متسلسل |
العدد |
النوع |
العنوان |
الوصف |
1 |
- |
- |
المجلد الثاني
|
|
2 |
101 |
احاديث |
7 - سورة الاعراف
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
(تتمة الاية 156) قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون
% يقول تعالى مجيبا لموسى في قوله: {ان هي الا فتنتك} الاية، {قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء} اي افعل ما اشاء واحكم ما اريد، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك سبحانه لا اله الا هو، وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} اية عظيمة الشمول والعموم، كقوله تعالى اخبارا عن حملة العرش ومن حوله انهم يقولون: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}. عن جندب بن عبد الله البجلي قال: جاء اعرابي فاناخ راحلته، ثم عقلها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى راحلته، فاطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا احدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقولون هذا اضل ام بعيره، الم تسمعوا ما قال؟" قالوا: بلى، قال: "لقد حظرت رحمة واسعة، ان الله عز وجل خلق مائة رحمة، فانزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وانسها وبهائمها، واخر عنده تسعا وتسعين رحمة، اتقولون هو اضل ام بعيره"؟ رواه احمد وابو داود، وقال الامام احمد ايضا عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ان لله عز وجل مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على اولادها، واخر تسعة وتسعين الى يوم القيامة". عن ابي سعيد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله مائة رحمة فقسم منها جزءا واحدا بين الخلق، به يتراحم الناس والوحش والطير" (رواه ابن ماجه والامام احمد). وقوله: {فساكتبها للذين يتقون} الاية، يعني فساوجب حصول رحمتي منة مني واحسانا اليهم، كما قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، وقوله: {للذين يتقون} اي ساجعلها للمتصفين بهذه الصفات وهم امة محمد صلى الله عليه وسلم (الذين يتقون) اي الشرك والعظائم من الذنوب، قوله: {ويؤتون الزكاة} قيل: زكاة النفوس، وقيل: الاموال، ويحتمل ان تكون عامة لهما، فان الاية مكية {والذين هم باياتنا يؤمنون} اي يصدقون.
|
3 |
37 |
احاديث |
8 - سورة الانفال
|
[مقدمة]
% وهي مدنية، اياتها سبعون وخمس ايات، كلماتها الف وستمائة كلمة واحدى وثلاثون كلمة، حروفها خمسة الاف ومائتان واربعة وتسعون حرفا، والله اعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
|
4 |
79 |
احاديث |
9 - سورة التوبة
|
|
5 |
48 |
احاديث |
10 - سورة يونس
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - الر تلك ايات الكتاب الحكيم
- 2 - اكان للناس عجبا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون ان هذا لساحر مبين
% اما الحروف المقطعة فقد تقدم الكلام عليها في اوائل سورة البقرة.
وقال ابن عباس {الر} اي انا الله ارى، وكذلك قال الضحاك وغيره، {تلك ايات الكتاب الحكيم} اي هذه ايات القران المحكم المبين، وقال الحسن: التوراة والزبور، وقال قتادة: {تلك ايات الكتاب} قال: الكتب التي كانت قبل القران، وهذا القول لا اعرف وجهه ومعناه: {اكان للناس عجبا} يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار، ومن ارسال المرسلين من البشر، كما اخبر تعالى عن القرون الماضين من قولهم: {ابشر يهدوننا}؟ وقال هود وصالح لقومهما: {او عجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم}؟ وقال تعالى مخبرا عن كفار قريش: {اجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشيء عجاب}؟! وقال ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا انكرت العرب ذلك او من انكر منهم، فقالوا: الله اعظم من ان يكون رسوله بشرا مثل محمد، قال فانزل الله عز وجل {اكان للناس عجبا} الاية، وقوله: {ان لهم قدم صدق عند ربهم} اختلفوا فيه؛ فقال ابن عباس: سبقت لهم السعادة في الذكر، وقال العوفي عنه: {ان لهم قدم صدق عند ربهم} يقول: اجرا حسنا بما قدموا (وهو قول الضحاك والربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم)، وقال مجاهد: الاعمال الصالحة، صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم، قال: ومحمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم؛ وقال قتادة سلف صدق عند ربهم؛ واختار ابن جرير قول مجاهد: انها الاعمال الصالحة التي قدموها، كما يقال: له قدم في الاسلام، كقول حسان:
لنا القدم العليا اليك وخلفنا * لاولنا في طاعة الله تابع
وقول ذي الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس انها * مع الحسب العادي طمت على البحر
وقوله تعالى: {قال الكافرون ان هذا لساحر مبين} اي مع انا بعثنا اليهم رسولا منهم رجلا من جنسهم بشيرا ونذيرا، {قال الكافرون ان هذا لساحر مبين} اي ظاهر، وهم الكاذبون في ذلك.
