينة من الشهر بما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" (اخرجه البخاري)، وجه الدلالة منه انها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، اذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها الا ذلك العام فقط، اللهم الا ان يقال انه انما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط، وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" فيه استئناس لما يقال: ان المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، كما جاء في الحديث: "ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وقوله: "فرفعت" اي رفع علم تعينها لكم، لا انها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة، لانه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"، وقوله: "وعسى ان يكون خيرا لكم" يعني عدم تعينها لكم فانها اذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان اكثر للعبادة بخلاف ما اذا علموا عينها، فانها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط، وانما اقتضت الحكمة ابهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الاخير اكثر، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف ازواجه بعده، عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاواخر من رمضان (اخرجاه في الصحيحين)، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر احيا الليل وايقظ اهله، وشد المئزر، ولمسلم عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، وهذا معنى قولها وشد المئزر، وقيل: المراد بذلك اعتزال النساء، ويحتمل ان يكون كناية عن الامرين لما رواه الامام احمد، عن عائشة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بقي عشر من رمضان شد مئزره، واعتزل نساءه، وقد حكي عن مالك رحمه الله ان جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على اخرى، والمستحب الاكثار من الدعاء في جميع الاوقات وفي شهر رمضان اكثر، وفي العشر الاخير منه، ثم في اوتاره اكثر، والمستحب ان يكثر من هذا الدعاء: اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني، لما رواه الامام احمد عن عبد الله ابن بريدة ان عائشة قالت: يا رسول الله: ان وافقت ليلة القدر فما ادعو؟ قال: "قولي: اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني" (اخرجه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة).
72 2 احاديث 98 - سورة البينة. [مقدمة] عن انس بن مالك قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بن كعب: "ان الله امرني ان اقرا عليك: {لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب}" قال: وسماني لك؟ قال: "نعم"، فبكى (رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي). بسم الله الرحمن الرحيم.
73 1 احاديث 99 - سورة الزلزلة. [مقدمة] روى الترمذي عن انس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرا اذا زلزلت عدلت له بنصف القران" (اخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب). وعن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذا زلزلت تعدل نصف القران، وقل هو الله احد تعدل ثلث القران، وقل يا ايها الكافرون تعدل ربع القران" (اخرجه الترمذي، وقال: غريب). وعن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من اصحابه: "هل تزوجت يا فلان؟" قال: لا والله يا رسول الله، ولا عندي ما اتزوج، قال: "اليس معك قل هو الله احد؟" قال: بلى، قال: "ثلث القران" قال: "اليس معك اذا جاء نصر الله والفتح؟" قال: بلى، قال: "ربع القران" قال: "اليس معك قل يا ايها الكافرون؟" قال: بلى، قال: "ربع القران" قال: "اليس معك اذا زلزلت الارض؟" قال: بلى، قال: "ربع القران، تزوج" (اخرجه الترمذي ايضا، وقال: حديث حسن). بسم الله الرحمن الرحيم.
74 - - 100 - سورة العاديات. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - والعاديات ضبحا - 2 - فالموريات قدحا - 3 - فالمغيرات صبحا - 4 - فاثرن به نقعا - 5 - فوسطن به جمعا - 6 - ان الانسان لربه لكنود - 7 - وانه على ذلك لشهيد - 8 - وانه لحب الخير لشديد - 9 - افلا يعلم اذا بعثر ما في القبور - 10 - وحصل ما في الصدور - 11 - ان ربهم بهم يومئذ لخبير % يقسم تعالى بالخيل اذا اجريت في سبيله، فعدت وضبحت، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو، {فالموريات قدحا} يعني اصطكاك نعالها للصخر، فتقدح منه النار، {فالمغيرات صبحا} يعني الاغارة وقت الصبح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويستمع الاذان، فان سمع اذانا والا اغار، وقوله تعالى: {فاثرن به نقعا} يعني غبارا في مكان معترك الخيول، {فوسطن به جمعا} اي توسطن ذلك المكان كلهن جمع، روى ابن ابي حاتم، عن ابن عباس قال: بينا انا في الحجر جالسا جاءني رجل فسالني عن: {العاديات ضبحا} فقلت له: الخيل حيت تغير في سبيل الله، ثم تاوي الى الليل فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم، فانفتل عني، فذهب الى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم، فساله عن العاديات ضبحا، فقال: سالت عنها احدا قبلي؟ قال: نعم سالت ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي، فلما وقف على راسه، قال: اتفتي الناس بما لا علم لك؟ والله لئن كان اول غزوة في الاسلام بدر، وما كان معنا الا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحا؟ انما العاديات ضبحا من عرفة الى المزدلفة ومن المزدلفة الى منى، وفي لفظ: "انما العاديات ضبحا من عرفة الى المزدلفة، فاذا اووا الى المزدلفة اوروا النيران" (اخرجه ابن ابي حاتم)، فمذهب ابن عباس انها الخيل (والى قول ابن عباس ذهب جمهور المفسرين، منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة واختاره ابن جرير)، وقال (علي) انها الابل. قال عطاء: ما ضبحت دابة قط الا فرس او كلب، وقال عطاء: سمعت ابن عباس يصف الضبح: اح اح، وقال اكثر هؤلاء في قوله: {فالموريات قدحا} يعني بحوافرها، وقيل: اسعرت الحرب بين ركبانهن، وقيل: هو ايقاد النار اذا رجعوا الى منازلهم من الليل، وقيل: المراد بذلك نيران القبائل، قال ابن جرير: والصواب الاول: الخيل حين تقدح بحوافرها، وقوله تعالى: {فالمغيرات صبحا} قال ابن عباس ومجاهد: يعني اغارة الخيل صبحا في سبيل الله، وقال: من فسرها بالابل هو الدفع صبحا من المزدلفة الى منى، وقالوا كلهم في قوله: {فاثرن به نقعا} هو المكان الذي حلت فيه اثارت به الغبار اما في حج او غزو، وقوله تعالى: {فوسطن به جمعا} قال ابن عباس وعطاء: يعني جمع الكفار من العدو، ويحتمل ان يكون فوسطن بذلك المكان جميعا ويكون منصوبا على الحال المؤكدة، وقوله تعالى: {ان الانسان لربه لكنود} هذا هو المقسم عليه، بمعنى انه لنعم ربه لكفور جحود، قال ابن عباس ومجاهد: الكنود الكفور. قال الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه، وقوله تعالى: {وانه على على ذلك لشهيد} قال قتادة والثوري: وان الله على ذلك لشهيد، ويحتمل ان يعود الضمير على الانسان فيكون تقديره: وان الانسان على كونه كنودا لشهيد، اي بلسان حاله، اي ظاهر ذلك عليه في اقواله وافعاله كما قال تعالى: {شاهدين على انفسهم بالكفر} وقوله تعالى: {وانه لحب الخير لشديد} اي وانه لحب الخير وهو المال {لشديد}، وفيه مذهبان: (احدهما): ان المعنى وانه لشديد المحبة للمال، (والثاني): وانه لحريص بخيل من محبة المال، وكلاهما صحيح، ثم قال تبارك وتعالى مزهدا في الدنيا، ومرغبا في الاخرة، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال، وما يستقبله الانسان من الاهوال {افلا يعلم اذا بعثر ما في القبور؟} اي اخرج ما فيها من الاموات، {وحصل ما في الصدور} يعني ابرز واظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم، {ان ربهم بهم يومئذ لخبير} اي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون، ومجازيهم عليه اوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.
