نظم المتناثر من الحديث المتواتر (مقدمة [عن الحديث المتواتر]) التواتر بمثناتين

نظم المتناثر من الحديث المتواتر

(مقدمة [عن الحديث المتواتر]) التواتر بمثناتين

متسلسل العدد النوع العنوان الوصف
1 - - (مقدمة [عن الحديث المتواتر]) التواتر بمثناتين - وهو في اللغة قال في المحصول مجيء الواحد اثر الواحد بفترة بينهما ومثله للقرافي في التنقيح ومنه قوله تعالى {ثم ارسلنا رسلنا تترا} اي متتابعين رسولا بعد رسول بينهما فترة. وحكى عن ابن بري انه مجيء الشيء بعد الشيء بعضه في اثر بعض وترا وترا او فردا فردا يعني من غير فترة بينهما وحكى القولين في القاموس فقال والتواتر التتابع او مع فترات واقتصر في الصحاح على الثاني في كلامه فقال والمتواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الاشياء الا اذا وقعت بينهما فترة والا فهي مداركة ومواصلة اهـ. وفي شرح القاموس نقلا عن الحياني قال المتواتر الشيء يكون هنيهة ثم يجئ الاخر فاذا تتابعت فليست متواترة انما هي متداركة ومتتابعة قال وقال ابن الاعرابي ترى يترا اذا تراخى في العمل فعمل شيئا بعد شيء وقال الاصمعي واترت الخبر اتبعت وبين الخبرين هنيهة اهـ. فعلم ان الاول في كلامنا وهو الثاني في كلام المجد ارجح والله اعلم - وفي الاصطلاح قال ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث له عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة قال ولابد في اسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من اوله الى منتهاه ومن سئل عن ابراز مثال لذلك فيما يروي من الحديث اعياه تطلبه اهـ. وقال النووي في التقريب هو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم من اول الاسناد الى اخره قال وهو قليل لا يكاد يوجد في روايتهم اهـ. وقال الجرجاني في مختصره والخبر المتواتر ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا احالت العادة تواطئهم على الكذب ويدوم هذا فيكون اوله اخره ووسطه كطرفيه كالقران والصلوات الخمس اهـ. وعبارة التاج في جمع الجوامع هو خبر جمع يمتنع زاد شارحه المحلي وغيره عادة تواطئهم على الكذب عن محسوس فقوله خبر الخبر ما قابل الانشاء وهو ما يحتمل الصدق الذي هو المطابقة للواقع والكذب الذي هو عدم المطابقة بالنظر لذاته والانشاء ما لا يحتملهما وقوله جمع خرج به خبر الواحد والاثنين فانه لا يكون متواترا ولا يسمى بذلك وقوله يمتنع خرج به خبر الجماعة الذين لا يمتنع عليهم التواطؤ او التوافق كقوم فساق او كفار امكن بحسب العادة تواطؤهم او اتفاقهم على خبر فلا يسمى متواترا فان لم يمكن تواطؤهم على الكذب وهم فساق او كفار سمي متواترا وهذا بالنظر الى اصطلاح الاصوليين لان كلامهم في الخبر المتواتر من الناس. واما المحدثون فالظاهر انه لابد عندهم من الاسلام في رواته لان كلامهم في التواتر من الحديث على انه لم يوجد حديث نبوي تواتر بكفار فقط او فساق حتى يكون للمحدثين نظر اليه كذا قال بعضهم ويخدش فيه ان المحدثين صرحوا ايضا بعدم اشتراط الاسلام والعدالة في رواته كما صرح بذلك الاصوليون فليراجع كلامهم وقولهم لا يقبل ويحتج به من الحديث الا ما رواه العدل الضابط بان يكون مسلما بالغا الى اخره ما قالوا في خبر الاحاد لا في المتواتر والله اعلم. وقوله عادة خرج به التجويز العقلي دون نظر الى العادة اي مجردا عنها فانه لا يمتنع ولا يرتفع ولو بلغ الجمع ما عسى ان يبلغ وقوله تواطئهم على الكذب اي لا عمدا ولا غلطا ولا نسيانا وقوله عن محسوس اي امر يدرك بالحس اي باحدى الحواس الخمس الظاهرة كسمع او بصر وخرج به ما كان عن امر معقول اي يدرك بالعقل فانه يجوز الغلط فيه بل قد يتيقن الغلط كخبر الفلاسفة