|
6 |
54 |
احاديث |
11 - سورة هود
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - الر كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير
- 2 - الا تعبدوا الا الله انني لكم منه نذير وبشير
- 3 - وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم متاعا حسنا الى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وان تولوا فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير
- 4 - الى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير
% تقدم الكلام على حروف الهجاء في اول سورة البقرة بما اغنى عن اعادته هنا وبالله التوفيق، واما قوله: {احكمت اياته ثم فصلت} اي هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها فالقران كامل صورة ومعنى، هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير، وقوله: {من لدن حكيم خبير} اي من عند الله الحكيم في اقواله واحكامه، الخبير بعواقب الامور {الا تعبدوا الا الله} اي انزل هذا القران المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له، وقوله: {انني لكم منه نذير وبشير} اي اني لكم نذير من العذاب ان خالفتموه، وبشير بالثواب ان اطعتموه؛ كما جاء في الحديث الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد الصفا، فدعا بطون قريش الاقرب ثم الاقرب، فاجتمعوا، فقال: "يا معشر قريش ارايتم لو اخبرتكم ان خيلا تصبحكم الستم مصدقي؟" فقالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: "فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، وقوله: {وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه} اي وامركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها الى الله عز وجل فيما تستقبلونه، وان تستمروا على ذلك: {يمتعكم متاعا حسنا} اي في الدنيا، {الى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله} اي في الدار الاخرة، قاله قتادة، كقوله: {من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} الاية، وقد جاء في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد: "وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت عليها حتى ما تجعل في في امراتك"، عن ابن مسعود في قوله: "{ويؤت كل ذي فضل فضله}، قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فان عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا، بقيت له عشر حسنات، وان لم يعاقب بها في الدنيا اخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول: هلك من غلب احاده على اعشاره (اخرجه ابن جرير الطبري). وقوله: {وان تولوا فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير}، هذا تهديد شديد لمن تولى عن اوامر الله تعالى، وكذب رسله فان العذاب يناله يوم القيامة لا محالة {الى الله مرجعكم} اي معادكم يوم القيامة، {وهو على كل شيء قدير} اي وهو القادر على ما يشاء من احسانه الى اوليائه وانتقامه من اعدائه، واعادة الخلائق يوم القيامة، وهذا مقام ترهيب كما ان الاول مقام ترغيب.
|
7 |
47 |
احاديث |
12 - سورة يوسف
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - الر تلك ايات الكتاب المبين
- 2 - انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون
- 3 - نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران وان كنت من قبله لمن الغافلين
% اما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في اول سورة البقرة، وقوله {تلك ايات الكتاب} اي هذه ايات الكتاب، وهو القران المبين اي الواضح الجلي الذي يفصح عن الاشياء المبهمة ويفسرها ويبينها {انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون}، وذلك لانه لغة العرب افصح اللغات وابينها واوسعها، واكثرها تادية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا انزل اشرف الكتب، باشرف اللغات، على اشرف الرسل، بسفارة اشرف الملائكة، وكان ذلك في اشرف بقاع الارض، وابتدئ انزاله في اشرف شهور السنة وهو (رمضان) فكمل من كل الوجوه؛ ولهذا قال تعالى: {نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران} بسبب ايحائنا اليك هذا القران، وقد ورد في سبب نزول هذه الاية ما رواه ابن جرير عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله صلى الله عليك وسلم لو قصصت علينا؟ فنزلت: {نحن نقص عليك احسن القصص}، فارادوا القصص فدلهم على احسن القصص، ومما يناسب ذكره عند هذه الاية الكريمة المشتملة على مدح القران، وانه كاف عن كل ما سواه من الكتب ما رواه الامام احمد عن جابر بن عبد الله ان عمر بن الخطاب اتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب اصابه من بعض اهل الكتاب، فقراه على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فغضب، وقال: "امتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسالوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه، او بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو ان موسى كان حيا ما وسعه الا ان يتبعني". وعن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني مررت باخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة الا اعرضها عليك؟ قال، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن ثابت: فقلت له: الا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "والذي نفس محمد بيده لو اصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، انكم حظي من الامم وانا حظكم من النبيين" (اخرجه الامام احمد عن عبد الله بن ثابت).