75 - - 101 - سورة القارعة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - القارعة - 2 - ما القارعة - 3 - وما ادراك ما القارعة - 4 - يوم يكون الناس كالفراش المبثوث - 5 - وتكون الجبال كالعهن المنفوش - 6 - فاما من ثقلت موازينه - 7 - فهو في عيشة راضية - 8 - واما من خفت موازينه - 9 - فامه هاوية - 10 - وما ادراك ما هيه - 11 - نار حامية % القارعة من اسماء يوم القيامة، كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك. ثم قال تعالى معظما امرها ومهولا لشانها {وما ادراك ما القارعة}؟ ثم فسر ذلك بقوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} اي في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه كانهم فراش مبثوث، كما قال تعالى: {كانهم جراد منتشر}، وقوله تعالى: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} يعني صارت كانها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والمتزق، قال مجاهد: {العهن} الصوف، ثم اخبر تعالى عما يؤول اليه عمل العاملين، وما يصيرون اليه من الكرامة والاهانة بحسب اعمالهم، فقال: {فاما من ثقلت موازينه} اي رجحت حسناته على شيئاته، {فهو في عيشة راضية} يعني في الجنة، {واما من خفت موازينه} اي رجحت سيئاته على حسناته، {فامه هاوية} قيل: معناه فهو ساقط هاو بام راسه في نار جهنم، وعبر عنه بامه يعني (دماغه)، قال قتادة: يهوي في النار على راسه، وقيل: معناه فامه التي يرجع اليها ويصير في المعاد اليها {هاوية} وهي اسم من اسماء النار، قال ابن جرير: وانما قيل للهاوية امه لانه لا ماوى له غيرها، وقال ابن زيد: الهاوية النار هي امه وماواه التي يرجع اليها وياوي اليها، وقرا: {وماواهم النار}. وروي عن قتادة انه قال: هي النار وهي ماواهم، ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية: {وما ادراك ما هيه * نار حامية}، روى ابن جرير عن الاشعث بن عبد الله الاعمى قال: اذا مات المؤمن ذهب بروحه الى ارواح المؤمنين، فيقولون: روحوا اخاكم، فانه كان في غم الدنيا، قال: ويسالونه ما فعل فلان؟ فيقول: مات او ما جاءكم؟ فيقولون: ذهب به الى امه الهاوية (اخرجه ابن جرير)، وقوله تعالى: {نار حامية} اي حارة شديدة الحر، قوية اللهب والسعير، عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نار بني ادم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم"، قالوا: يا رسول الله ان كانت لكافية؟ فقال: "انها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا" (اخرجه مالك ورواه البخاري ومسلم بنحوه). وفي رواية: "كلهن مثل حرها". وروى الامام احمد، عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لاحد" (اخرجه الامام احمد). وروى الترمذي وابن ماجة، عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اوقد على النار الف سنة حتى احمرت، ثم اوقد عليها الف سنة حتى ابيضت، ثم اوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة" (اخرجه الترمذي وابن ماجة). وثبت في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار الى ربها فقالت: يا رب اكل بعضي بعضا فاذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فاشد ما تجدون في الشتاء من بردها، واشد ما تجدون في الصيف من حرها" (اخرجاه في الصحيحين). وفي الصحيحين: "اذا اشتد الحر فابردوا عن الصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم".
76 - - 102 - سورة التكاثر. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الهاكم التكاثر - 2 - حتى زرتم المقابر - 3 - كلا سوف تعلمون - 4 - ثم كلا سوف تعلمون - 5 - كلا لو تعلمون علم اليقين - 6 - لترون الجحيم - 7 - ثم لترونها عين اليقين - 8 - ثم لتسالن يومئذ عن النعيم % يقول تعالى: اشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الاخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتم من اهلها، عن زيد بن اسلم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "{الهاكم التكاثر} عن الطاعة، {حتى زرتم المقابر} حتى ياتيكم الموت" (اخرجه ابن ابي حاتم)، وقال الحسن البصري: {الهاكم التكاثر} في الاموال والاولاد، وعن ابي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القران حتى نزلت: {الهاكم التكاثر} يعني: "لو كان لابن ادم واد من ذهب" (رواه البخاري في الرقاق)، وروى الامام احمد عن عبد الله بن الشخير قال: انتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "{الهاكم التكاثر} يقول ابن ادم: مالي مالي، وهل لك من مالك الا ما اكلت فافنيت، او لبست فابليت، او تصدقت فامضيت؟" (اخرجه احمد ومسلم والترمذي والنسائي). وروى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي مالي، وانما له من ماله ثلاث: ما اكل فافنى، او لبس فابلى، او تصدق فامضى، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس" (تفرد به مسلم). وروى البخاري عن انس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه اهله وماله وعمله، فيرجع اهله وماله، ويبقى عمله" (اخرجه البخاري ومسلم والترمذي). وعن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يهرم ابن ادم ويبقى معه اثنتان: الحرص والامل" (اخرجاه في الصحيحين). وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الاحنف بن قيس انه راى في يد رجل درهما فقال: لمن هذا الدرهم؟ فقال الرجل: لي، فقال: انما هو لك اذا انفقته في اجر، او ابتغاء شكر، ثم انشد الاحنف متمثلا قول الشاعر: انت للمال اذا امسكته * فاذا انفقته فالمال لك وقال ابن بريدة: نزلت في قبيلتين من قبائل الانصار (بني حارثة) و (بني الحارث) تفاخروا وتكاثروا، فقالت احداهما: فيكم مثل فلان بن فلان وفلان، وقال الاخرون: مثل ذلك تفاخروا بالاحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين، تقول: فيكم مثل فلان يشيرون الى القبور، ومثل فلان. وفعل الاخرون مثل ذلك، فانزل الله: {الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} (اخرجه ابن ابي حاتم) لقد كان لكم فيما رايتم عبرة وشغل، وقال قتادة: كانوا يقولون: نحن اكثر من بني فلان، ونحن اعد من بني فلان، حتى صاروا من اهل القبور كلهم، والصحيح ان المراد بقوله: {زرتم المقابر} اي صرتم اليها ودفنتم فيها، كما جاء في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الاعراب يعوده، فقال: "لا باس طهور ان شاء الله"، فقال، قلت: طهور، بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، قال: "فنعم اذن". وعن ميمون بن مهران قال: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرا: {الهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر} فلبث هنيهة ثم قال: يا ميمون ما ارى المقابر الا زيارة وما للزائر بد من ان يرجع الى منزله، يعني ان يرجع الى منزله اي الى جنة او الى نار، وهكذا ذكر ان بعض الاعراب سمع رجلا يتلو هذه الاية: {حتى زرتم