الاذكار النووية كتاب حفظ اللسان

الاذكار النووية

كتاب حفظ اللسان

متسلسل العدد النوع العنوان الوصف
1 - - كتاب حفظ اللسان
2 15 احاديث 313ـ باب حفظ اللسان قال الله تعالى: {وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} [ق:18] وقال الله تعالى: {ان ربك لبالمرصاد} [الفجر:14]. وقد ذكرت ما يسره الله سبحانه وتعالى من الاذكار المستحبة ونحوها فيما سبق، واردت ان اضم اليها ما يكره او يحرم من الالفاظ ليكون الكتاب جامعا لاحكام الالفاظ، ومبينا اقسامها، فاذكر من ذلك مقاصد يحتاج الى معرفتها كل متدين، واكثر ما اذكره معروف، فلهذا اترك الادلة في اكثره، وبالله التوفيق. [فصل]: اعلم انه لكل مكلف ان يحفظ لسانه عن جميع الكلام الا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الامساك عنه، لانه قد ينجر الكلام المباح الى حرام او مكروه، بل هذا كثير او غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
3 8 احاديث 314ـ باب تحريم الغيبة والنميمة اعلم ان هاتين الخصلتين من اقبح القبائح واكثرها انتشارا في الناس، حتى ما يسلم منهما الا القليل من الناس، فلعموم الحاجة الى التحذير منهما بدات بهما. فاما الغيبة: فهي ذكرك الانسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه او دينه او دنياه، او نفسه او خلقه او خلقه، او ماله او ولده او والده، او زوجه او خادمه او مملوكه، او عمامته او ثوبه، او مشيته وحركته وبشاشته، وخلاعته وعبوسه وطلاقته، او غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك او كتابك، او رمزت او اشرت اليه بعينك او يدك او راسك او نحو ذلك. اما البدن فكقولك: اعمى اعرج اعمش اقرع، قصير طويل اسود اصفر. واما الدين فكقولك: فاسق سارق خائن، ظالم متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارا بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها، لا يجتنب الغيبة. واما الدنيا: فقليل الادب، يتهاون بالناس، لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الاكل او النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه، واما المتعلق بوالده فكقوله: ابوه فاسق، او هندي او نبطي او زنجي، اسكاف بزاز نخاس نجار حداد حائك. واما الخلق فكقوله: سيء الخلق، متكبر مراء، عجول جبار، عاجز ضعيف القلب، متهور عبوس، خليع، ونحوه. واما الثوب: فواسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثوب وننحو ذلك، ويقاس الباقي بما ذكرناه. وضابطه: ذكره بما يكره. وقد نقل الامام ابو حامد الغزالي اجماع المسلمين على ان الغيبة: ذكرك غيرك بما يكره، وسياتي الحديث الصحيح المصرح بذلك. واما النميمة: فهي نقل كلام الناس بعضهم الى بعض على جهة الافساد. هذا بيانهما. واما حكمهما، فهما محرمتان باجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمهما الدلائل الصريحة من الكتاب والسنة واجماع الامة، قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [الحجرات:12] وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة:1] وقال تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم:11] (هماز: غياب، او مغتاب للناس) .
4 - - 315ـ باب بيان مهمات تتعلق بحد الغيبة قد ذكرنا في الباب السابق ان الغيبة: ذكرك الاسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك او في كتابك، او رمزت او اشرت اليه بعينك او يدك او راسك. وضابطه: كل ما افهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة، ومن ذلك المحاكاة بان يمشي متعارجا او مطاطئا او على غير ذلك من الهيئات، مريدا حكاية هيئة من يتنقصه بذلك، فكل ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك اذا ذكر مصنف كتاب شخصا بعينه في كتابه قائلا: قال فلان كذا مريدا تنقيصه (كذا في "ا" وفي بقية النسخ "تنقصه") والشناعة عليه، فهو حرام، فان اراد بيان غلطه لئلا يقلد او بيان ضعفه في العلم لئلا يغتر به ويقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة يثاب عليها اذا اراد ذلك، وكذا اذا قال المصنف او غيره: قال قوم او جماعة كذا، وهذا غلط او خطا او جهالة وغفلة، ونحو ذلك فليس غيبة، انما الغيبة ذكر الانسان بعينه او جماعة معينين. ومن الغيبة المحرمة قولك: فعل كذا بعض الناس او بعض الفقهاء، او بعض من يدعي العلم، او بعض المفتين، او بعض من ينسب الى الصلاح او يدعي الزهد، او بعض من مر بنا اليوم، او بعض من رايناه، او نحو ذلك اذا كان المخاطب يفهمه بعينه؛ لحصول التفهيم. ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فانهم يعرضون بالغيبة تعريضا يفهم به كما يفهم بالصريح، فيقال لاحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسال الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الشر، الله يعافينا من قلة الحياء، الله يتوب علينا وما اشبه ذلك مما يفهم منه تنقصه، فكل ذلك غيبة محرمة، وكذلك اذا قال: فلان يبتلى بما ابتلينا به كلنا، او ماله حيلة في هذا، كلنا نفعله، وهذه امثلة والا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص انسان كما سبق، وكل هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن صحيح مسلم وغيره في حد الغيبة، والله اعلم. [فصل]: اعلم ان الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها واقرارها فيجب على من سمع انسانا يبتدىء بغيبة محرمة ان ينهاه ان لم يخف ضررا ظاهرا، فان خافه وجب عليه الانكار بقلبه ومفارقة ذلك المجلس ان تمكن من مفارقته، فان قدر على الانكار بلسانه او على قطع الغيبة بكلام اخر لزمه ذلك، فان لم يفعل عصى، فان قال بلسانه اسكت وهو يشتهي بقلبه استمراره، فقال ابو حامد الغزالي: ذلك نفاق لا يخرجه عن الاثم، ولا بد من كراهته بقلبه، ومتى اضطر الى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الانكار او انكر فلم يقبل منه ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والاصغاء للغيبة، بل طريقه ان يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، او بقلبه، او يفكر في امر اخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع واصغاء في هذه الحالة المذكورة، فان تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: {واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الانعام:68]. وروينا عن ابراهيم بن ادهم رضي الله عنه؛ انه دعي الى وليمة، فحضر، فذكروا رجلا لم ياتهم، فقالوا: انه ثقيل، فقال ابراهيم: انا فعلت هذا بنفسي حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس، فخرج ولم ياكل ثلاثة ايام. ومما انشدوه في هذا: وسمعك صن عن سماع القبيح * كصون اللسان عن النطق به فانك عند سماع القبيح * شريك لقائله فانتبه
5 - - 316ـ باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه اعلم ان هذا الباب له ادلة كثيرة في الكتاب والسنة، ولكني اقتصر منه على الاشارة الى احرف، فمن كان موفقا انزجر بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات. وعمدة الباب ان يعرض على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول الله تعالى: {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} [ق:18] وقوله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور:15] وما ذكرناه من الحديث الصحيح "ان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" (البخاري (6478) وقد تقدم برقم 5/878) وغير ذلك مما قدمناه في باب حفظ اللسان وباب الغيبة، ويضم الى ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر الي. وعن الحسن البصري رحمه الله ان رجلا قال له: انك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرك عندي ان احكمك في حسناتي. وروينا عن ابن المبارك رحمه الله قال: لو كنت مغتابا احدا لاغتبت والدي لانهما احق بحسناتي.