|
8 |
28 |
احاديث |
13 - سورة الرعد
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - المر تلك ايات الكتاب والذي انزل اليك من ربك الحق ولكن اكثر الناس لا يؤمنون
% اما الكلام على الحروف المقطعة في اوائل السور فقد تقدم في اول سورة البقرة، وقدمنا: ان كل سورة ابتدئت بهذه الحروف ففيها الانتصار للقران، وتبيان ان نزوله من عند الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا ريب، ولهذا قال: {تلك ايات الكتاب} اي هذه ايات الكتاب وهو القران، ثم عطف على ذلك صفات فقال: {والذي انزل اليك} اي يا محمد {من ربك الحق}، وقوله: {ولكن اكثر الناس لا يؤمنون} كقوله: {وما اكثر الناس ولو حرصت بؤمنين} اي مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن اكثرهم لما فيهم من الشقاق، والعناد، والنفاق.
|
9 |
23 |
احاديث |
14 - سورة ابراهيم
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم الى صراط العزيز الحميد
- 2 - الله الذي له ما في السماوات وما في الارض وويل للكافرين من عذاب شديد
- 3 - الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا اولئك في ضلال بعيد
% قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في اوائل السور. {كتاب انزلناه اليك} اي هذا كتاب انزلناه اليك يا محمد، وهو (القران العظيم) الذي هو اشرف كتاب انزله الله من السماء، على اشرف رسول بعثه الله في الارض، الى جميع اهلها عربهم وعجمهم، {لتخرج الناس من الظلمات الى النور} اي انما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي، الى الهدى والرشد، كما قال تعالى: {هو الذي ينزل على عبده ايات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور} الاية، وقال تعالى: {باذن ربهم} اي هو الهادي لمن قدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن امره، يهديهم {الى صراط العزيز} اي العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب بل هو القاهر لكل ما سواه، {الحميد} اي المحمود في جميع افعاله واقواله وشرعته وامره ونهيه، الصادق في خبره، {الله الذي له ما في السماوات وما في الارض} بالجر على الاتباع صفة للجلالة، كقوله تعالى: {قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض} الاية. وقوله: {وويل للكافرين من عذاب شديد} اي ويل لهم يوم القيامة اذ خالفوك يا محمد وكذبوك، ثم وصفهم بانهم يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة، اي يقدمونها ويؤثرونها عليها ويعملون للدنيا، ونسوا الاخرة وتركوها وراء ظهورهم. {ويصدون عن سبيل الله} وهي اتباع الرسل، {ويبغونها عوجا} اي ويحبون ان تكون سبيل الله عوجا مائلة عائلة، وهي مستقيمة في نفسها، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، فهم في ابتغائهم ذلك في جهل وضلال بعيد من الحق لا يرجى لهم والحالة هذه صلاح.
|
10 |
23 |
احاديث |
15 - سورة الحجر
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - الر تلك ايات الكتاب وقران مبين
- 2 - ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين
- 3 - ذرهم ياكلوا ويتمتعوا ويلههم الامل فسوف يعلمون
% قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في اوائل السور، وقوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا} اخبار عنهم انهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنون لو كانوا في الدنيا مسلمين، ونقل السدي عن ابن عباس، ان كفار قريش لما عرضوا على النار تمنوا ان لو كانوا مسلمين، وقيل: المراد ان كل كافر يود عند احتضاره ان لو كان مؤمنا، وقيل: هذا اخبار عن يوم القيامة، كقوله تعالى: {ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين}، وقال بعضهم: يحبس الله اهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال: فيقول لهم المشركون: ما اغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} (روى هذا القول ابن جرير عن ابن عباس وانس بن مالك وقال: كانا يتاولان الاية: {ربما يود الذين كفروا} بذلك التاويل). وقال مجاهد: يقول اهل النار للموحدين: ما اغنى عنكم ايمانكم؟ فاذا قالوا ذلك قال الله: اخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان، فعند ذلك قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}، وقد ورد في ذلك احاديث مرفوعة، فقال الحافظ الطبراني، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان ناسا من اهل لا اله الا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم اهل اللات والعزى: ما اغنى عنكم قولكم: {لا اله الا الله} وانتم معنا في النار؟ فيغضب الله لهم، فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة، فيبرؤون من حرقهم، كما يبرا القمر من خسوفه، ويدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين".