المقابر} فقال: بعث اليوم ورب الكعبة، اي ان الزائر سيرحل من مقامه ذلك الى غيره، وقوله تعالى: {كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون} قال الحسن البصري هذا وعيد بعد وعيد، وقال الضحاك {كلا سوف تعلمون} يعني ايها الكفار، {ثم كلا سوف تعلمون} يعني ايها المؤمنون، وقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} اي لو علمتم حق العلم لما الهاكم التكاثر عن طلب الدار الاخرة حتى صرتم الى المقابر ثم قال: {لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين} هذا تفسير الوعيد المتقدم، وهو قوله: {كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون} توعدهم بهذا بهذا الحال وهو رؤية اهل النار، التي اذا زفرت زفرة واحدة، خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه، من المهابة والعظمة ومعاينة الاهوال، على ما جاء به الاثر المروي في ذلك. وقوله تعالى: {ثم لتسالن يومئذ عن النعيم} اي ثم لتسالن يومئذ عن شكر ما انعم الله به عليكم، من الصحة والامن والرزق وغير ذلك، ما اذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته. روى ابن جرير، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: بينما ابو بكر وعمر جالسان اذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اجلسكما ههنا؟"، قالا: والذي بعثك بالحق ما اخرجنا من بيوتنا الا الجوع، قال: "والذي بعثني بالحق ما اخرجني غيره"، فانطلقوا حتى اتوا بيت رجل من الانصار، فاستقبلتهم المراة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "اين فلان؟" فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحبا ما زار العباد شيء افضل من نبي زارني اليوم، فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الا كنت اجتنيت"، فقال: احببت ان تكونوا الذين تختارون على اعينكم، ثم اخذ الشفرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اياك والحلوب" فذبح لهم يومئذ، فاكلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسالن عن هذا يوم القيامة اخرجكم الجوع، فلم ترجعوا حتى اصبتم هذا، فهذا من النعيم" (اخرجه ابن جرير ورواه مسلم واصحاب السنن الاربعة بنحوه). وروى الامام احمد عن جابر بن عبد الله قال: اكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر رطبا وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسالون عنه" (اخرجه احمد والنسائي). وروى الامام احمد عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت {الهاكم التكاثر} فقرا حتى بلغ {لتسالن يومئذ عن النعيم} قالوا: يا رسول الله عن اي نعيم نسال؟ وانما هما الاسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن اي نعيم نسال؟ قال: "اما ان ذلك سيكون" (اخرجه احمد). وروى الترمذي، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ان اول ما يسال عنه العبد من النعيم، ان يقال له الم نصح لك بدنك، ونروك من الماء البارد"؟ (اخرجه الترمذي وابن حيان) وروى ابن ابي حاتم، عن عبد الله بن الزبير قال، قال الزبير: لما نزلت {ثم لتسالن يومئذ عن النعيم} قالوا: يا رسول الله لاي نعيم نسال عنه وانما هما الاسودان التمر والماء؟ قالوا: "ان ذلك سيكون" (اخرجه ابن ابي حاتم ورواه الترمذي وابن ماجة). وفي رواية عن عكرمة: قالت الصحابة: يا رسول الله، واي نعيم نحن فيه؟ وانما ناكل في انصاف بطوننا خبز الشعير؟ فاوحى الى نبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: اليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم. وعن ابن مسعود مرفوعا: "الامن والصحة". وقال زيد بن اسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثم لتسالن يومئذ عن النعيم} يعني شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق ولذة النوم، وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا، وقال الحسن البصري: من النعيم الغداء والعشاء، وقول مجاهد اشمل هذه الاقوال، وقال ابن عباس: {ثم لتسالن يومئذ عن النعيم} قال: النعيم صحة الابدان والاسماع والابصار، يسال الله العباد فيما استعملوها، وهو اعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: {ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا}. وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" (اخرجه البخاري)، ومعنى هذا انهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون.
77 1 احاديث 103 - سورة العصر. ذكر الطبراني عن عبيد الله بن حفص قال: كان الرجلان من اصحاب رسول الله اذا التقيا لم يفترقا الا على ان يقرا احدهما على الاخر سورة العصر الى اخرها، ثم يسلم احدهما على الاخر. وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. بسم الله الرحمن الرحيم.
78 - - 104 - سورة الهمزة. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - ويل لكل همزة لمزة - 2 - الذي جمع مالا وعدده - 3 - يحسب ان ماله اخلده - 4 - كلا لينبذن في الحطمة - 5 - وما ادراك ما الحطمة - 6 - نار الله الموقدة - 7 - التي تطلع على الافئدة - 8 - انها عليهم مؤصدة - 9 - في عمد ممددة % الهماز بالقول، واللماز بالفعل، يعني يزدري الناس وينتقص بهم، قال ابن عباس: {همزة لمزة} طعان معياب، وقال الربيع بن انس: الهمزة: يهمزه في وجهه، واللمزة: من خلفه، وقال قتادة: الهمزة واللمزة لسانه وعينه، وياكل لحوم الناس ويطعن عليهم، وقال مجاهد: الهمزة باليد والعين، واللمزة باللسان؛ ثم قال بعضهم: المراد بذلك (الاخنس بن شريق)، وقال مجاهد: هي عامة، وقوله تعالى: {الذي جمع مالا وعدده} اي جمعه بعضه على بعض واحصى عدده كقوله تعالى: {وجمع فاوعى} قال محمد بن كعب: الهاه ماله بالنهار، فاذا كان الليل نام كانه جيفة منتنة، وقوله تعالى: {يحسب ان ماله اخلده} اي يظن ان جمعه المال يخلده في هذه الدار، {كلا} اي ليس الامر كما زعم ولا كما حسب، ثم قال تعالى: {لينبذن في الحطمة} اي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده {في الحطمة} وهي اسم من اسماء النار، لانها تحطم من فيها، ولهذا قال: {وما ادراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة * التي تطلع على الافئدة} قال ثابت البناني: تحرقهم الى الافئدة وهم احياء، وقال محمد بن كعب: تاكل كل شيء من جسده، حتى اذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده، وقوله تعالى: {انها عليهم مؤصدة} اي مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد، وقوله تعالى: {في عمد ممددة} اي عمد من حديد، وقال السدي: من نار، وقال ابن عباس: {في عمد ممددة} يعني الابواب هي الممددة، وعنه: ادخلهم في عمد ممددة عليهم بعماد، في اعناقهم السلاسل، فسدت بها الابواب (هذه رواية العوفي عن ابن عباس والاولى رواية عكرمة عنه)، وقال قتادة: كنا نحدث انهم يعذبون بعمد في النار، واختاره ابن جرير، وقال ابو صالح: {في عمد ممددة} يعني القيود الثقال.