بقدم العالم او بانتفاء الحشر للاجساد فلا يسمى متواترا ولو بلغوا في الكثرة ما عسى ان يبلغوا بل لا يسمى بذلك ولو تيقن صوابه كاخبار اهل مصر من الامصار بحدوث العالم او بوجود الصانع وقد استفيد من هذا انه لابد من افادته للعلم والمتبادر من كلامهم وصرح به غير واحد اشتراط افادته له بنفسه او بقرائن لازمة له اما من احواله المتعلقة به كان يكون لفظا واحدا وتركيبا واحدا او المتعلقة بالخبر عنه كان يكون موسوما بالصدق او بالمخبر به كان يكون من عادته ان يقع اي امرا مستقرب الوقوع احترازا عما اذا افاده بقرائن منفصلة عنه زائدة على ما لا ينفك الخبر عنه كالتفجع وشق الجيب في الخبر بموت الولد او الوالد مثلا فلا يسمى متواترا وبه يعلم ان ما ياتي عن ابن الصلاح وغيره من ان ما اتفق عليه الشيخان او اخرجه احدهما بالاسناد المتصل كالمتواتر معنا كهو في افادة العلم لا في التسمية فانه لا يسمى متواترا اصطلاحا لان افادته للعلم ليست بنفسه بل بقرائن خارجية كتلقي الامة لكتابيهما بالقبول وما اشبه ذلك. وعلى هذا فقول التاج عقب التعريف السابق وحصول العلم اية اجتماع شرائطه معناه حصول العلم منه بنفسه او بقرائن لازمة فقط او مع القرائن المنفصلة واما منها وحدها فلا يكفي لان خبر الاحاد قد يفيد العلم بواسطة ما ينضم اليه من القرائن كما ياتي ثم في عبارته على ما قيل قلب والاصل واجتماع شرائطه اي الامور المحققة له وهي اجزاء ماهيته من كونه جمع الخ اية علامة حصول العلم منه والظاهر هذا انما يتمشى على القول بان العلم الحاصل منه نظري لانه يشترط ح في حصول العلم منه تقدم العلم بالشرائط اي ملاحظتها والالتفات اليها قبل ولا يتمشى على مقابله الراجح من انه ضروري لان ذلك لا يشترط بل الشرط عليه وجود الشرائط في نفس الامر كانت ملحوظة للسامع ملتفتا اليها او غير ملحوظة ولا ملتفت اليها وحصول العلم اية اجتماعها والتاج ذهب على هذا الثاني فلا قلب عبارته والنصوص الموافقة له كثيرة. قال ابن امير الحاج في شرح التحرير ما نصه الضابط للخبر المتواتر حصول العلم فمتى افاد الخبر بمجرده العلم تحققنا انه متواتر وان جميع شرائطه موجودة وان لم يفده ظهر عدم تواتره بفقد شرط من شروطه اهـ وانظر حاشية ابن القاسم العبادي على المحلى ولا بد. ثم ان كانوا طبقة واحدة فواضح انه يحصل التواتر بخبرهم لوجود قيوده المذكورة والا بان كانوا طبقات ولم يخبر عن محسوس الا الطبقة الاولى اشترط كونهم جميعا يمتنع تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات من اول السند الى انتهائه كما اشار اليه السبكي بعد وكما تقدم عن ابن الصلاح والنووي وخرج به ما اذا لم يوجد الجمع في جميعا ووجد في بعضها فقط فانه لا يسمى متواترا لان الحكم في مثله للاقل غريبا او عزيزا حتى يوجد الجمع في كل طبقة ابتداء ووسطا وانتهاء وخرج ايضا ما اذا وجد الجمع ولم يوجد العلم في جميع الطبقات او في بعضها ولو في واحدة منها فانه لا يسمى متواترا بل مشهورا او مستفيضا. قال الشهاب ابن حجر المكي في فتاويه ولا يكفي احتمال التواتر ولا ظنه كما هو معلوم لان المشكوك والمظنون لا ينتج القطع اهـ ثم هذا الذي ذكروه من افادته للعلم هو الحق ومذهب الجمهور معناه في الماضيات والحاضرات وانكره جماعة من العقلاء كالسمانية والبراهمة وقالوا انه لا يفيد الا الظن فيهما معا ومنهم من انكره في الماضيات واعترف به في الحاضرات وانكارهم المذكور مكابرة فانا نجد من انفسنا العلم بالبلاد النائية كمكة والمدينة وبغداد وبالامم الخالية كقوم موسى وعيسى وليس هو الا بالاخبار. قال السعد في شرح النسفية فان قيل خبر كل واحد لا يفيد الا الظن وضم الظن الى الظن لا يوجب اليقين وايضا جواز