(الحديث الثاني): عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "اذا اجتمع اهل النار ومعهم من شاء الله من اهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: الم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما اغنى عنكم الاسلام وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوبا فاخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فامر بمن كان في النار من اهل القبلة فاخرجوا، فلما راى ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا - قال: ثم قرا رسول الله صلى الله عليه وسلم - اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الر تلك ايات الكتاب وقران مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}" (اخرجه الطبراني وابن ابي حاتم).
وقوله: {ذرهم ياكلوا ويتمتعوا} تهديد شديد لهم ووعيد اكيد، كقوله تعالى: {قل تمتعوا فان
مصيركم الى النار}، وقوله: {كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون}، ولهذا قال: {ويلههم الامل} اي عن التوبة والانابة {فسوف يعلمون} اي عاقبة امرهم.
|
11 |
54 |
احاديث |
16 - سورة النحل
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - اتى امر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
% يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها، معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة، كقوله: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}، وقال: {اقتربت الساعة وانشق القمر}، وقوله: {فلا تستعجلوه} اي قرب ما تباعد فلا تستعجلوه، والضمير يعود على العذاب، كقوله تعالى: {ويستعجلونك بالعذاب ولولا اجل مسمى لجاءهم العذاب ولياتينهم بغتة وهم لا يشعرون}، فانهم استعجلوا العذاب قبل كونه استبعادا وتكذيبا، ثم انه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره، وعبادتهم معه ما سواه من الاوثان والانداد، تعالى وتقدس علوا كبيرا، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة (في اللباب: اخرج ابن مردويه: لما نزلت {اتى امر الله} وغمر اصحاب رسول الله حتى نزلت {فلا تستعجلوه} فسكتوا - واخرج عبد الله بن الامام احمد: لما نزلت {اتى امر الله} قاموا، فنزلت: {فلا تستعجلوه})، فقال: {سبحانه وتعالى عما يشركون}.
|
12 |
62 |
احاديث |
17 - سورة الاسراء
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير
% يمجد تعالى نفسه، ويعظم شانه، لقدرته على ما لا يقدر عليه احد سواه، فلا اله غيره ولا رب سواه، {الذي اسرى بعبده} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، {ليلا}: اي في جنح الليل، {من المسجد الحرام}: وهو مسجد مكة {الى المسجد الاقصى} (قال الحافظ السهيلي: قوله عز وجل {الى المسجد الاقصى}: يعني بيت المقدس، وهو ايليا، ومعنى ايليا - بيت الله - {وباركنا حوله} - يعني الشام - والشام بالسريانية: الطيب، فسميت بذلك لطيبها وخصبها، وبيت المقدس بناه سليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام قد ابتدا مبناه فاكمله ابنه سليمان عليه السلام، واسمه: ايلياء، وتفسيره بالعربية: بيت الله، ذكره البكري، وقال الطبري: كان داود عليه السلام قد هم ببنيانه فاوحى الله تعالى اليه "انما يبنيه ابن لك طاهر اليد من الدماء"، وفي الصحيح انه وضع للناس بعد البيت الحرام، باربعين سنة، وهذا يدل على انه قد كان بني ايضا في اسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه السلام) وهو بيت المقدس الذي بايلياء معدن الانبياء من لدن ابراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كلهم فامهم في محلتهم ودارهم، فدل على انه هو الامام الاعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين. وقوله تعالى {الذي باركنا حوله}: اي في الزروع والثمار، {لنريه}: اي محمدا {من اياتنا}: اي العظام، كما قال تعالى: {ولقد راى من ايات ربه الكبرى}، {انه هو السميع البصير} اي السميع لاقوال عباده البصير بهم، فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والاخرة.