79 - - 105 - سورة الفيل. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل - 2 - الم يجعل كيدهم في تضليل - 3 - وارسل عليهم طيرا ابابيل - 4 - ترميهم بحجارة من سجيل - 5 - فجعلهم كعصف ماكول % هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من اصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو اثرها من الوجود، فابادهم الله، وارغم انافهم، وخيب سعيهم، واضل عملهم، وردهم بشر خيبة، هذه قصة اصحاب الفيل على وجه الايجاز والاختصار. يروى ان ابرهة الاشرم بنى كنيسة هائلة بصنعاء، رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الارجاء، سمتها العرب (القليس) لارتفاعها، لان الناظر اليها تكاد تسقط قلنسوته عن راسه من ارتفاع بنائها، وعزم ابرهة على ان يصرف حج العرب اليها كما يحج الى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب ذلك، وغضبت قريش، لذلك غضبا شديدا، حتى قصدها بعضهم وتوصل الى ان دخلها، فاحدث فيها وكر راجعا، فلما راى السدنة ذلك الحدث رفعوا امرهم الى ملكهم (ابرهة) وقالوا له: انما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فاقسم ابرهة ليسيرن الى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا، ذكر مقاتل ان فتية من قريش دخلوها، فاججوا فيها نارا، وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت، فتاهب ابرهة لذلك، وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده احد عنه، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله، يقال له (محمود)، ويقال: كان معه اثنا عشر فيلا غيره، فلما سمعت العرب بمسيره اعظموا ذلك جدا، وراوا ان حقا عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من اراده بكيد، فخرج اليه رجل من اشراف اهل اليمن وملوكهم يقال له (ذو نفر) فدعا قومه الى حرب ابرهة وجهاده عن بيت الله، فاجابوه وقاتلوا ابرهة فهزمهم، ثم مضى لوجهه حتى اذا كان بارض خثعم اعترض له (نفيل بن حبيب) الخثعمي في قومه فقاتلوه، فهزمهم ابرهة واسر نفيل بن حبيب، فاراد قتله ثم عفا عنه، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز، فلما اقترب من ارض الطائف خرج اليه اهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات، فاكرمهم وبعثوا معه (ابا رغال) دليلا، فلما انتهى ابرهة الى المغمس وهو قريب من مكة نزل به، واغار جيشه على سرح اهل مكة من الابل وغيرها، فاخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وبعث ابرهة حناطة الحميري الى مكة، وامره ان ياتيه باشرف قريش، وان يخبره ان الملك لم يجئ لقتالكم الا ان تصدوه عن البيت، فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن ابرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، ومالنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله ابراهيم، فان يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وان يخلي بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فاذهب معي اليه، فذهب معه، فلما راه ابرهة اجله - وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر - ونزل ابرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان: ان حاجتي ان يرد علي الملك مائتي بعير اصابها لي، فقال ابرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت اعجبتني حين رايتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، اتكلمني في مائتي بعير اصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين ابائك، قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: اني انا رب الابل، وان للبيت ربا سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: انت وذاك، ويقال: انه ذهب مع عبد المطلب جماعة من اشراف العرب، فعرضوا على ابرهة ثلث اموال تهامة على ان يرجع عن البيت، فابى عليهم، ورد ابرهة على عبد المطلب ابله، ورجع عبد المطلب الى قريش، فامرهم بالخروج من مكة، والتحصن في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فاخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرون على ابرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو اخذ بحلقة باب الكعبة: اللهم ان المرء يمنع * رحله فامنع رحاك وانصر على ال الصليب * وعابديه اليوم الك لا يغلبن صليبهم * ومحالهم ابدا محالك ثم خرجوا الى رؤوس الجبال. وذكر مقاتل انهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة، لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم، فلما اصبح ابرهة تهيا لدخول مكة وهيا جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة، برك الفيل، وخرج (نفيل بن حبيب) يشتد حتى صعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم، فابى، فضربوا في راسه بالطبرزين وادخلوا محاجن لهم في مراقه، فنزعوه بها ليقوم، فابى، فوجهوه راجعا الى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه الى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه الى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه الى مكة فبرك، وارسل الله عليهم طيرا من البحر امثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة احجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه امثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم احدا الا هلك، وليس كلهم اصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسالون عن (نفيل) ليدلهم على الطريق، هذا ونفيل على راس الجبل مع قريش، وعرب الحجاز ينظرون ماذا انزل الله باصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول: اين المفر والاله الطالب * والاشرم المغلوب ليس الغالب وذكر الواقدي باسناده: انهم لما تعباوا لدخول الحرم، وهياوا الفيل جعلوا لا يصرفونه الى جهة من سائر الجهات الا ذهب فيها، فاذا وجهوه الى الحرم ربض وصاح، وجعل ابرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم، وعبد المطلب وجماعة من اشراف مكة على حراء ينظرون ما الحبشة يصنعون، وماذا يلقون من امر الفيل وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك اذ بعث الله عليهم {طيرا ابابيل} اي قطعا قطعا صفرا دون الحمام وارجلها حمر، ومع كل طائر ثلاثة احجار، وجاءت فحلقت عليهم، وارسلت تلك الاحجار عليهم فهلكوا، قال عطاء: ليس كلهم اصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعا، ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا، وهم هاربون، وكان ابرهة ممن تساقط عضوا عضوا حتى مات ببلاد خثعم، قال ابن اسحاق: فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عليهم من امر الحبشة لبقاء امرهم ومدتهم فقال: {الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل} الى قوله: {فجعلهم كعصف ماكول}، وقوله: {لايلاف قريش * ايلافهم * رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف}. قال ابن هشام: "الابابيل" الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة قال: واما "السجيل" فاخبرني يونس النحوي انه عند العرب الشديد الصلب، "والعصف" ورق الزرع الذي لم يقضب واحدته عصفة. انتهى ما ذكره. وقال ابن عباس والضحاك: ابابيل يتبع بعضها بعضا، وقال الحسن البصري وقتادة: الابابيل الكثيرة، وقال مجاهد "ابابيل" شتى متتابعة مجتمعة، وقال ابن زيد: "الابابيل" المختلفة تاتي من ههنا، ومن ههنا، اتتهم من كل مكان، وقال عكرمة: كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع. وعن ابن عباس ومجاهد: كانت الطير الابابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب، وقال عبيد بن عمير: لما اراد الله ان يهلك اصحاب الفيل بعث عليهم طيرا انشئت من البحر امثال الخطاطيف، كل طير منها يحمل ثلاثة احجار حجرين في رجليه وحجرا في منقاره، قال: فجاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت والقت ما في ارجلها ومناقيرها، فما يقع على راس رجل الا وخرج من دبره، ولا يقع على شيء من جسده الا خرج من الجانب الاخر، وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فاهلكوا جميعا. وقال ابن عباس {حجارة من سجيل} قال: طين في حجارة. وقوله تعالى: {فجعلهم كعصف ماكول} قال سعيد بن جبير: يعني التبن الذي تسميه العامة هبور، وقال ابن عباس: العصف القشرة التي على الحبة كالغلاف على الحنطة، وقال ابن زيد: العصف ورق الزرع، وورق البقل اذا اكلته البهائم فراثته فصار درينا، المعنى ان الله سبحانه وتعالى اهلكهم ودمرهم وردهم بكيدهم وغيظهم، لم ينالوا خيرا، واهلك عامتهم ولم يرجع منهم مخبر الا وهو جريح، كما يروى لامية بن ابي الصلت بن ربيعة قوله: ان ايات ربنا باقيات * ما يماري فيهن الا الكفور خلق الليل والنهار فكل * مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار رب رحيم * بمهاة شعاعها منشور حبس الفيل بالمغمس حتى * صار يحبو كانه معقور خلفوه ثم ابذعروا جميعا * كلهم عظم ساقه مكسور كل دين يوم القيامة عند الله الا دين الحنيفة بور وقد قدمنا في تفسير سورة الفتح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش بركت ناقته، فزجرها فالحت، فقالوا: خلات القصواء، اي حرنت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خلات القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسالوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله الا اجبتهم اليها"، ثم زجرها فقامت (الحديث اخرجه البخاري). وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وانه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس، الا فيبلغ الشاهد الغائب".