6 4 احاديث 317ـ باب بيان ما يباح من الغيبة اعلم ان الغيبة وان كانت محرمة فانها تباح في احوال للمصلحة، والمجوز لها غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول اليه الا بها، وهو احد ستة اسباب: الاول: التظلم، فيجوز للمظلوم ان يتظلم الى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية او له قدرة على انصافه من ظالمه فيذكر ان فلانا ظلمني وفعل بي كذا واخذ لي كذا، ونحو ذلك. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي الى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على ازالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوسل الى ازالة المنكر، فان لم يقصد ذلك كان حراما. الثالث: الاستفتاء، بان يقول للمفتي: ظلمني ابي او اخي او فلان بكذا، فهل له ذلك ام لا؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقي ودفع الظلم عني ونحو ذلك؟. وكذلك قوله: زوجتي تفعل معي كذا، او زوجي يفعل كذا ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الاحوط ان يقول: ما تقول في رجل كان من امره كذا، او في زوج او زوجة تفعل كذا، ونحو ذلك، فانه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك التعيين جائز لحديث هند الذي سنذكره ان شاء الله تعالى وقولها: يا رسول الله! ان ابا سفيان رجل شحيح.. الحديث. ولم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز باجماع المسلمين، بل واجب للحاجة. ومننها ما استشارك انسان في مصاهرته او مشاركته او ايداعه او الايداع عنده او معاملته بغير ذلك وجب عليك ان تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فان حصل الغرض بمجرد قولك لا تصلح لك معاملته او مصاهرته او لا تفعل هذا او نحو ذلك لم تجز الزيادة بذكر المساوىء، وان لم يحصل الغرض الا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه. ومنها اذا رايت من يشتري عبدا معروفا بالسرقة او الزنا او الشرب او غيرها، فعليك ان تبين ذلك للمشتري ان لم يكن عالما به، ولا يختص بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيبا وجب عليه بيانه للمشتري اذا لم يعلمه. ومنها اذا رايت متفقها يتردد الى مبتدع او فاسق ياخذ عنه العلم خفت ان يتضرر المتفقه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويشترط ان يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، او يلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل اليه انه نصيحة وشفقة، فليتفطن لذلك. ومنها ان لا يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، اما بان لا يكون صالحا لها، واما بان يكون فاسقا او مغفلا ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولي من يصلح، او يعلم ذلك منه لتعامله بمقتضة حاله ولا يغتر به، وان يسعى في ان يحثه على الاستقامة او يستبدل به. الخامس: ان يكون مجاهرا بفسقه او بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، او مصادرة الناس واخذ المكس، وجباية الاموال ظلما، وتولي الامور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب الا ان يكون لجوازه سبب اخر مما ذكرناه. السادس: التعريف، فاذا كان الانسان معروفا بلقب كالاعمش والاعرج والاصم والاعمى والاحول والافطس وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم اطلاقه على جهة النقص، ولو امكن التعريف بغيره كان اولى. فهذه ستة اسباب ذكرها العلماء مما تباح بها الغيبة على ما ذكرناه. وممن نص عليها هكذا الامام ابو حامد الغزالي في الاحياء واخرون من العلماء، ودلائلها ظاهرة من الاحاديث الصحيحة المشهورة، واكثر هذه الاسباب مجمع على جواز الغيبة بها.
7 6 احاديث 318ـ باب امر من سمع غيبة شيخه او صاحبه او غيرهما اعلم انه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم ان يردها ويزجر قائلها، فان لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فان لم يستطع باليد ولا باللسان، فارق ذلك المجلس، فان سمع غيبة شيخه او غيره ممن له عليه حق، او كان من اهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه اكثر.
8 1 احاديث 319ـ باب الغيبة بالقلب اعلم ان سوء الظن حرام مثل القول: فكما يحرم ان تحدث غيرك بمساوىء انسان، يحرم ان تحدث نفسك بذلك وتسيء الظن به، قال الله تعالى: {اجتنبوا كثيرا من الظن} [الحجرات:12].
9 - - 320ـ باب كفارة الغيبة والتوبة منها اعلم ان كل من ارتكب معصية لزمه المبادرة الى التوبة منها، والتوبة من حقوق الله تعالى يشترط فيها ثلاثة اشياء: ان يقلع عن المعصية في الحال، وان يندم على فعلها، وان يعزم الا يعود اليها. والتوبة من حقوق الادميين يشترط فيها هذه الثلاثة، ورابع: وهو رد الظلامة الى صاحبها، او طلب عفوه عنها والابراء منها؛ فيجب على المغتاب التوبة بهذه الامور الاربعة، لان الغيبة حق ادمي، ولا بد من استحلاله من اغتابه، وهل يكفيه ان يقول: قد اغتبتك فاجعلني في حل، ام لا بد ان يبين ما اغتابه به؟ فيه وجهان لاصحاب الشافعي رحمهم الله: احدهما يشترط بيانه، فان ابراه من غير بيانه لم يصح؛ كما لو ابراه عن مال مجهول. والثاني لا يشترط، لان هذا مما يتسامح فيه فلا يشترط علمه بخلاف المال. والاول اظهر، لان الانسان قد يسمح بالعفو عن غيبة دون غيبة؛ فان كان صاحب الغيبة ميتا او غائبا فقد تعذر تحصيل البراءة منها؛ لكن قال العلماء: ينبغي ان يكثر الاستغفار له والدعاء ويكثر من الحسنات. واعلم انه يستحب لصاحب الغيبة ان يبرئه منها ولا يجب عليه ذلك لانه تبرع واسقاط حق، فكان الى خيرته، ولكن يستحب له استحبابا متاكدا الابراء، ليخلص اخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [ال عمران: 134] وطريقه في تطبيب نفسه بالعفو ان يذكر نفسه ان هذا الامر قد وقع، ولا سبيل الى رفعه فلا ينبغي ان افوت ثوابه وخلاص اخي المسلم، وقد قال الله تعالى: {ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الامور} [الشورى:43] وقال تعالى: {خذ العفو} [الاعراف:199]. والايات بنحو ما ذكرنا كثيرة. وفي الحديث الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه" (مسلم (2699) ، وهو جزء من حديث طويل؛ عن ابي هريرة رضي الله عنه واوله "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا") . وقد قال الشافعي رحمه الله: من استرضي فلم يرض فهو شيطان. وقد انشد المتقدمون (في هامش "ا": "وفي نسخة: وقد انشد المتقدمون في هذا المعنى") : قيل لي قد اساء اليك فلان * ومقام الفتى على الذل عار قلت قد جاءنا واحدث عذرا * دية الذنب عندنا الاعتذار فهذا الذي ذكرناه من الحث على الابراء عن الغيبة هو الصواب. واما ما جاء عن سعيد بن المسيب انه قال: لا احلل من ظلمني، وعن ابن سيرين: لم احرمها عليه فاحللها له، لان الله تعالى حرم الغيبة عليه، وما كنت لاحلل ما حرمه الله تعالى ابدا. فهو ضعيف او غلط، فان المبرىء لا يحلل محرما، وانما يسقط حقا ثبت له، وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على استحباب العفو واسقاط الحقوق المختصة بالمسقط. او يحمل كلام ابن سيرين على اني لا ابيح غيبتي ابدا، وهذا صحيح، فان الانسان لو قال: ابحت عرضي لمن اغتابني لم يصر مباحا، بل يحرم على كل احد غيبته كما يحرم غيبة غيره. واما الحديث: "ايعجز احدكم ان يكون كابي ضمضم، كان اذا خرج من بيته قال اني تصدقت بعرضي على الناس" (ابو داود (4886) عن قتادة، و (4887) عن عبد الرحمن بن عجلان؛ فالروايتان مرسلتان، وضعيفتان) فمعناه: لا اطلب مظلمتي ممن ظلمني لا في الدنيا ولا في الاخرة، وهذا ينفع في اسقاط مظلمة كانت موجودة قبل الابراء. فاما يحدث بعده فلا بد من ابراء جديد بعدها، وبالله التوفيق.