كذب كل واحد يوجب كذب المجموع لانه نفس الاحاد قلنا ربما يكون مع الاجتماع ما لا يكون مع الانفراد كقوة الحبل المؤلف من الشعرات اهـ والعلم الحاصل به ضروري على الاصح وهو مذهب الجمهور من المحدثين والاصوليين لحصوله لمن لا يتاتى منه النظر كالبله والصبيان ومعنى كونه ضروريا انه يضطر الانسان اليه عند اجتماع الشرائط بحيث لا يمكنه دفعه لا نظري خلافا للكعبي وابي الحسن البصري من المعتزلة وامام الحرمين والغزالي من اهل السنة. (فان قيل) الضروريات لا يقع فيها التفاوت ولا الاختلاف ونحن نجد العلم بكون الواحد نصف الاثنين اقوى من العلم بوجود اسكندر مثلا والمتواتر قد انكر افادة العلم به طوائف كما تقدم (قلنا) هذا ممنوع بل قد تتفاوت انواع الضروري بواسطة التفاوت في الالف والممارسة والاخطار بالبال وتصورات اطراف الاحكام وقد يختلف فيه مكابرة وعنادا كالسوفسطائية في جميع الضروريات والخلاف فيما قالوه لفظي لا حقيقي لان امام الحرمين كما افصح به الغزالي التابع له فسر كون العلم الحاصل به نظريا اخذا من كلام الكعبي بتوقفه على مقدمات حاصلة عند السامع اي على التفات نفسه اليها وملاحظته لها وتقدم علمه بها وهي كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب وكونهم اخبروا عن شيء محسوس لا يشتبه وهذا لا ينافي كونه ضروريا والمنافي لذلك تفسيره بالاحتياج الى النظر عقبه هكذا قالوا وفيه نظر والحق انه حقيقي لان القائل بانه نظري يشترط في حصوله تقدم العلم بالمقدمات والقائل بانه ضروري لا يشترط ذلك بل الشرط عنده وجودها في نفس الامر اعم من ان تكون حاصلة في النفس او مغفولا عنها ولذا يستدلون بحصول العلم على حصولها وتوقف الا مدى من الشافعية والمرتضي الرافضي عن القول بواحد من الضروري والنظري لتعارض دليلهما عندهما من حصوله لمن لا يتاتى منه النظر وتوقفه على تلك المقدمات المحققة له وتوقفهما يدل على انهما فهما ان الخلاف حقيقي كما ذكرنا والتوقف هو الذي صححه صاحب المصادر ايضا والله اعلم ثم التواطؤ المذكور ان وقع بين ذلك الجمع في اللفظ والمعنى زاد بعضهم تبعا لاستظهار ابن قاسم العبادي او في المعنى فقط مع اختلاف اللفظ لانه وان اختلف في حكم المتحد لاتحاد معنى سمى التواتر اللفظي وان اختلفوا فيهما اعني في اللفظ والمعنى معا مع الاتفاق على معنى كلي ولو تضمينا او التزاميا سمى التواتر المعنوي كوقائع حاتم في عطاياه وعلي في حروبه وعمر في عدله وجلادته وابي ذر في زهده وكوقائع الشيخ عبد القادر الجيلاني في كراماته فانها اتفقت على معنى كلي وهو القدر المشترك بين احاد تلك الوقائع وهو جود هذا وشجاعة هذا وعدل هذا وزهد هذا وكرامات هذا فيكون ذلك القدر المشترك بينهما بقطع النظر عن متعلقه متواترا تواترا معنويا وان كانت كل واقعة بانفرادها غير متواترة الا شيئا قليلا من بعض تلك الوقائع فانه وجد متواتر اللفظ ايضا وتردد بعض المتاخرين في الاختلاف في الالفاظ او بعضها مع تقارب المعنى كحديث حنين الجذع فانه روى فيه صاح وخار وجعل يئن وحن وبكى. هل يضر فيكون التواتر معنويا او لا يضر فيكون لفظيا والظاهر انه لا يضر ايضا والا لما صح عد كثير من الاحاديث التي هذا سبيلها من المتواتر اللفظي وقد عدها منه جماعة من الائمة وقول التاج السابق خبر جمع الخ شامل لقسمي اللفظي والمعنوي وفاقا للمحلي والشيخ حلولوا وخلافا للعراقي لان حمله عليها اكثر فائدة والاصح انه لا يشترط في رواته اسلام ولا عدالة ولا بلوغ ولا عدم احتواء بلدة واحدة عليهم فيجوز ان يكونوا كفارا او فساقا او صبيانا وان تحويهم بلدة واحدة وكذا لا يشترط فيهم عدد محصور ولا صفة معينة بل البلوغ الى حد وحالة تحيل العادة معهما تواطئهم على الكذب