ذكر الاحاديث الواردة في الاسراء
قال الامام البخاري، عن انس بن مالك، يقول: ليلة اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، انه جاءه ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال اولهم: ايهم هو؟ فقال اوسطهم: هو خيرهم، فقال اخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة فلم يرهم، حتى اتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الانبياء تنام اعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره الى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى انقى جوفه، ثم اتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشو ايمانا وحمكة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم اطبقه، ثم عرج به الى السماء الدنيا فضرب بابا من ابوابها فناداه اهل السماء من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال معي محمد، قالوا: وقد بعث اليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به واهلا، يستبشر به اهل السماء، لا يعلم اهل السماء بما يريد الله به في الارض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا ادم، فقال له جبريل هذا ابوك ادم فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه ادم، فقال: مرحبا واهلا بابني، نعم الابن انت، فاذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟" قال: هذان النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء
فاذا هو بنهر اخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فاذا هو مسك اذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبا لك ربك، ثم عرج به الى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الاولى من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث اليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به واهلا. ثم عرج به الى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الاولى والثانية. ثم عرج به الى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به الى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها انبياء قد سماهم فوعيت منهم ادريس في الثانية، وهارون في الرابعة، واخر في الخامسة لم احفظ اسمه، وابراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى، فقال موسى: رب لم اظن ان ترفع علي احدا.
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله عز وجل، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين او ادنى، فاوحى الله اليه فيما يوحي خمسين صلاة على امتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتسبه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد اليك ربك؟ قال: "عهد الي خمسين صلاة كل يوم وليلة". قال ان امتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبريل كانه يستشيره في ذلك، فاشار اليه جبريل ان نعم ان شئت، فعلا به الى الجبار تعالى وتقدس، فقال وهو في مكانه: "يا رب خفف عنا فان امتي لا تستطيع هذا"، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد والله لقد راودت بني اسرائيل قومي على ادنى من هذا فضعفوا فتركوه، فامتك اضعف اجسادا وقلوبا وابدانا وابصارا واسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: "يا رب ان امتي ضعفاء، اجسادهم وقلوبهم واسماعهم وابصارهم وابدانهم، فخفف عنه، فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد! قال: "لبيك وسعديك"، قال: انه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في ام الكتاب، فكل حسنة بعشر امثالها، فهي خمسون في ام الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع الى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: "خفف عنا اعطانا بكل حسنة عشر امثالها"، قال موسى: قد والله راودت بني اسرائيل على ادنى من ذلك فتركوه، فارجع الى ربك فليخفف عنك ايضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا موسى قد والله استحييت من ربي عز وجل مما اختلف اليه". قال فاهبط باسم الله. قال واستيقظ وهو في المسجد الحرام، هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد.
وقد قال الحافظ البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم انه صلى الله
عليه وسلم راى الله عز وجل، يعني قوله: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى. قال: وقول عائشة وابن مسعود وابي هريرة في حملهم هذه الايات على رؤيته جبريل اصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسالة هو الحق، فان ابا ذر قال: يا رسول
الله هل رايت ربك؟ قال: "نور انى اراه". وفي رواية: "رايت نورا": اخرجه مسلم، وقوله: {ثم دنا فتدلى} انما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة ام المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن ابي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الاية بهذا.
وقال الامام احمد، عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتيت بالبراق وهو دابة، ابيض، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى اتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الانبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فاتاني جبريل باناء من خمر واناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اصبت الفطرة، قال: ثم عرج بي الى السماء الدنيا فاستفتح جبريل، فقيل له من انت، قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد ارسل اليه؟ قال: قد ارسل اليه، ففتح لنا فاذا انا بادم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا الى السماء الثانية فاستفتح جبريل، فقيل: من انت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد ارسل اليه؟ قال: قد ارسل اليه، ففتح لنا، فاذا انا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا الى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من انت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد ارسل اليه؟ قال: قد ارسل اليه، ففتح لنا، فاذا انا بيوسف عليه السلام واذا هو قد اعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا الى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من انت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد ارسل اليه؟ قال: قد بعث اليه. ففتح لنا، فاذا انا بادريس، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم يقول تعالى: {ورفعناه مكانا عليا}، ثم عرج بنا الى السماء الخامسة فاستفتح جبريل، فقيل: من انت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد ارسل اليه؟ قال: قد بعث اليه، ففتح لنا، فاذا انا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا الى السماء السادسة فاستفح جبريل، فقيل: من انت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث اليه؟ قال: قد بعث اليه، ففتح لنا، فاذا انا بموسى عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا الى السماء السابعة، فاستفح جبريل، فقيل: من انت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث اليه؟ قال: قد بعث اليه، ففتح لنا، فاذا انا بابراهيم عليه السلام، واذا هو مستند الى البيت المعمور، واذا هو يدخله كل يوم سبعون الف ملك، ثم لا يعودون اليه.