10 - - 321ـ باب في النميمة قد ذكرنا تحريمها ودلائلها وما جاء في الوعيد عليها وذكرنا بيان حقيقتها ولكنه مختصر، ونزيد الان في شرحه. قال الامام ابو حامد الغزالي رحمه الله: النميمة انما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير الى المقول فيه، كقوله: فلان يقول فيك كذا، وليست النميمة مخصوصة بذلك، بل حدها كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه، او المنقول اليه، او ثالث، وسواء كان الكشف بالقول او الكتابة او الرمز او الايماء او نحوها، وسواء كان المنقول من الاقوال او الاعمال، وسواء كان عيبا او غيره، فحقيقة النميمة افشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، وينبغي للانسان ان يسكت عن كل ما راه من احوال الناس الا ما في حكايته فائدة لمسلم او دفع معصية، واذا راه يخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة. قال: وكل من حملت اليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه ستة امور: الاول: ان لا يصدقه، لان النمام فاسق وهو مردود الخبر. الثاني: ان ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله. الثالث: ان يبغضه في الله تعالى فانه بغيض عند الله تعالى، والبغض في الله تعالى واجب. الرابع: ان لا يظن بالمنقول عنه السوء لقول الله تعالى: {اجتنبوا كثيرا من الظن} [الحجرات:12]. الخامس: ان لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال الله تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات:12]. السادس: ان لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته. وقد جاء ان رجلا ذكر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلا بشيء، فقال عمر: ان شئت نظرنا في امرك، فان كنت كاذبا فانت من اهل هذه الاية: {ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا} [الحجرات:6] وان كنت صادقا فانت من اهل هذه الاية: {هماز مشاء بنميم} [القلم:11] وان شئت عفونا عنك، قال: العفو يا امير المؤمنين! لا اعود اليه ابدا. ورفع انسان رقعة الى الصاحب بن عباد يحثه فيها على اخذ مال يتيم، وكان مالا كثيرا، فكتب على ظهرها: النميمة قبيحة وان كانت صحيحة، والميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمره الله، والساعي لعنه الله.
11 1 احاديث 322ـ باب النهي عن نقل الحديث الى ولاة الامور اذا لم تدع اليه ضرورة لخوف مفسدة ونحوها
12 1 احاديث 323ـ باب النهي عن الطعن في الانساب الثابتة في ظاهر الشرع قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا} [الاسراء:36].
13 1 احاديث 324ـ باب النهي عن الافتخار قال الله تعالى: {فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى} [النجم:32].
14 1 احاديث 325ـ باب النهي عن اظهار الشماتة بالمسلم
15 2 احاديث 326ـ باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم قال الله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون الا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم} [التوبة:79] وقال تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تابزوا بالالقاب} الاية [الحجرات:11]، وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة:1]. واما الاحاديث الصحيحة في هذا الباب فاكثر من ان تحصر، واجماع الامة منعقد على تحريم ذلك، والله اعلم.
16 1 احاديث 327ـ باب غلظ تحريم شهادة الزور قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج:30] وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا} [الاسراء:36].
17 1 احاديث 328ـ باب النهي عن المن بالعطية ونحوها قال الله تعالى: {يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى} [البقرة:264] قال المفسرون: اي لا تبطلوا ثوابها.
18 17 احاديث 329ـ باب النهي عن اللعن [فصل]: في جواز لعن اصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين؛ ثبت في الاحاديث الصحيحة المشهورة %ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة" (البخاري (5131) ، ومسلم (2125) ) الحديث، وانه قال: "لعن الله اكل الربا" (مسلم (1597) ) الحديث، وانه قال: "لعن الله المصورين" (البخاري (2238) و (2086) ) وانه قال: "لعن الله من غير منار الارض" (مسلم (1978) ، والنسائي 7/232) وانه قال "لعن الله السارق يسرق البيضة (مسلم (1978) ، والنسائي 7/232) وانه قال: "لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله" (مسلم (1978) ، والنسائي 7/232) وانه قال "من احدث فينا حدثا او اوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين" (البخاري (6783) ، ومسلم (1687) ) وانه قال: "اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" (البخاري (4090) ، ومسلم (675) ، وتقدم برقم 2/790) وهذه ثلاث قبائل من العرب، وانه قال: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" (البخاري (2223) ، ومسلم (1582) ، و"جملوها": اذابوها) وانه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد" (البخاري (435) ، ومسلم (530) ) وانه "لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" (البخاري (5886) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) . وجميع هذه الالفاظ في صحيحي البخاري ومسلم بعضها فيهما وبعضها في احدهما، وانما اشرت اليها ولم اذكر طرقها للاختصار. [فصل]: اعلم ان لعن المسلم المصون حرام باجماع المسلمين، ويجوز لعن اصحاب الاوصاف المذمومة كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله الفاسقين، لعن الله المصورين، ونحو ذلك مما تقدم في الفصل السابق. واما لعن الانسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي؛ كيهودي او نصراني او ظالم او زان او مصور او سارق او اكل ربا، فظواهر الاحاديث انه ليس بحرام. واشار الغزالي الى تحريمه الا في حق من علمنا انه مات على الكفر كابي لهب وابي جهل وفرعون وهامان واشباههم، قال: لان اللعن هو الابعاد عن رحمة الله تعالى، وما ندري ما يتم به لهذا الفاسق او الكافر. قال: واما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم باعيانهم فيجوز انه صلى الله عليه وسلم علم موتهم على الكفر. قال: ويقرب من اللعن الدعاء على الانسان بالشر حتى الدعاء على الظالم؛ كقول الانسان: لا اصح الله جسمه، ولا سلمه الله، وما جرى مجراه، وكل ذلك مذموم، وكذلك لعن جميع الحيوانات والجماد فكله مذموم. [فصل]: حكى ابو جعفر النحاس عن بعض العلماء انه قال: اذا لعن الانسان ما لا يستحق اللعن، فليبادر بقوله: الا ان يكون لا يستحق. [فصل]: ويجوز للامر بالمعروف والناهي عن المنكر وكل مؤدب ان يقول من يخاطبه في ذلك الامر: ويلك، او يا ضعيف الحال! او يا قليل النظر لنفسه! او يا ظالم نفسه! وما اشبه ذلك بحيث لا يتجاوز الى الكذب، ولا يكون فيه لفظ قذف، صريحا كان او كناية او تعريضا، ولو كان صادقا في ذلك، وانما يجوز ما قدمناه ويكون الغرض منه التاديب والزجر، وليكون الكلام اوقع في النفس.