في جميع الطبقات ولو كان العدد في بعضها قليلا وفي بعضها كثيرا والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد او تزيد عليه كما قرره ابن حجر في نكت علوم الحديث وشرح النخبة وعلى اشتراط العدد اختلف في اقل العدد المشروط بعد اتفاقهم على عدم الاكتفاء بالواحد والاثنين فقيل اربعة قياسا على شهود الزنى وقال القاضي ابو بكر الباقلاني اقطع بان اقول الاربعة لا يفيدون واتوقف في الخمسة وجرى عليه في جمع الجوامع فقال ولا تكفي الاربعة وفاقا للقاضي والشافعية وما زاد عليها صالح من غير ضبط يعني بعدد معين وتوقف القاضي في الخمسة اهـ. وهو يفيد انه لو اتفق الائمة الاربعة بل الخلفاء الاربعة على رواية حديث لا يفيد خبرهم العلم وليس كذلك فالصواب ح القول بانها قد تكفي وقيل خمسة قياسا على اللعان وقيل سبعة لاشتمالها على انصباء الشهادة الثلاثة وهي الاربعة والاثنان والواحد وقيل عشرة لقوله تعالى {تلك عشرة كاملة} لانها اول جموع الكثرة وهذا قاله الاصطخري قال السيوطي في شرح التقريب وهو المختار وكتابه في المتواترات مبني عليه لانه جمع فيه ما رواه عشرة من الصحابة فصاعدا كما تقدم التنبيه عليه وفي الاغارة المصبحة على مانع الاشارة بالمسبحة للعلامة السيد محمد رسول البرزنجي الحسيني اثناء كلام له ما نصه وقد قال الحافظ السيوطي في الازهار المتناثرة في الاخبار المتواترة ان كل حديث رواه عشرة من الصحابة فهو متواتر عندنا معشر اهل الحديث اهـ. وقيل اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل وقيل عشرون لقوله {ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وقيل اربعون لقوله عليه السلام خير السرايا اربعون وقيل خمسون قياسا على القسامة وقيل سبعون لاختيار موسى سبعين رجلا لميقاته حتى يسمعوا كلام الله ويخبروا من وراءهم وقيل ثلاثمائة وبضعة عشر عدة اصحاب طالوت واهل بدر وقيل الف واربعمائة او خمسمائة عدة اهل بيعة الرضوان قال بعضهم وهذه المذاهب كلها باطلة لا تستحق ان يلتفت اليها وشبهاتهم واهية لا حاجة الى التصريح بدفعها اهـ. وقال في ظفر الاماني في شرح مختصر الجرجاني وهذه كلها وامثالها اقوال فاسدة والتحقيق الذي ذهب اليه جمع من المحدثين هو انه لا يشترط للتواتر عدد انما العبرة بحصول العلم القطعي فان رواه جمع غفير ولم يحصل العلم به لا يكون متواترا وان رواه جمع قليل وحصل العلم الضروري يكون متواترا البتة اهـ. (يتبع...) (تابع... 1): - وهو في اللغة قال في المحصول مجيء الواحد اثر الواحد بفترة بينهما... ... والصحيح ان العلم الحاصل منه ان كان عن كثرة العدد وجب حصوله لجميع السامعين وان كان عن القرائن اللازمة له لم يجب ذلك بل قد يحصل لزيد دون عمرو ولقوم دون اخرين لان القرائن قد تقوم عند البعض دون البعض وقيل يجب حصوله للكل مطلقا وقيل لا يجب مطلقا وفيهما نظر وقد يحصل التواتر عند قوم ولا يحصل عند اخرين لبلوغ طرقه المفيدة له الى من حصل عنده دون الاخرين كما انه قد يصح الخبر عند قوم ولا يصح عند اخرين لوصوله الى الاولين من طريق صحيحة او طرق او عدم وصوله الى الاخرين منها بل من طريق اخرى فيها ضعيف او كذاب هذا وذكر ابن الصلاح والنووي ومن تبعهما ان مثال المتواتر على التفسير السابق يعز وجوده وزعم ابن حبان والحازمي انه معدوم بالكلية لا يوجد له مثال قال ابن الصلاح الا ان يدعي ذلك في حديث من كذب علي الخ فانه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم اكثر من ستين نفسا من الصحابة منهم العشرة وليس في الدنيا اجمع على روايته العشرة غيره وتعقب عليه الحافظ ابو الفضل العراقي بحديث مسح الخف فقد رواه اكثر من ستين صحابيا ومنهم العشرة وحديث رفع اليدين