80 - - 106 - سورة قريش. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - لايلاف قريش - 2 - ايلافهم رحلة الشتاء والصيف - 3 - فليعبدوا رب هذا البيت - 4 - الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف$ هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الامام، كتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) وان كانت متعلقة بما قبلها، كما صرح بذلك محمد ابن اسحاق وعبد الرحمن بن يزيد، لان المعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل، واهلكنا اهله {لايلاف قريش} اي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم امنين، وقيل: المراد بذلك ما كانوا يالفونه من الرحلة في الشتاء الى اليمن، وفي الصيف الى الشام في المتاجر وغير ذلك، ثم يرجعون الى بلدهم امنين في اسفارهم، لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله، فمن عرفهم احترمهم ومن سار معهم امن بهم، وهذا حالهم في اسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم، اما في حال اقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى: {اولم يروا انا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حولهم}، ولهذا قال تعالى: {لايلاف قريش ايلافهم} بدل من الاول ومفسر له، ولهذا قال تعالى: {ايلافهم رحلة الشتاء والصيف} وقال ابن جرير: الصواب ان اللام لام التعجب، كانه يقول: اعجبوا لايلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك، قال: وذلك لاجماع المسلمين على انهما سورتان منفصلتان مستقلتان، ثم ارشدهم الى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: {فليعبدوا رب هذا البيت} اي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرما امنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: {انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها} وقوله تعالى: {الذي اطعمهم من جوع} اي هو رب البيت وهو الذي اطعمهم من جوع {وامنهم من خوف} اي تفضل عليهم بالامن والرخص، فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا، ولهذا من استجاب لهذا الامر، جمع الله له بين امن الدنيا وامن الاخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: {ضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}. عن اسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "{لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف} ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمكم من جوع وامنكم من خوف" (قال ابن كثير: صوابه عن اسماء بنت يزيد بن السكن (ام سلمة) الانصارية رضي الله عنها، لا عن اسامة بن زيد ولعله وقع خطا في النسخة او في اصل الرواية)
81 - - 107 - سورة الماعون. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - ارايت الذي يكذب بالدين - 2 - فذلك الذي يدع اليتيم - 3 - ولا يحض على طعام المسكين - 4 - فويل للمصلين - 5 - الذين هم عن صلاتهم ساهون - 6 - الذين هم يراؤون - 7 - ويمنعون الماعون % يقول تعالى: {ارايت} يا محمد {الذي يكذب بالدين} وهو المعاد والجزاء والثواب {فذلك الذي يدع اليتيم} اي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن اليه {ولا يحض على طعام المسكين} كقوله {ولا تحاضون على طعام المسكين}، ثم قال تعالى: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال ابن عباس: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: {للمصلين} الذين هم من اهل الصلاة ثم هم عنها ساهون، اما عن فعلها بالكلية، او يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: {عن صلاتهم ساهون} ولم يقل {في صلاتهم ساهون} فيؤخرونها الى اخر الوقت، او لا يؤدونها باركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، كما ثبت في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى اذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر اربعا، لا يذكر الله فيها الا قليلا" (اخرجه الشيخان). فهذا اخر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - الى اخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام اليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها ايضا، ولهذا قال: "لا يذكر الله فيها الا قليلا" ولعله انما حمله على القيام اليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما اذا لم يصل بالكلية، قال الله تعالى: {ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا}، وقال تعالى ههنا: {الذين هم يراؤون}، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ان في جهنم لواديا تستعذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم اربعمائة مرة، اعد ذلك الوادي للمرائين من امة محمد: لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج الى بيت الله، وللخارج في سبيل الله" (اخرجه الطبراني). وروى الامام احمد عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوسا عند ابي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بابي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصغره" (اخرجه احمد). ومما يتعلق بقوله تعالى: {الذين هم يراؤون} ان من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس فاعجبه ذلك ان هذا لا يعد رياء، لما روي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: كنت اصلي، فدخل علي رجل، فاعجبني ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كتب لك اجران: اجر السر واجر العلانية" (اخرجه الحافظ الموصلي). وفي رواية عنه قال، قال رجل: يا رسول الله! الرجل يعمل العمل يسره فاذا اطلع عليه اعجبه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "له اجران: اجر السر واجر العلانية" (اخرجه الترمذي والطيالسي وابو يعلى الموصلي). وعن سعد بن ابي وقاص قال: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {الذين هم عن صلاتهم ساهون} قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" (اخرجه ابن جرير الطبري). قلت: وتاخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، ويحتمل صلاتها بعد وقتها شرعا، او تاخيرها عن اول الوقت. وقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} اي لا احسنوا عبادة ربهم، ولا احسنوا الى خلقه، حتى ولا باعارة ما ينتفع به مع بقاء عينه ورجوعهم اليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وانواع القربات اولى واولى. وقد قال مجاهد {الماعون} الزكاة، وقال الحسن البصري: ان صلى راءى، وان فاتته لم ياس عليها، ويمنع زكاة ماله، وفي لفظ: صدقة ماله. وقال زيد بن اسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وخفيت الزكاة فمنعوها. وسئل ابن مسعود عن الماعون؟ فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفاس والقدر والدلو واشباه ذلك، وقال ابن جرير، عن عبد الله قال: "كنا اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث ان الماعون الدلو والفاس والقدر لا يستغنى عنهن"، ولفظ النسائي عن عبد الله قال: كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر، وعن ابن عباس: {ويمنعون الماعون} يعني متاع البيت، وكذا قال مجاهد والنخعي انها العارية للامتعة، وقد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية، وعن علي: الماعون منع الناس الفاس والقدر والدلو، وقال عكرمة: راس الماعون زكاة المال وادناه المنخل والدلو والابرة، وهذا الذي قاله عكرمة حسن، فانه يشمل الاقوال كلها، وترجع كلها الى شيء واحد، وهو ترك المعاونة بمال او منفعة، ولهذا جاء في الحديث: "كل معروف صدقة".