19 1 احاديث 330ـ باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم، والانة القول لهم والتواضع معهم قال الله تعالى: {فاما اليتيم فلا تقهر، واما السائل فلا تنهر} [الضحى: 9ـ10] وقال تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الى قوله تعالى: {فتطردهم فتكون من الظالمين} [الانعام:52] وقال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم} [الكهف: 28] وقال تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر:88].
20 48 احاديث 331ـ باب في الفاظ يكره استعمالها [فصل]: [فصل]: [فصل]: [فصل]: ويكره ان يقول: مطرنا بنوء كذا، فان قاله معتقدا ان الكوكب هو الفاعل هو كفر، وان قاله معتقدا ان الله تعالى هو الفاعل وان النوء المذكور علامة لنزول المطر لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروها لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعمله، مع انه مشترك بين ارادة الكفر وغيره، وقد قدمنا الحديث الصحيح المتعلق بهذا الفصل في باب ما يقول عند نزول المطر. [فصل]: يحرم ان يقول ان فعلت كذا فانا يهودي او نصراني، او بريء من الاسلام ونحو ذلك، فان قاله واراد حقيقة تعليق خروجه عن الاسلام بذلك صار كافرا في الحال وجرت عليه احكام المرتدين، وان لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرما، فيجب عليه التوبة، وهي ان يقلع في الحال عن معصيته ويندم على ما فعل ويعزم على ان لا يعود اليه ابدا ويستغفر الله تعالى ويقول: لا اله الا الله محمد رسول الله. [فصل]: يحرم عليه تحريما مغلظا ان يقول لمسلم: يا كافر! [فصل]: لو دعا مسلم على مسلم فقال: اللهم اسلبه الايمان عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لاصحابنا حكاهما القاضي حسين من ائمة اصحابنا في الفتاوى اصحهما لا يكفر، وقد يحتج لهذا بقول الله تعالى اخبارا عن موسى صلى الله عليه وسلم: {ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا} الاية [يونس: 88]، وفي هذا الاستدلال نظر، وان قلنا ان شرع من قبلنا شرع لنا. [فصل]: لو اكره الكفار مسلما على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالايمان لم يكفر بنص القران (قال تعالى: {الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان} [النحل:106]) واجماع المسلمين، وهل الافضل ان يتكلم بها ليصون نفسه من القتل؟ فيه خمسة اوجه لاصحابنا، الصحيح ان الافضل ان يصبر للقتل ولا يتكلم بالكفر، ودلائله من الاحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورة، والثاني الافضل ان يتكلم ليصون نفسه من القتل. والثالث ان كان في بقائه مصلحة للمسلمين بان كان يرجو النكاية في العدو او القيام باحكام الشرع، فالافضل ان يتكلم بها، وان لم يكن كذلك فالصبر على القتل افضل. والرابع ان كان من العلماء ونحوهم ممن يقتدى بهم فالافضل الصبر لئلا يغتر به العوام. والخامس انه يجب عليه التكلم لقول الله تعالى: {ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة} [البقرة:195] وهذا الوجه ضعيف جدا. [فصل]: لو اكره المسلم كافرا على الاسلام فنطق بالشهادتين، فان كان الكافر حربيا صح اسلامه، لانه اكراه بحق؛ وان كان ذميا لم يصر مسلما لانا التزمنا الكف عنه، فاكراهه بغير حق، وفيه قول ضعيف انه يصير مسلما لانه امره بالحق. [فصل]: اذا نطق الكافر بالشهادتين بغير اكراه، فان كان على سبيل الحكاية بان قال: سمعت زيدا يقول: لا اله الا الله محمد رسول الله. لم يحكم باسلامه، وان نطق بهما بعد استدعاء مسلم بان قال له مسلم: قل لا اله الا الله محمد رسول الله، فقالهما، صار مسلما؛ وان قالهما ابتداء لا حكاية ولا باستدعاء، فالمذهب الصحيح المشهور الذي عليه جمهور اصحابنا انه يصير مسلما، وقيل لا يصير لاحتمال الحكاية. [فصل]: ينبغي ان لا يقال للقائم بامر المسلمين خليفة الله، بل يقال الخليفة، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين. روينا في شرح السنة للامام ابي محمد البغوي رضي الله عنه قال رحمه الله: لا باس ان يسمى القائم بامر المسلمين امير المؤمنين والخليفة، وان كان مخالفا لسيرة ائمة العدل لقيامه بامر المؤمنين وسمع المؤمنين له. قال: ويسمى خليفة لانه خلف الماضي قبله وقام مقامه. قال: ولا يسمى احد خليفة الله تعالى بعد ادم وداود عليهما الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {اني جاعل في الارض خليفة} [البقرة:30] وقال تعالى: {يا داود انا جعلناك خليفة في الارض} [ص:26] وعن ابن ابي مليكة ان رجلا قال لابي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: انا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم، وانا راض بذلك. وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: ويلك لقد تناولت تناولا بعيدا، ان امي سمتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلت، ثم كبرت فكنيت ابا حفص، فلو دعوتني به قبلت، ثم وليتموني اموركم فسميتوني امير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك. وذكر الامام اقضى القضاة ابو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الاحكام السلطانية" ان الامام سمي خليفة؛ لانه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في امته، قال: فيجوز ان يقال الخليفة على الاطلاق، ويجوز خليفة رسول الله. قال: واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله، فجوزه بعضهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الارض} [فاطر:39] وامتنع جمهور العلماء من ذلك ونسبوا قائله الى الفجور، هذا كلام الماوردي. قلت: واول من سمي امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا خلاف في ذلك بين اهل العلم. واما ما توهمه بعض الجهلة في مسيلمة فخطا صريح وجهل قبيح مخالف لاجماع العلماء، وكتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على ان اول من سمي امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد ذكر الامام الحافظ ابو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" في اسماء الصحابة رضي الله عنهم بيان تسمية عمر امير المؤمنين اولا، وبيان سبب ذلك، وانه كان يقال في ابي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فصل]: يحرم تحريما غليظا ان يقول للسلطان وغيره من الخلق شاهان شاه، لان معناه ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى. [فصل]: في لفظ السيد. اعلم ان السيد يطلق على الذي يفوق قومه ويرتفع قدره عليهم، ويطلق على الزعيم والفاضل، ويطلق على الحليم