في الصلاة فقد رواه نحو خمسين منهم ومنهم العشرة ايضا قال السخاوي في فتح المغيث وكذا الوضوء من مس الذكر قيل ان رواته زادت على ستين وكذا الوضوء مما مست النار وعدمه اهـ وياتي في الكلام على هذا الحديث اعني حديث من كذب علي الجواب عن هذا التعقب وقال الحافظ ابن حجر في توضيح النخبة ما ادعاه ابن الصلاح من العزة ممنوع وكذا ما ادعاه غيره من العدم لان ذلك نشا عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق واحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لابعاد العادة ان يتواطئوا على الكذب او يحصل منهم اتفاقا قال ومن احسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الاحاديث ان الكتب المشهورة المتداولة بايدي اهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها الى مصنفيها اذا اجتمعت على اخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطئهم على الكذب الى اخر الشروط افاد العلم اليقيني بصحة نسبته الى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير اهـ وقد نقله جماعة منهم السيوطي في اتمام الدراية بشرح النقاية وقال عقبه قلت صدق شيخ الاسلام وبر وما قاله هو الصواب الذي لا يمتري فيه من له ممارسة بالحديث واطلاع على طرقه فقد وصف جماعة من المتقدمين والمتاخرين احاديث كثيرة بالتواتر منها حديث انزل هذا القران على سبعة احرف وحديث الحوض وانشقاق القمر واحاديث الهرج والفتن في اخر الزمان. وقد جمعت جزءا في حديث رفع اليدين في الدعاء فوقع لي من طرق تبلغ المائة وعزمت على جمع كتاب في الاحاديث المتواترة يسر الله ذلك بمنه امين اهـ. وقال في شرح التقريب عقب نقل كلام ابن حجر ايضا ما نصه قلت قد الفت في هذا النوع كتابا لم اسبق الى مثله سميته الازهار المتناثرة في الاخبار المتواترة مرتبا على الابواب اوردت فيه كل حديث باسانيد من خرجه وطرقه ثم لخصته في جزء لطيف سميته قطف الازهار اقتصرت فيه على عزو كل طريق لمن اخرجها من الائمة واوردت فيه احاديث كثيرة منها حديث الحوض من رواية نيف وخمسين صحابيا وحديث المسح على الخفين من رواية سبعين صحابيا وحديث رفع اليدين في الصلاة من رواية خمسين وحديث نضر الله امراء سمع مقالتي من رواية نحو ثلاثين وحديث نزل القران على سبعة احرف من رواية سبع وعشرين وحديث من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة من رواية عشرين وكذا حديث كل مسكر حرام وحديث بدا الاسلام غريبا وحديث سؤال منكر ونكير وحديث كل ميسر لما خلق له وحديث المرء مع من احب وحديث ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة وحديث بشر المشاءين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة كلها متواترة في احاديث جمة اودعناها كتابنا المذكور ولله الحمد. ثم ذكر ان اهل الاصول قسموا المتواتر الى لفظي ومعنوي ثم قال قلت وذلك ايضا يتاتى في الحديث فمنه ما تواتر لفظه كالامثلة السابقة ومنه ما تواتر معناه كاحاديث رفع اليدين في الدعاء فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم نحو مائة حديث فيها رفع اليدين في الدعاء وقد جمعتها في جزء لكنها في قضايا مختلفة فكل قضية منها لم تتواتر والقدر المشترك فيها وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع اهـ. وفي الفتح الباري امثلته يعني المتواتر كثيرة منها حديث من بنى لله مسجدا والمسح على الخفين ورفع اليدين والشفاعة والحوض ورؤية الله في الاخرة والائمة من قريش وغير ذلك اهـ. قال الشيخ التاودي في حواشيه على الصحيح وقد نظمت ذلك فقلت. مما تواتر حديث من كذب * ومن بنى الله بيتا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض * ومسح خفين