82 - - 108 - سورة الكوثر. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - انا اعطيناك الكوثر - 2 - فصل لربك وانحر - 3 - ان شانئك هو الابتر % روى مسلم عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهرنا في المسجد اذا اغفى اغفاءة، ثم رفع مبتسما قلنا: ما اضحكك يا رسول الله؟ قال: "لقد انزلت علي انفا سورة" فقرا: {بسم الله الرحمن الرحيم * انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر}، ثم قال: "اتدرون ما الكوثر؟" قلنا: الله ورسوله اعلم، قال: فانه نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه امتي يوم القيامة انيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم، فاقول: رب انه من امتي، فيقول: انك لا تدري ما احدث بعدك" (اخرجه مسلم وابو داود والنسائي)، وقد استدل كثير من القراء على ان هذه السورة مدنية، فاما قوله تعالى: {انا اعطيناك الكوثر} فقد تقدم في هذا الحديث انه نهر في الجنة، وقد رواه الامام احمد عن انس انه قرا هذه الاية: {انا اعطيناك الكوثر} قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعطيت الكوثر فاذا هو نهر يجري ولم يشق شقا، واذا حافتاه قباب الؤلؤ فضربت بيدي في تربته، فاذا مسك اذفر، واذا حصباؤه اللؤلؤ" (اخرجه الامام احمد). وعن انس ابن مالك قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم الى السماء قال: "اتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر" (اخرجه البخاري). وروى ابن جرير، عن انس بن مالك قال: لما اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل في السماء الدنيا، فاذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد، فذهب يشم ترابه، فاذا هو مسك، قال: "يا جبريل ما هذا النهر؟" قال: هو الكوثر الذي خبا لك ربك؛ وفي رواية عن انس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر؟ فقال: "هو نهر اعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك، ابيض من اللبن، واحلى من العسل، ترده طير اعناقها مثل اعناق الجزر"، قال ابو بكر: يا رسول الله انها لناعمة؟ قال: "اكلها انعم منها". وقال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا اسرائيل عن ابي اسحاق عن ابي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: سالتها عن قوله تعالى: {انا اعطيناك الكوثر} قالت: نهر اعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف انيته كعدد النجوم" (اخرجه البخاري). وعن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف، وقال اسرائيل: نهر في الجنة عليه من الانية عدد نجوم السماء، وعن مسروق قال، قلت لعائشة: يا ام المؤمنين حدثيني عن الكوثر؟ قالت: نهر في بطنان الجنة، قلت: وما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت (اخرجه ابن جرير). وقال البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال في الكوثر: هو الخير الذي اعطاه الله اياه، قال ابو البشر: قلت لسعيد بن جبير: فان ناسا يزعمون انه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي اعطاه الله اياه (اخرجه البخاري). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر الخير الكثير، وهذا التفسير يعم النهر وغيره، لان الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد، حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والاخرة، وقال عكرمة: هو النبوة والقران وثواب الاخرة، وقد صح عن ابن عباس انه فسره بالنهر ايضا، فقال ابن جرير: عن ابن عباس قال: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه ابيض من الثلج، واحلى من العسل". وعن ابن عمر انه قال: الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة، يجري على الدر والياقوت، ماؤه اشد بياضا من اللبن، واحلى من العسل (اخرجه الترمذي موقوفا). وقد روي مرفوعا فقال الامام احمد: عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، والماء يجري على اللؤلؤ، وماؤه اشد بياضا من اللبن، واحلى من العسل" (رواه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح). وروى ابن جرير عن عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر. قلت: حدثنا عن ابن عباس انه قال: هو الخير الكثير، فقال: صدق الله انه للخير الكثير؛ ولكن حدثنا ابن عمر قال: لما نزلت {انا اعطيناك الكوثر} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت". وهكذا روي عن انس وابي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف ان الكوثر نهر في الجنة، وقال عطاء: هو حوض في الجنة. وقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} اي كما اعطيناك الخير الكثير في الدنيا والاخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته، فاخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة، ونحرك فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين} قال ابن عباس: يعني بذلك نحر البدن ونحوها، وقيل: المراد بقوله: {وانحر} وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر، وقيل: {وانحر} اي استقبل بنحرك القبلة، والصحيح القول الاول: ان المراد بالنحر ذبح المناسك، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا، فقد اصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له" الحديث. قال ابن جرير: والصواب قول من قال: ان معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا، دون ما سواه من الانداد والالهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الاوثان، شكرا له على ما اعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به، وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقوله تعالى: {ان شانئك هو الابتر} اي ان مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئت به من الهدى والحق، والبرهان الساطع والنور المبين {هو الابتر} الاقل الاذل المنقطع ذكره، قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في العاص بن وائل، وقال يزيد بن رومان: قال، كان العاص بن وائل اذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له، فاذا هلك انقطع ذكره، فانزل الله هذه السورة، وقيل: نزلت في عقبة ابن ابي معيط، وقال عطاء: نزلت في (ابي لهب) وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ابو لهب الى المشركين، فقال: بتر محمد الليلة فانزل الله في ذلك: {ان شانئك هو الابتر}، وعن ابن عباس: نزلت في (ابي جهل) وعنه {ان شانئك} يعني عدوك، وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم. وقال عكرمة: الابتر الفرد، وقال السدي: كانوا اذا مات ذكور الرجل، قالوا: بتر، فلما مات ابناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: بتر محمد، فانزل الله: {ان شانئك هو الابتر}، وهذا يرجع الى ماقلناه من ان الابتر الذي اذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم انه اذا مات بنوه انقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل قد ابقى الله ذكره على رؤوس الاشهاد، واوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الاباد، الى يوم المحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائما الى يوم التناد.
83 1 احاديث 109 - سورة الكافرون. [مقدمة] ثبت في صحيح مسلم، عن جابر، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا بهذه السورة، وبقل هو الله احد، في ركعتي الطواف (اخرجه مسلم)، وفي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرا بهما في ركعتي الفجر، وقد تقدم في الحديث انها تعدل ربع القران، وروى الطبراني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اخذ مضجعه قرا {قل يا ايها الكافرون} حتى يختمها (اخرجه الطبراني)، وعن الحارث بن جبلة قال، قلت: يا رسول الله علمني شيئا اقوله عند منامي، قال: "اذا اخذت مضجعك من الليل فاقرا {يا ايها الكافرون} فانها براءة من الشرك" (اخرجه الامام احمد)، والله اعلم. بسم الله الرحمن الرحيم.