ثم ذهب بي الى سدرة المنتهى، فاذا ورقها كاذان الفيلة واذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من امر الله ما غشيها تغيرت فما احد من خلق الله تعالى يستطيع ان يصفها من حسنها، قال: فاوحى الله الي ما اوحى، وقد فرض علي في كل يوم وليلة، خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت الى موسى، قال: ما فرض ربك على امتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك فان امتك لا تطيق ذلك، واني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم، قال فرجعت الى ربي فقلت: اي رب خفف عن امتي، فحط عني خمسا، فنزلت حتى انتهيت الى موسى، فقال: ما فعلت، فقلت: قد حط عني خمسا، فقال: ان امتك لا تطيق ذلك، فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال، فلم ازل ارجع الى ربي وبين موسى، ويحط عني خمسا خمسا حتى قال: يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب فان عملها كتبت له سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت الى موسى فاخبرته، فقال: ارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك فان امتك لا تطيق ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رجعت الى ربي حتى استحييت".
عن انس بن مالك قال: لما جاء جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكانها حركت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق الله فوالله ما ركبك مثله، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: "ما هذه يا جبريل؟" قال: سر يا محمد. قال، فسار ما شاء الله ان يسير فاذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق، فقال: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله ان يسير، قال فلقيه خلق من خلق الله، فقالوا: السلام عليك يا اول، السلام عليك يا اخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد، فرد السلام، ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الاولى، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى الى بيت المقدس، فعرض عليه الخمر والماء واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل: اصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت امتك، ولو شربت الخمر لغويت ولغويت امتك، ثم بعث له ادم فمن دونه من الانبياء عليهم السلام، فامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. ثم قال له جبريل: اما العجوز التي رايت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا الا كما بقي من عمر تلك العجوز، واما الذي اراد ان تميل اليه فذاك عدو الله ابليس اراد ان تميل اليه، واما الذين سلموا عليك فابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام (اخرجه ابن جرير ورواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة، وفي بعض الفاظه غرابة).
(يتبع...)
(تابع... 1): 1 - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى... ...
(رواية عن انس بن مالك عن مالك بن صعصعة)
قال الامام احمد، عن انس بن مالك: ان مالك بن صعصعة حدثه، ان نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة اسري بي قال: "بينما انا في الحطيم - وربما قال قتادة في الحجر - مضطجعا اذ اتاني ات، فجعل يقول لصاحبه: الاوسط بين الثلاثة، قال: فاتاني فشق ما بين هذه الى هذه"، اي من ثغرة نحره الى شعرته، "فاستخرج قلبي، قال: فاتيت بطست من ذهب مملوء ايمانا وحكمة، فغسل قلبي ثم حشا ثم اعيد، ثم اتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ابيض". قال، فقال الجارود: هو البراق يا ابا حمزة؟ قال: نعم يقع خطوه عند اقصى طرفه، قال: "فحملت عليه فانطلق بي جبريل عليه السلام حتى اتى بي الى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا، قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: اوقد ارسل اليه؟ قال: نعم، فقيل: مرحبا به
ولنعم المجيء جاء، قال: فففتح لنا، فلما خلصت فاذا فيها ادم عليه السلام، قال: هذا ابوك ادم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى اتى السماء الثانية فاستفتح، فقيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد ارسل اليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فاذا عيسى ويحيى وهما ابنا الخالة، قال هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما، قال: فسلمت فردا السلام،
ثم قالا: مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى اتى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل:
من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد ارسل اليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت اذا يوسف عليه السلام، قال: هذا يوسف، قال: فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى اتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد ارسل اليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فاذا ادريس عليه السلام، قال: هذا ادريس، قال: فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى اتى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد ارسل اليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فاذا هارون عليه السلام، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى اتى السماء السادسة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد ارسل اليه؟ قال:
نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فاذا انا بموسى عليه السلام، قال: هذا موسى عليه السلام فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح، قال: فلما تجاوزته بكى، قيل له، ما يبكيك؟ قال: ابكي لان غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من امته اكثر مما يدخلها من امتي، قال: ثم صعد حتى اتى السماء السابعة فاستفتح،
قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: او قد بعث اليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء، قال: ففتح لنا، فلما خلصت فاذا ابراهيم عليه السلام، قال: هذا ابراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: ثم رفعت الى سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجر، واذا ورقها مثل اذان الفيلة، فقال: هذه سدرة المنتهى، قال: واذا اربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: اما الباطنان فنهران في الجنة، واما الظاهران فالنيل والفرات، قال: ثم رفع الي البيت المعمور.