الذي لا يستفزه غضبه، ويطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت احاديث كثيرة باطلاق سيد على اهل الفضل. [فصل]: يكره ان يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول، سيدي، وان شاء قال: مولاي. ويكره للمالك ان يقول: عبدي وامتي، ولكن يقول: فتاي وفتاتي او غلامي. [فصل]: قال الامام ابو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكتاب": اما المولى فلا نعلم اختلافا بين العلماء انه لا ينبغي لاحد ان يقول لاحد من المخلوقين: مولاي. قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز اطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فان النحاس تكلم في المولى بالالف واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد بالالف واللام لغير الله تعالى؛ والاظهر انه لا باس بقوله المولى والسيد بالالف واللام بشرطه السابق. [فصل]: في النهي عن سب الريح. وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبها وبيانهما في باب ما يقول اذا هاجت الريح (تقدم الباب المذكور برقم 136 ص 297) . [فصل]: يكره سب الحمى. [فصل]: في النهي عن سب الديك. [فصل]: في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذم استعمال الفاظهم. [فصل]: ويكره ان يسمى المحرم صفرا، لان ذلك من عادة الجاهلية. [فصل]: يحرم ان يدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافرا، قال الله تعالى: {ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم} [التوبة:113] وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه. [فصل]: يحرم سب المسلم من غير سبب شرعي يجوز ذلك. [فصل]: ومن الالفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه، يا حمار! يا تيس! يا كلب! ونحو ذلك؛ فهذا قبيح لوجهين: احدهما انه كذب، والاخر انه ايذاء؛ وهذا بخلاف قوله: يا ظالم! ونحوه، فان ذلك يسامح به لضرورة المخاصمة، مع انه يصدق غالبا، فقل انسان الا وهو ظالم لنفسه ولغيرها. [فصل]: قال النحاس: كره بعض العلماء ان يقال: ما كان معي خلق الا الله. قلت: سبب الكراهة بشاعة اللفظ من حيث ان الاصل في الاستثناء ان يكون متصلا وهو هنا محال، وانما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديره ولكن كان الله معي، ماخوذ من قوله: {وهو معكم} وينبغي ان يقال بدل هذا: ما كان معي احد الا الله سبحانه وتعالى، قال: وكره ان يقال: اجلس على اسم الله، وليقل اجلس باسم الله. [فصل]: حكى النحاس عن بعض السلف انه يكره ان يقول الصائم: وحق هذا الخاتم الذي على فمي، واحتج له بانه انما يختم على افواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وانما حجته انه حلف بغير الله سبحانه وتعالى، وسياتي النهي عن ذلك ان شاء الله تعالى قريبا، فهذا مكروه لما ذكرنا، ولما فيه من اظهار صومه لغير حاجة، والله اعلم. [فصل]: [فصل]: في النهي ان يتناجى الرجلان اذا كان معهما ثالث وحده. [فصل]: في نهي المراة ان تخبر زوجها او غيره بحسن بدن امراة اخرى اذا لم تدع اليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك. [فصل]: يكره ان يقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وانما يقال له: بارك الله لك وبارك عليك، كما ذكرناه في كتاب النكاح. [فصل]: روى النحاس عن ابي بكر محمد بن يحيى ـ وكان احد الفقهاء الادباء ـ انه قال: يكره ان يقال لاحد عند الغضب: اذكر الله تعالى؛ خوفا من ان يحمله الغضب على الكفر، قال: وكذا لا يقال له: صل على النبي صلى الله عليه وسلم، خوفا من هذا. [فصل]: من اقبح الالفاظ المذمومة، ما يعتاده كثيرون من الناس اذا اراد ان يحلف على شيء فيتورع عن قوله: والله، كراهية الحنث او اجلالا لله تعالى وتصونا عن الحلف، ثم يقول: الله يعلم ما كان كذا، او لقد كان كذا ونحوه، وهذه العبارة فيها خطر، فان كان صاحبها متيقنا ان الامر كما قال فلا باس بها، وان كان تشكك في ذلك فهو من اقبح القبائح لانه تعرض للكذب على الله تعالى، فانه اخبر ان الله تعالى يعلم شيئا لا يتيقن كيف هو. وفيه دقيقة اخرى اقبح من هذا، وهو انه تعرض لوصف الله تعالى بانه يعلم الامر على خلاف ما هو، وذلك لو تحقق كان كافرا، فينبغي للاسان اجتناب هذه العبارة. [فصل]: ويكره ان يقول في الدعاء: اللهم اغفر لي ان شئت، او ان اردت، بل يجزم بالمسالة. [فصل]: ويكره الحلف بغير اسماء الله تعالى وصفاته، سواء في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة، والملائكة، والامانة، والحياة، والروح، وغير ذلك. ومن اشدها كراهة: الحلف بالامانة. [فصل]: يكره اكثار الحلف في البيع ونحوه وان كان صادقا. [فصل]: يكره ان يقال قوس قزح لهذه التي في السماء. [فصل]: يكره للانسان اذا ابتلي بمعصية او نحوها ان يخبر غيره بذلك، بل ينبغي ان يتوب الى الله تعالى فيقلع عنها في الحال ويندم على ما فعل ويعزم ان لا يعود الى مثلها ابدا؛ فهذه الثلاثة هي اركان التوبة لا تصح الا باجتماعها، فان اخبر بمعصيته شيخه او شبهه ممن يرجو باخباره ان يعلمه مخرجا من معصيته، او ليعلمه ما يسلم به من الوقوع في مثلها، او يعرفه السبب الذي اوقعه فيها، او يدعو له او نحو ذلك فلا باس به، بل هو حسن، وانما يكره اذا انتفت هذه المصلحة. [فصل]: يحرم على المكلف ان يحدث عبد الانسان او زوجته او ابنه او غلامه ونحوهم بما يفسدهم به عليه، اذا لم يكن ما يحدثهم به امرا بمعروف او نهيا عن منكر. قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} [المائدة:2] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} [ق:18]. [فصل]: ينبغي ان يقال في المال المخرج في طاعة الله تعالى: انفقت وشبهه، فيقال: انفقت في حجتي الفا، وانفقت في غزوتي الفين، وكذا انفقت في ضيافة ضيفاني، وفي ختان اولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك: ولا يقول ما يقوله كثيرون من العوام: غرمت في ضيافتي، وخسرت في حجتي، وضيعت في سفري. وحاصله ان انفقت وشبهه يكون في الطاعات. وخسرت وغرمت وضيعت ونحوها يكون في المعاصي والمكروهات، ولا تستعمل في الطاعات. [فصل: مما ينهى عنه ما يقوله كثيرون من الناس في الصلاة اذا قال الامام (اياك نعبد واياك نستعين) فيقول الماموم: اياك نعبد واياك نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب "البيان" من اصحابنا: ان هذا يبطل الصلاة الا ان يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وان كان فيه نظر، والظاهر انه لا يوافق عليه، فينبغي ان يجتنب، فانه وان لم يبطل الصلاة فهو مكروه في هذا الموضع، والله