84 1 احاديث 110 - سورة النصر. [مقدمة] روى الحافظ ابو بكر البزار، عن ابن عمر قال: انزلت هذه السورة {اذا جاء نصر الله والفتح} على رسول الله صلى الله عليه وسلم اوسط ايام التشريق، فعرف انه الوداع، فامر براحلته القصواء فرحلت، ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة (اخرجه البزار والبيهقي)، وروى الحافظ البيهقي، عن ابن عباس قال: لما نزلت {اذا جاء نصر الله والفتح} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، وقال: "انه قد نعيت الي نفسي" فبكت ثم ضحكت، وقالت: اخبرني انه نعيت اليه نفسه، فبكيت، ثم قال: "اصبري فانك اول اهلي لحاقا بي" فضحكت (اخرجه البيهقي ورواه النسائي بنحوه بدون ذكر فاطمة). بسم الله الرحمن الرحيم.
85 - - 111 - سورة المسد. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - تبت يدا ابي لهب وتب - 2 - ما اغنى عنه ماله وما كسب - 3 - سيصلى نارا ذات لهب - 4 - وامراته حمالة الحطب - 5 - في جيدها حبل من مسد % روى البخاري، عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج الى البطحاء فصعد الجبل فنادى: "يا صباحاه" فاجتمعت اليه قريش، فقال: "ارايتم ان حدثتكم ان العدو مصبحكم او ممسيكم اكنتم تصدقوني؟" قالوا: نعم، قال: "فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال ابو لهب: الهذا جمعتنا؟ تبا لك، فانزل الله: {تبت يدا ابي لهب وتب} الى اخرها (اخرجه البخاري)، وفي رواية: فقام ينفض يديه وهو يقول: تبا لك سائر اليوم، الهذا جمعتنا؟ فانزل الله: {تبت يدا ابي لهب وتب} الاول دعاء عليه، والثاني خبر عنه، فابو لهب هذا احد اعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه (عبد العزى بن عبد المطلب) وكان كثير الاذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغض له، والتنقص له ولدينه، روى الامام احمد عن ابي الزناد قال: اخبرني رجل يقال له (ربيعة بن عباد) من بني الديل وكان جاهليا فاسلم قال: رايت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا" والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه، احول ذو غديرتين، يقول: انه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسالت عنه، فقالوا: هذا عمه ابو لهب" (اخرجه احمد). وقال محمد بن اسحاق، عن ربيعة بن عباد قال: اني لمع ابي رجل شاب انظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل احول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القيبلة فيقول: "يا بني فلان اني رسول الله اليكم امركم ان تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، وان تصدقوني وتمنعوني حتى انفذ عن الله ما بعثني به"، واذا فرغ من مقالته قال الاخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم ان تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن الى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لابي: من هذا؟ قال: عمه ابو لهب (اخرجه احمد والطبراني). فقوله تعالى: {تبت يدا ابي لهب} اي خسرت وخابت وضل عمله وسعيه، {وتب} اي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه. وقوله تعالى: {ما اغنى عنه ماله وما كسب} قال ابن عباس: {وما كسب} يعني ولده، يروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه الى الايمان قال ابو لهب: ان كان ما يقول ابن اخي حقا فاني افتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فانزل الله تعالى: {ما اغنى عنه ماله وما كسب}. وقوله تعالى: {سيصلى نارا ذات لهب} اي ذات شرر ولهب واحراق شديد، {وامراته حمالة الحطب} وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي (ام جميل) واسمها (اروى بنت حرب بن امية) وهي اخت ابي سفيان، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى: {حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، هي مهياة لذلك مستعدة له، {في جيدها حبل من مسد} قال مجاهد: من مسد النار، وعن مجاهد وعكرمة {حمالة الحطب} كانت تمشي بالنميمة (واختاره ابن جرير). وقال ابن عباس والضحاك: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة، فقالت: لانفقنها في عداوة محمد، فاعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار، والمسد الليف، وقيل: هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعا، قال الجوهري: المسد الليف، والمسد ايضا حبل من ليف او خوص، وقال مجاهد: {حبل من مسد} اي طوق من حديد، اخرج ابن ابي حاتم عن اسماء بنت ابي بكر قالت: لما نزلت: {تبت يدا ابي لهب} اقبلت العوراء (ام جميل) بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذمما ابينا - ودينه قلينا - وامره عصينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه ابو بكر، فلما راها ابو بكر قال: يا رسول الله قد اقبلت وانا اخاف عليك ان تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انها لن تراني"، وقرا قرانا اعتصم به، كما قال تعالى: {واذا قرات القران جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا}، فاقبلت حتى وقفت على ابي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا ابا بكر اني اخبرت ان صاحبك هجاني، قال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش اني ابنة سيدها، قال: فعثرت ام جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت: تعس مذمم (اخرجه ابن ابي حاتم). وقد قال بعض اهل العلم في قوله تعالى: {في جيدها حبل من مسد} اي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به الى شفيرها، ثم ترمى الى اسفلها، ثم لا تزال كذلك دائما. قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فانه منذ نزل قوله تعالى: {سيصلى نارا ذات لهب * وامراته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد} فاخبر عنهما بالشقاء وعدم الايمان لم يقيض لهما ان يؤمنا ولا واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا، لا سرا ولا علنا، فكان هذا من اقوى الادلة الباهرة، على النبوة الظاهرة.