وهاذي بعض وقال السخاوي في فتح المغيث ما نصه وذكر شيخنا يعني ابن حجر من الاحاديث التي وصفت بالتواتر حديث الشفاعة والحوض فان عدد رواتهما من الصحابة زاد على اربعين وممن وصفهما بذلك عياض في الشفاء وحديث من بني لله مسجدا ورؤية الله في الاخرة والائمة من قريش وكذا ذكر عياض في الشفا حديث حنين الجذع وابن حزم حديث النهي عن الصلاة في معاطن الابل وعن اتخاذ القبور مساجد والقول عند الرفع من الركوع والابري في مناقب الشافعي حديث المهدي وابن عبد البر حديث اهتزاز العرش لموت سعد والحاكم حديث خطبة عمر بالجابية والاسراء وان ادريس في الرابعة وغيره حديث انشقاق القمر والنزول وابن بطال حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر والشيخ ابو اسحاق الشيرازي قال بعد ذكر الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الرجلين لا يقال انها اخبار احاد لان مجموعها تواتر معناه وكذا ذكره غيره في التواتر المعنوي كشجاعة على وجود حاتم واخبار الدجال وشيخنا حديث خير الناس قرني وقد افرد ما وصف بذلك في تاليف ام للزركشي او غيره اهـ. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في رسالة الفرقان بين الحق والباطل لما تكلم على الخوارج ما نصه فلهذا جاءت الاحاديث الصحيحة بقتالهم والاحاديث في ذمهم والامر بقتالهم كثيرة جدا وهي متواترة عند اهل الحديث مثل احاديث الرؤية وعذاب القبر وفتنته واحاديث الشفاعة والحوض اهـ. وفي كتاب مسلم الثبوت في اصول الفقه للشيخ محب الله بن عبد الشكور في الكلام على المتواتر ما نصه المتواتر من الحديث قيل لا يوجد وقال ابن الصلاح الا ان يدعي في حديث من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار فان رواته ازيد من مائة صحابي وفيهم العشرة المبشرة وقد يقال مراده التواتر لفظا والا فحديث المسح على الخفين متواتر رواه سبعون صحابيا وقيل حديث انزل القران على سبعة احرف متواتر رواه عشرون من الاصحاب وقال ابن الجوزي تتبعت الاحاديث المتواترة فبلغت جملة منها حديث الشفاعة وحديث الحساب وحديث النظر الى الله تعالى في الاخرة وحديث غسل الرجلين في الوضوء وحديث عذاب القبر وحديث المسح على الخفين اهـ. وفي تاويله لكلام ابن الصلاح شيء مع ما تقدم عن السيوطي من الامثلة الكثيرة لما تواتر لفظا. بل الظاهر انه ما قصد في كتابه في المتواترات الا جمع المتواتر اللفظي وان كان لا يسلم له في كثير من احاديثه وقد اعترض شارح مسلم الثبوت الشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين الانصاري تاويله المذكور قائلا ما نصه ثم في هذا التاويل ايضا شيء فانه قد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم ويل للاعقاب من النار رواه اثنا عشر صحابيا مقطوع بعدالتهم اكثرهم من اصحاب بيعة الرضوان. وقد تقدم تواتر لا نورث ما تركناه صدقة ولعل تاويل قوله انه مبالغة في القلة اهـ وفيه ايضا نظر على ما تقدم عن الحافظ وغيره من كثرة امثلته الا انه اعترض ذلك بعضهم بان الذي له امثلة كثيرة هو المتواتر تواترا معنويا واما المتواتر اللفظي فلا وكثير مما قيل فيه انه لفظي يظهر عند النظر فيه انه معنوي. وفي ظفر الاماني ما نصه ما ذكره في شرح النخبة من الاستدلال على وجود المتواتر ووجود كثرة ضعيف جدا تعقبه من تكلم عليه اهـ. ثم قال شارح مسلم الثبوت عقب ما نقلناه عن اصله في مثال المتواتر ولم يرد يعني مؤلفه الحصر فيه اي فيما ذكر في كلامه فان اعداد الركعات وذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر واحد وسائر الغزوات والاذان والاقامة والجماعة وفضائل الخلفاء الراشدين وفضل اصحاب بدر بعمومهم متواترة من غير ريبة وسيجيء ان شاء الله