اعلم. [فصل]: مما يتاكد النهي عنه والتحذير منه ما يقوله العوام واشباههم في هذه المكوس التي تؤخذ مما يبيع او يشتري ونحوهما، فانهم يقولون: هذا حق السلطان، او عليك حق السلطان ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقا او لازما ونحو ذلك، وهذا من اشد المنكرات واشنع المستحدثات، حتى قال بعض العلماء: من سمى هذا حقا فهو كافر خارج عن ملة الاسلام، والصحيح انه لا يكفر الا اذا اعتقده حقا مع علمه بانه ظلم؛ فالصواب ان يقال فيه المكس او ضريبة السلطان او نحو ذلك من العبارات، وبالله التوفيق. [فصل]: يكره ان يسال بوجه الله تعالى غير الجنة. [فصل]: يكره منع من سال بالله تعالى وتشفع به. [فصل]؛ الاشهر انه يكره ان يقال: اطال الله بقاءك. قال ابو جعفر النحاس في كتابة "صناعة الكتاب": كره بعض العلماء قولهم: اطال الله بقاءك، ورخص فيه بعضهم. قال اسماعيل بن اسحاق: اول من كتب اطال الله بقاءك الزنادقة. وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنه ان مكاتبة المسلمين كانت من فلان الى فلان، اما بعد: سلام عليك، فاني احمد الله الذي لا اله الا هو، واساله ان يصلي على محمد وعلى ال محمد. ثم احدثت الزنادقة هذه المكاتبات التي اولها: اطال الله بقاءك. [فصل]: المذهب الصحيح المختار انه لا يكره قول الانسان لغيره: فداك ابي وامي، او جعلني الله فداك، وقد تظاهرت على جواز ذلك الاحاديث المشهورة التي في الصحيحين وغيرهما، وسواء كان الابوان مسلمين او كافرين، وكره ذلك بعض العلماء اذا كانا مسلمين. قال النحاس: وكره مالك بن انس: جعلني الله فداك، واجازه بعضهم. قال القاضي عياض: ذهب جمهور العلماء الى جواز ذلك، سواء كان المفدي به مسلما او كافرا. قلت: وقد جاء من الاحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى، وقد نبهت على جمل منها في شرح صحيح مسلم. [فصل]: ومما يذم من الالفاظ: المراء والجدال والخصومة. قال الامام ابو حامد الغزالي: المراء: طعنك في كلام الغير لاظهار خلل فيه، لغير غرض سوى تحقير قائله واظهار مزيتك عليه؛ قال: واما الجدال فعبارة عن امر يتعلق باظهار المذاهب وتقريرها. قال: واما الخصومة فلجاج في الكلام ليستوفي به مقصوده من مال او غيره، وتارة يكون ابتداء وتارة يكون اعتراضا؛ والمراء لا يكون الا اعتراضا. هذا كلام الغزالي. واعلم ان الجدال قد يكون بحق، وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: {ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن} [العنكبوت:41] وقال تعالى: {وجادلهم بالتي هي احسن} [النحل:125] وقال تعالى: {ما يجادل في ايات الله الا الذين كفروا} [غافر:4] فان كان الجدال للوقوف على الحق وتقريره كان محمودا، وان كان في مدافعة الحق او كان جدالا بغير علم كان مذموما، وعلى هذا التفصيل تنزيل النصوص الواردة في اباحته وذمه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد اوضحت ذلك مبسوطا في تهذيب الاسماء واللغات. قال بعضهم: ما رايت شيئا اذهب للدين ولا اقص للمروءة ولا اضيع للذة ولا اشغل للقلب من الخصومة. فان قلت: لا بد للانسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه. فالجواب ما اجاب به الامام الغزالي ان الذم المتاكد انما هو لمن خاصم بالباطل او غير علم كوكيل القاضي، فانه يتوكل في الخصومة قبل ان يعرف ان الحق في اي جانب هو فيخاصم بغير علم. ويدخل في الذم ايضا من يطلب حقه لكنه لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد والكذب للايذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خلط بالخصومة، كلمات تؤذي، وليس له اليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، واما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد واسراف وزيادة لجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا ايذاء، ففعله هذا ليس حراما، ولكن الاولى تركه ما وجد اليه سبيلا، لان ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر، والخصومة توغر الصدور وتهيج الغضب، واذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما حتى يفرح كل واحد بمساءة الاخر، ويحزن بمسرته ويطلق اللسان في عرضه، فمن خاصم فقد تعرض لهذه الافات، واقل ما فيه اشتغال القلب حتى انه يكون في صلاته وخاطره معلق بالمحاجة والخصومة فلا يبقى حاله على الاستقامة؛ والخصومة مبدا الشر، وكذا الجدال والمراء. فينبغي ان لا يفتح عليه باب الخصومة الا لضرورة لا بد منها، وعند ذلك يحفظ لسانه وقلبه عن افات الخصومة. [فصل]: يكره التقعير في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون وزخارف القول، فكل ذلك من التكلف المذموم، وكذلك تكلف السجع، وكذلك التحري في دقائق الاعراب ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوام؛ بل ينبغي ان يقصد في مخاطبته لفظا يفهمه صاحبه فهما جليا ولا يستثقله. [فصل]: ويكره لمن صلى العشاء الاخرة ان يتحدث بالحديث المباح في غير هذا الوقت واعني بالمباح الذي استوى فعله وتركه. فاما الحديث المحرم في غير هذا الوقت او المكروه فهو في هذا الوقت اشد تحريما وكراهة. واما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الاخلاق والحديث مع الضيف فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة به، وكذلك الحديث للغدر والامور العارضة لا باس به، وقد اشتهرت الاحاديث بكل ما ذكرته، وانا اشير الى بعضها مختصرا، وارمز الى كثير منها. [فصل]: يكره ان تسمى العشاء الاخرة العتمة، للاحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ويكره ايضا ان تسمى المغرب عشاء. [فصل]: ومما ينهى عنه افشاء السر، والاحاديث فيه كثيرة، وهو حرام اذا كان فيه ضرر او ايذاء. [فصل]: يكره ان يسال الرجل: فيم ضرب امراته؟ من غير حاجة. قد روينا في اول هذا الكتاب في حفظ اللسان والاحاديث الصحيحة في السكوت عما لا تظهر فيه المصلحة، وذكرنا الحديث الصحيح "من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (الموطا 2/903، وهو حديث صحيح، رواه الترمذي (2318) ، وابن ماجه (3976) ) . [فصل]: اما الشعر فقد روينا في مسند ابي يعلى الموصلي (مسند ابي يعلى الموصلي، وهو حديث حسن بشواهده. انظر فتح الباري 10/540) ، باسناد حسن، %عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: "هو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح" قال العلماء: معناه: ان الشعر كالنثر، لكن التجرد له والاقتصار عليه مذموم. وقد ثبتت الاحاديث الصحيحة بان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الشعر، وامر حسان بن ثابت بهجاء الكفار. وثبت انه صلى الله عليه وسلم قال: "ان من الشعر لحكمة" (البخاري (6145) ، وابو داود (5010) ، ولفظه فيهما "ان من الشعر حكمة") ، وثبت انه صلى الله عليه وسلم قال: "لان يمتلىء جوف احدكم قيحا خير له من ان يمتلىء شعرا" (البخاري (6155) ، ومسلم (2257) ، وابو داود (5009) ، والترمذي (2855) ، عن ابي هريرة رضي الله عنه) وكل ذلك على حسب ما ذكرناه. [فصل]: ومما ينهى عنه الفحش، وبذاءة اللسان؛ والاحاديث الصحيحة فيه كثيرة معروفة. ومعناه: التعبير عن الامور المستقبحة بعبارة صريحة، وان كانت صحيحة والمتكلم بها صادق، ويقع ذلك كثيرا في الفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي ان يستعمل في ذلك الكنايات ويعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض، وبهذا جاء القران العزيز والسن الصحيحة المكرمة، قال الله تعالى: {احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم} [البقرة:187] وقال تعالى: {وكيف تاخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض} [النساء:21] وقال تعالى: {وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن} [البقرة: 237] والايات والاحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة. قال العلماء: فينبغي ان يستعمل في هذا وما اشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيكني عن جماع المراة بالافضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها، ولا يصرح بالنيل والجماع ونحوهما، وكذلك يكني عن البول والتغوط بقضاء الحاجة والذهاب الى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب كالبرص والبخر والصنان وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الامثلة ما سواه. واعلم ان هذا كله اذا لم تدع حاجة الى التصريح بصريح اسمه، فان دعت حاجة لغرض البيان والتعليم وخيف ان المخاطب لا يفهم المجاز، او يفهم غير المراد صرح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الافهام في هذا اولى من مراعاة مجرد الادب، وبالله التوفيق. [فصل]: يحرم انتهار الوالد والوالدة وشبههما تحريما غليظا، قال الله تعالى: {وقضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} الاية[الاسراء:23ـ 25].
21 3 احاديث 332ـ باب النهي عن الكذب وبيان اقسامه قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. واجماع الامة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة الى نقل افرادها، وانما المهم بيان ما يستثنى منه والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته:
22 3 احاديث 333ـ باب الحث على التثبت فيما يحكيه الانسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع اذا لم يظن صحته قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا} [الاسراء:36] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} [ق: 18] وقال تعالى: {ان ربك لبالمرصاد} [الفجر:14].
23 2 احاديث 334ـ باب التعريض والتورية اعلم ان هذا الباب من اهم الابواب، فانه مما يكثر استعماله وتعم به البلوى، فينبغي لنا ان نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه ان يتامله ويعمل به، وقد قدمنا في الكذب من التحريم الغليظ، وما في اطلاق اللسان من الخطر، وهذا الباب طريق الى السلامة من ذلك. واعلم ان التورية والتعريض معناهما: ان تطلق لفظا هو ظاهر في معنى وتريد به معنى اخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع. قال العلماء: فان دعت الى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخااطب او حاجة لا مندوحة عنها الا بالكذب فلا باس بالتعريض، وان لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، الا ان يتوصل به الى اخذ باطل او دفع حق، فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب. فاما الاثار الواردة فيه، فقد جاء من الاثار ما يبيحه وما لا يبيحه، وهي محمولة على هذا التفصيل الذي ذكرناه. فمما جاء في المنع:
24 1 احاديث 335ـ باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح قال الله تعالى: {و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [فصلت:36] وقال تعالى: {ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون} [الاعراف: 201] وقال تعالى: {والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين} [ال عمران: 135ـ136].
25 3 احاديث 336ـ باب في الفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة اعلم ان هذا الباب مما تدعو الحاجة اليه لئلا يغتر بقول باطل ويعول عليه. واعلم ان احكام الشرع الخمسة، وهي: الايجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والاباحة، لا يثبت شيء منها الا بدليل، وادلة الشرع معروفة، فما لا دليل عليه لا يلتفت اليه ولا يحتاج الى جواب، لانه ليس بحجة ولا يشتغل بجوابه؛ ومع هذا فقد تبرع العلماء في مثل هذا بذكر دليل على ابطاله، ومقصودي بهذه المقدمة ان ما ذكرت ان قائلا كرهه ثم قلت: ليس مكروها، او هذا باطل او نحو ذلك، فلا حاجة الى دليل على ابطاله وان ذكرته كنت متبرعا به، وانما عقدت هذا الباب لابين الخطا فيه من الصواب لئلا يغتر بجلالة من يضاف اليه هذا القول الباطل. واعلم اني لا اسمي القائلين بكراهة هذه الالفاظ لئلا تسقط جلالتهم ويساء الظن بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وانما المطلوب التحذير من اقوال باطلة نقلت عنهم، سواء اصحت عنهم ام لم تصح، فان صحت لم تقدح في جلالتهم كما عرف، وقد اضيف بعضها لغرض صحيح بان يكون ما قاله محتملا فينظر غيري فيه، فلعل نظره يخالف نظري فيعتضد نظره بقول هذا الامام السابق الى هذا الحكم، وبالله التوفيق. فمن ذلك ما حكاه الامام ابو جعفر النحاس في كتابه "شرح اسماء الله تعالى سبحانه" عن بعض العلماء انه كره ان يقال: تصدق الله عليك، قال: لان المتصدق يرجو الثواب. قلت: هذا الحكم خطا صريح وجهل قبيح، والاستدلال اشد فسادا. وقد ثبت في صحيح مسلم (مسلم (686) ، وابو داود (1199) ، والترمذي (3037) ، والنسائي 3/116) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال في قصر الصلاة: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". [فصل]: ومن ذلك ما حكاه النحاس ايضا عن هذا القائل المتقدم انه كره ان يقال: اللهم اعتقني من النار، قال: لانه لا يعتق الا من يطلب الثواب. قلت: وهذه الدعوى والاستدلال من اقبح الخطا وارذل الجهالة باحكام الشرع، ولو ذهبت اتتبع الاحاديث الصحيحة المصرحة باعتاق الله