86 1 احاديث 112 - سورة الاخلاص. (ذكر سبب نزولها وفضلها). عن ابي بن كعب ان المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد انسب لنا ربك، فانزل الله تعالى: {قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا احد} (اخرجه احمد والترمذي وابن جرير)، زاد ابن جرير والترمذي، قال:{الصمد} الذي لم يلد ولم يولد لانه ليس شيء يولد الا سيموت، وليس شيء يموت الا سيورث، وان الله عز وجل لا يموت ولا يورث،{ولم يكن له كفوا احد} ولم يكن له شبية ولا عدل وليس كمثله شيء. حديث اخر في فضلها: روى البخاري، عن عائشة رضي الله عنها: ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرا لاصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قل هو الله احد}، فلما رجعوا ذكروا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "سلوه لاي شيء يصنع ذلك؟" فسالوه، فقال: لانها صفة الرحمن، وانا احب ان اقرا بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخبروه ان الله تعالى يحبه" (اخرجه البخاري في كتاب التوحيد). حديث اخر: قال البخاري في كتاب الصلاة، عن انس رضي الله عنه قال: كان رجل من الانصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرا بها لهم في الصلاة مما يقرا به، افتتح بقل هو الله احد حتى يفرغ منها ثم كان يقرا سورة اخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه اصحابه، فقالوا: انك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى انها تجزئك، حتى تقرا بالاخرى، فاما ان تقرا بها، واما ان تدعها وتقرا باخرى، فقال: ما انا بتاركها، ان احببتم ان اؤمكم بذلك فعلت، وان كرهتم تركتكم، وكانوا يرون انه من افضلهم، وكرهوا ان يؤمهم غيره، فلما اتاهم النبي صلى الله عليه وسلم اخبره الخبر، فقال: يافلان "مايمنعك ان تفعل ما يامرك به اصحابك، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة"؟ قال: اني احبها، قال: "حبك اياها ادخلك الجنة" (اخرجه البخاري في كتاب الصلاة). حديث اخر: قال البخاري، عن ابي سعيد رضي الله عنه قال، قال رسول الله عليه وسلم لاصحابه: "ايعجز احدكم ان يقرا ثلث القران في ليلة"؟ فشق ذلك عليهم، وقالوا: اينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال:" الله الواحد الصمد ثلث القران" (اخرجه البخاري). حديث اخر: قال احمد، عن ابي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرا بقل هو الله احد فكانما قرا بثلث القران" (اخرجه احمد). حديث اخر: عن ابي الدرداء رضي الله عنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ايعجز احدكم ان يقرا كل يوم ثلث القران؟" قالوا: نعم يا رسول الله نحن اضعف من ذلك واعجز، قال: "فان الله جزا القران ثلاثة اجزاء، فقل هو الله احد ثلث القران" (رواه احمد ومسلم والنسائي). حديث اخر: عن عبد الله بن حبيب قال: اصابنا عطش وظلمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فخرج فاخذ بيدي فقال: "قل"، فسكت، قال: "قل"، قلت: ما اقول؟ قال: "قل هو الله احد والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاثا، تكفيك كل يوم مرتين" (رواه ابو داود والترمذي والنسائي ). حديث اخر: عن سهل بن معاذ بن انس الجهني، عن ابيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرا قل هو الله احد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة"، فقال عمر: اذا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله اكثر واطيب" (رواه احمد والدارمي). حديث اخر، في فضلها مع المعوذتين: عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتداته، فاخذت بيده، فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمن؟ قال: "يا عقبة اخرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" قال: ثم لقيني رسول الله صلى الل عليه وسلم فابتداني، فاخذ بيدي فقال: "يا عقبة بن عامر الا اعلمك خير ثلاث سور انزلت في التوراة والانجيل والزبور والقران العظيم"؟ قال، قلت: بلى، جعلني الله فداك، قال: فاقراني: {قل هو الله احد - وقل اعوذ برب الفلق - وقل اعوذ برب الناس}، ثم قال: "يا عقبة لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقراهن" قال: فما نسيتهن منذ قال لا تنسهن، وما بت ليلة قط حتى اقراهن، قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صلى الل عليه وسلم فابتداته، فاخذت بيده، فقلت: يا رسول الله اخبرني بفواضل الاعمال فقال: "يا عقبة صل من قطعك، واعط من حرمك، واعرض عمن ظلمك" (رواه احمد والترمذي). حديث اخر: في الاستشفاء بهن، قال البخاري، عن عائشة، ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، وقرا فيهما: {قل هو الله احد} و {قل اعوذ برب الفلق} و {قل اعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدا بهما على راسه ووجهه، وما اقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات (اخرجه البخاري واهل السنن). بسم الله الرحمن الرحيم.
87 1 احاديث 113 - سورة الفلق. [مقدمة] عن عقبة بن عامر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الم تر ايات انزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط: {قل اعوذ برب الفلق} و {قل اعوذ برب الناس}" (اخرجه مسلم والترمذي والنسائي). وروى الامام احمد، عن عقبة بن عامر قال: بينا انا اقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب اذ قال لي: "يا عقبة الا تركب؟" قال، فاشفقت ان تكون معصية، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركبت هنية، ثم ركب، ثم قال: "يا عقبة، الا اعلمك سورتين من خير سورتين قرا بهما الناس؟" قلت: بلى يا رسول الله، فاقراني: {قل اعوذ برب الفلق} و {قل اعوذ برب الناس}، ثم اقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرا بهما، ثم مر بي فقال: "كيف رايت يا عقب، اقرا بهما كلما نمت وكلما قمت" (اخرجه احمد وابو داود والنسائي). وتقدم حديث عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرا بهن وينفث في كفيه ويمسح بهما راسه ووجهه وما اقبل من جسده، وروى الامام مالك، عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا اشتكى يقرا على نفسه بالمعوذتين، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت اقرا عليه بالمعوذات، وامسح بيده عليه رجاء بركتها (اخرجه مالك ورواه البخاري وابو داود والنسائي). وعن ابي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من اعين الجان واعين الانسان فلما نزلت المعوذتان اخذ بهما وترك ما سواهما (اخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح). بسم الله الرحمن الرحيم.
88 - - 114 - سورة الناس. بسم الله الرحمن الرحيم. - 1 - قل اعوذ برب الناس - 2 - ملك الناس - 3 - اله الناس - 4 - من شر الوسواس الخناس - 5 - الذي يوسوس في صدور الناس - 6 - من الجنة والناس % هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: (الربوبية) و (الملك) والالهية)، فهو رب كل شيء وملكيه والهه، فجميع الاشياء مخلوقة له مملوكة، فامر المستعيذ ان يتعوذ بهذه الصفات {من شر الوسواس الخناس} وهو الشيطان الموكل بالانسان فانه ما من احد من بني ادم الا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يالوه جهدا في الخبال، والمعصوم من عصمه الله، وقد ثبت في الصحيح: "ما منكم من احد الا وقد وكل به قرينه" قالوا: وانت يا رسول الله؟ قال: "نعم الا ان الله اعانني عليه فاسلم فلا يامرني الا بخير". وقد ثبت في الصحيحين "ان الشيطان يجري من بني ادم مجرى الدم، واني خشيت ان يقذف في قلوبكما شيئا - او قال - شرا" (اخرجه الشيخان في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف فلقيه رجلان فقال: "على رسلكما انها صفية" الحديث). وروى الحافظ ابو يعلى الموصلي، عن انس بن مالك، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن ادم، فان ذكر الله خنس، وان نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس" (اخرجه الحافظ الموصلي). وفيه دلالة على ان القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب، وان لم يذكر الله تعاظم وغلب، قال ابن عباس في قوله: {الوسواس الخناس} قال: الشيطان جاثم على قلب ابن ادم، فاذا سها غفل ووسوس، فاذا ذكر الله خنس. وقوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس} هل يختص هذا ببني ادم كما هو الظاهر، او يعم بني ادم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا، وقوله: {من الجنة والناس} هل هو تفصيل لقوله: {الذي يوسوس في صدرو الناس} ثم بينهم فقال: {من الجنة والناس} وهذا يقوي القول الثاني، وقيل قوله: {من الجنة والناس} تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الانس والجن كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا}، وكما قال الامام احمد عن ابي ذر قال: اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: "يا ابا ذر هل صليت؟" قلت: لا، قال: "قم فصل"، قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: "يا ابا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن". قال، فقلت: يارسول الله وللانس شياطين؟ قال: "نعم" (اخرجه الامام احمد وابن ماجه بلفظ اطول)، وروى الامام احمد، عن ابن عباس قال، جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني لاحدث نفسي بالشيء، لان اخر من السماء احب الي من اتكلم به، قال؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله اكبر، الله اكبر، الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة" (اخرجه احمد وابو داود والنسائي).