تعالى حديث لن تجتمع امتي على ضلالة بمعناه متواتر وكذا حديث الحوض والمغفرة والشفاعة وغيرها فافهم اهـ. وبالجملة فالمتواتر من الحديث كثير جدا الا ان اغلبه تواتره معنوي واكثر الامور المعلومة من الدين ضرورة متواترة معنى ومراد العلماء حصر اللفظي لان الثاني لا يكاد ينحصر ولكن نحن نشير في هذا المجموع الذي لا يخلو بحول الله تعالى عن نكات جمة زائدة الى كثير من المتواترات معنى مما وقفت على النص بتواتره تكميلا للفائدة ثم الغالب اني لا اذكر من روى الحديث من الائمة المخرجين وانما اعدد رواته من الصحابة فقط او مع بعض التابعين وتارة استوعب وتارة لا بحسب التيسير ثم اذكر من نص على تواتره من ائمة التحرير لان القصد بيان المتواتر. لا تتبع الطرق ولا بيان من خرجها من ذوي البصائر، ورتبته على الابواب الفقهية، وبدات فيه بحديث الاعمال بالنية. لاستحباب السلف وغيرهم البداءة به والتصدير. في جميع الامور المهمة من غير تقصير؛ مع انه متواتر المعنى، صحيح الاصل والمبنى. وقد قال النووي في اذكاره كان السلف وتابعوهم من الخلف يستحبون افتتاح المصنفات بحديث الاعمال بالنيات تنبيها للمطالع على حسن النية واهتمامه بذلك واعتنائه به روينا عن الامام ابي سعيد عبد الرحمان بن مهدي قال من اراد ان يصنف كتابا فليبدا بهذا الحديث وقال الامام ابو سليمان الخطابي كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الاعمال بالنية امام كل شيء ينشا ويبتدا من امور الدين لعموم الحاجة اليه في جميع انواعها اهـ وقال في بستانه استحب العلماء ان تفتتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدا به البخاري في صحيحه اهـ. (تنبيه) اختلفوا في خبر الواحد المحتف بالقرائن المصدقة له هل يفيد العلم وهو ما عليه الامدى وابن الحاجب وغيرهما واختاره السبكي في جمع الجوامع او لا يفيده مطلقا ولو وجدت القرائن وهو ما عليه الاكثرون. وقال التاج السبكي في شرح المختصر انه الحق او يفيده مطلقا ولو عدمت القرائن بشرط العدالة وعزي الى الامام احمد واستشكل وقال الاستاذ ابو اسحاق الاسفرايني وابن فورك يفيد المستفيض الذي هو من خبر الاحاد عندهما علما نظريا فهي اقوال اربعة حكاها في جمع الجوامع ورجح غير واحد من ائمة الحديث ان خبر الاحاد المحتف بالقرائن اي التي تسكن النفس اليها ولا يبقى معها احتمال البتة تفيد العلم النظري ومن ثم ذهب الحافظ ابو عمرو بن الصلاح في مقدمة علوم الحديث له في جماعة من الائمة منهم من الشافعية ابو اسحاق وابو حامد الاسفرائنيين والقاضي ابو الطيب والشيخ ابو اسحاق الشيرازي ومن الحنفية الامام السرخسي ومن المالكية القاضي عبد الوهاب ومن الحنابلة ابو يعلى وابو الخطاب وابن الزغواني وابن تيمية الى ان ما اتفق على اخراجه الشيخان او اخرجه احدهما بالاسناد المتصل الى النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يبلغ التواتر كالحديث المتواتر في حصول العلم به والقطع بصحته وكان من يسمعه فيهما او في احدهما سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لسموهما وجلالتهما وشفوف تحريهما وتلقي الامة المعصومة في اجماعها عن الخطا لكتابيهما بالقبول تصديقا وعملا وتلقي الامة للخبر المنحط عن درجة المتواتر بالقبول يوجب العلم النظري وعزى النووي في التقريب للمحققين والاكثرين خلافه وان اخراجهما او احدهما للحديث لا يفيد الا الظن يعني القوى وقال في شرحه لمسلم قد اشتد انكار ابن برهان على من قال بما قاله الشيخ يعني ابن الصلاح وبالغ في تغليظه قال السيوطي في شرح التقريب وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول وقال ان بعض المعتزلة يرون ان الامة اذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب رديء اهـ. (يتبع...) (تابع... 2): - وهو في اللغة قال في المحصول مجيء الواحد اثر الواحد بفترة بينهما... ... وقال الحافظ ابن حجر ما ذكره النووي مسلم من جهة الاكثرين اما المحققون فلا فقد وافق ابن الصلاح ايضا محققون وقال في شرح النخبة بعد ذكره لخبر الاحاد المحتف بالقرائن وانه يفيد العلم النظري على المختار خلافا لمن ابى ذلك ما نصه والخبر المحتف بالقرائن انواع منها ما اخرجه الشيخان في صحيحهما مما لم يبلغ التواتر فانه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشان وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول وهذا التلقي وحده اقوى في افادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر الا ان هذا مختص بما لم ينتقده احد من الحفاظ مما في الكتابين وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين حيث لا ترجيح لاستحالة ان يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لاحدهما على الاخر وما عدى ذلك فالاجماع حاصل على تسليم صحته فان قيل انما اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحته اي القطع بها منعناه وسند المنع انهم متفقون على وجوب العمل بكل ما صح ولم يخرجه الشيخان فلم يبق للصحيحين في هذا مزية والاجماع حاصل على ان لهما مزية فيما يرجع الى نفس الصحة وممن صرح بافادة ما خرجه الشيخان العلم النظري الاستاذ ابو اسحاق الاسفرايني ومن ائمة الحديث ابو عبد الله الحميدي وابو الفضل ابن طاهر وغيرهما ويحتمل ان يقال المزية المذكورة كون احاديثهما اصح الحديث ومنها اي انواع المحتف المشهور اذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل وممن صرح بافادته العلم النظري الاستاذ ابو منصور البغدادي والاستاذ ابو بكر بن فورك وغيرهما. ومنها المسلسل بالائمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا كالحديث الذي يرويه احمد بن حنبل ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك بن انس فانه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته وان فيهم من الصفات اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم انظر بقية كلامه. وممن انتصر لابن الصلاح سراج الدين البلقيني وقال ابن كثير انا مع ابن الصلاح فيما عول عليه واشار اليه قال السيوطي في شرح التقريب هو الذي اختاره ولا اعتقد سواه قال السخاوي في فتح المغيث على ان شيخنا قد ذكر في توضيح النخبة ان الخلاف في التحقيق لفظي قال لان من جوز اطلاق العلم قيده بكونه نظريا وهو الحاصل عن الاستدلال ومن ابي الاطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر وما عداه عنده ظني لكنه لا ينفي ان ما احتف بالقرائن ارجح مما خلا عنها اهـ وفيه ان ارجحيته لا توجب العلم وانما توجب الظن القوي فهذا التوفيق فيه نظر وقد انتصر جماعة من المتاخرين في هذه المسالة للنووي ومن وافقه وبالغوا في رد ما لابن الصلاح وابن حجر ومن ذكر معهما وقالوا ان جلالة شان البخاري ومسلم وتلقي الامة لكتابيهما بالقبول والاجماع على المزية لا يستلزم القطع والعلم غاية ما يلزم ان احاديثهما اصح الصحيح لاشتمالها على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال وهذا لا يفيد الا الظن القوي اي المزاحم لليقين ولا يفيد اليقين قالوا وهذا هو الحق الذي يجب ان يعول عليه. (قلت) ويؤيده حكم جماعة من اهل الكشف على بعض احاديثهما بعدم الوقوع كحديث شق الصدر الشريف ليلة الاسراء الواقع في الصحيحين وانكره صاحب الابريز كشفا وراجع شروح توضيح النخبة للحافظ ابن حجر تستفد وهذا اوان الشروع في المقصود بعون الله الملك المعبود.