تعالى من شاء من خلقه لطال الكتاب طولا مملا، وذلك كحديث "من اعتق رقبة اعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا منه من النار" (البخاري (6715) ، ومسلم (1509) (22) ) وحديث "ما من يوم اكثر ان يعتق الله تعالى فيه عبدا من النار من يوم عرفة" (مسلم (1348) ، والنسائي 5/251ـ252، عن عائشة رضي الله عنها، وفيه: دلالة ظاهرة في فضل يوم عرفة) . [فصل]: ومن ذلك قول بعضهم: يكره ان يقول افعل كذا على اسم الله، لان اسمه سبحانه على كل شيء. قال القاضي عياض وغيره: هذا القول غلط، فقد ثبتت الاحاديث الصحيحة: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه في الاضحية: "اذبحوا على اسم الله" (مسلم (1960) عن جندب بن سفيان، ولفظه "من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله") اي قائلين باسم الله. [فصل]: ومن ذلك ما رواه النحاس عن ابي بكر محمد بن يحيى قال: وكان من الفقهاء الادباء العلماء، قال: لا تقل: جمع الله بيننا في مستقر رحمته، فرحمة الله اوسع من ان يكون لها قرار؛ قال: لا تقل: ارحمنا برحمتك. قلت: لا نعلم لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليل له فيما ذكره، فانن مراد القائل بمستقر الرحمة: الجنة، ومعناه: جمع بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وانما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلها استقر فيها ابدا، وامن الحوادث والاكدار، وانما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكانه يقول: اجمع بيننا في مستقر نناله برحمتك. [فصل]: ومن ذلك ما حكاه النحاس عن هذا المذكور، قال: لا تقل: توكلت على ربي الرب الكريم، وقل: توكلت على ربي الكريم. قلت: لا اصل لما قال. [فصل]: روى النحاس عن ابي بكر المتقدم قال: لا يقل: اللهم اجرنا من النار ولا يقل: اللهم ارزقنا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فاما يشفع لمن استوجب النار. قلت: هذا خطا فاحش وجهالة بينة، ولولا خوف الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكر في كتب مصنفة لما تجاسرت على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال مثل ما يقول المؤذن حلت له شفاعتي" (مسلم (385) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، واوله: "اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي...") وغير ذلك. ولقد احسن الامام الحافظ الفقيه ابو الفضل عياض رحمه الله في قوله: قد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها قال: وعلى هذا لا يلتفت الى كراهة من كره ذلك لكونها لا تكون الا للمذنبين، لانه ثبت في الاحاديث في صحيح مسلم (البخاري (6472) ، ومسلم (220) ، والترمذي (2448) ، وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعكاشة بن محصن ان يجعله من السبعين الفا الذين يدخلون بلا عذاب ولا حساب. ومسلم (196) وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "انا اول الناس يشفع في الجنة". وانظر ما اختص الله به نبيه محمدا من الشفاعة العظمى وغيرها من الشفاعات في كتاب "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم" للحافظ ابن كثير ـ الطبعة الرابعة ص 285 ـ تحقيق د. محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو) وغيره اثبات الشفاعة لاقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة؛ قال: ثم كل عاقل معترف بالتقصير، محتاج الى العفو، مشفق من كونه من الهالكين؛ ويلزم هذا القائل ان لا يدعو بالمغفرة والرحمة، لانهما لاصحاب الذنوب، وكل هذا خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف. [فصل]: ومن ذلك ما حكي عن جماعة من العلماء انهم كرهوا ان يسمى الطواف بالبيت شوطا او دورا، قالوا: بل يقال للمرة الواحدة طوفة، وللمرتين طوفتان، وللثلاث طوفات، وللسبع طواف. قلت: وهذا الذي قالوه لا نعلم له اصلا، ولعلهم كرهوه لكونه من الفاظ الجاهلية، والصواب المختار انه لا كراهة فيه. [فصل]: ومن ذلك: صمنا رمضان، وجاء رمضان، وما اشبه ذلك اذا اريد به الشهر. واختلف في كراهته؛ فقال جماعة من المتقدمين: يكره ان يقال رمضان من غير اضافة الى الشهر، روي ذلك عن الحسن البصري ومجاهد. قال البيهقي: الطريق اليهما ضعيف؛ ومذهب اصحابنا انه يكره ان يقال: جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر رمضان، وما اشبه ذلك مما لا قرينة تدل على ان المراد الشهر، ولا يكره اذا ذكر معه قرينة تدل على الشهر، كقوله: صمت رمضان، وقمت رمضان، ويجب صوم رمضان،، وحضر رمضان الشهر المبارك، وشبه ذلك، هكذا قاله اصحابنا ونقله الامامان: اقضى القضاة ابو الحسن الماوردي في كتابه "الحاوي" وابو نصر الصباغ في كتابه "الشامل" عن اصحابنا، وكذا نقله غيرهما من اصحابنا عن الاصحاب مطلقا، واحتجوا بحديث: [فصل]: ومن ذلك ما نقل عن بعض المتقدمين انه يكره ان يقول: سورة البقرة، وسورة الدخان، والعنكبوت، والروم، والاحزاب، وشبه ذلك؛ قالوا: وانما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها النساء وشبه ذلك. قلت: وهذا خطا مخالف للسنة، فقد ثبت في الاحاديث استعمال ذلك فيما لا يحصى من المواضع كقوله صلى الله عليه وسلم: "الايتان من اخر سورة البقرة من قراهما في ليلة كفتاه" (البخاري (5040) ، ومسلم (807) ، ومعنى "كفتاه": دفعتا عنه الشر والمكروه) وهذا الحديث في الصحيحين واشباهه كثيرة لا تنحصر. [فصل]: ومن ذلك ما جاء عن مطرف رحمه الله انه كره ان يقول: ان الله تعالى يقول في كتابه؛ قال: وانما يقال: ان الله تعالى قال: كانه كره ذلك لكونه لفظا مضارعا، ومقتضاه الحال او الاستقبال، وقول الله تعالى هو كلامه، وهو قديم. قلت: وهذا ليس بمقبول، وقد ثبت في الاحاديث الصحيحة استعمال ذلك من جهات كثيرة، وقد نبهت على ذلك في شرح صحيح مسلم، وفي كتاب اداب القراء، قال الله تعالى: {والله يقول الحق} [الاحزاب:4]. وفي صحيح مسلم (مسلم (2687) . ولفظه "من جاء بالحسنة فله عشر امثالها وازيد" وفي رواية "او ازيد" ومعناه: ان التضعيف بعشرة امثالها لا بد منها بفضل الله ورحمته ووعده الذي لا يخلف. والزيادة بعد بكثرة التضعيف الى سبعمئة ضعف والى اضعاف كثيرة، يحصل لبعض الناس دون بعض على حسب مشيئته سبحانه وتعالى) ، عن ابي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله عشر امثالها} [الانعام:160]. وفي صحيح البخاري (البخاري (4554) ) في تفسير {لن تنالوا البر حتى تنفقوا} [ال عمران: 92] قال ابو طلحة: يا رسول الله، ان الله تعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.