قال قتادة: وحدثنا الحسن، عن ابي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه راى البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون الفا ثم لا يعودون فيه، ثم رجع الى حديث انس، قال: "ثم اتيت باناء من خمر واناء من لبن واناء من عسل قال: فاخذت اللبن، قال: هذه الفطرة انت عليها وامتك، قال: ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، قال: فنزلت حتى اتيت موسى، فقال: ما فرض ربك على امتك؟ قال، قلت: خمسين صلاة كل يوم، قال: ان امتك لا تستطيع خمسين صلاة واني قد خبرت الناس قبلك، وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة، فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا، قال: فرجعت الى موسى، فقال: بم امرت؟ قلت: باربعين صلاة كل يوم، قال: ان امتك لا تستطيع اربعين صلاة كل يوم واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة، فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا اخر، فرجعت الى موسى، فقال: بم امرت، فقلت: امرت بثلاثين صلاة، قال: ان امتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة، فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا اخر، فرجعت الى موسى فقال: بم امرت؟ قلت: بعشرين صلاة كل يوم، فقال: ان امتك لا تستطيع العشرين صلاة كل يوم، واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا اخر، فرجعت الى موسى فقال: بم امرت؟ فقلت: امرت بعشر صلوات كل يوم، فقال: ان امتك لا تستطيع العشر صلوات كل يوم، واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال: فرجعت فامرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت الى موسى فقال: بم امرت؟ فقلت: امرت بخمس صلوات كل يوم، فقال: ان امتك لا تستطيع الخمس صلوات كل يوم، واني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة، فارجع الى ربك فاساله التخفيف لامتك، قال، قلت: قد سالت ربي حتى استحييت ولكن ارضى واسلم. فنفذت، فنادى مناد قد امضيت فريضتي وخففت عن عبادي" (اخرجه احمد ورواه الشيخان من حديث قتادة بنحوه).
(يتبع...)
(تابع... 2): 1 - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى... ...
(رواية انس عن ابي ذر)
قال البخاري، عن انس بن مالك قال: كان ابو ذر يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج عن سقف بيتي وانا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فافرغه في صدري، ثم اطبقه، ثم اخذ بيدي فعرج بي الى السماء الدنيا، فلما جئت الى السماء قال جبريل لخازن السماء: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك احد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: ارسل اليه؟ قال: نعم فلما فتح علونا لسماء الدنيا فاذا رجل قاعد على يمينه اسودة وعلى يساره اسودة اذا نظر قبل يمينه ضحك، واذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت جبريل: من هذا؟ قال: هذا ادم وهذه الاسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فاهل اليمين منهم اهل الجنة والاسودة التي عن شماله اهل النار، فاذا نظر عن يمينه ضحك، واذا نظر عن شماله بكى، ثم عرج بي الى السماء الثانيه، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال له الاول ففتح"، قال انس: فذكر انه قد وجد في السماوات ادم وادريس وموسى وعيسى وابراهيم ولم يثبت
كيف منازلهم، غير انه ذكر انه وجد ادم في السماء الدنيا، وابراهيم في السماء السادسة. قال انس: فلما مر جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم بادريس، قال: مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قال: ادريس، ثم مر بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح، فقلت: من هذا، قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بابراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا ابراهيم، قال الزهري: فاخبرني ابن حزم ان ابن عباس وابا حية الانصاري كانا يقولان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الاقلام". قال ابن حزم وانس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ففرض الله على امتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى عليه السلام، فقال: ما فرض الله على امتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال موسى: فارجع الى ربك فان امتك لا تطيق ذلك، فرجعت فوضع شطرها، فرجعت الى موسى قلت: وضع شطرها، فقال ارجع الى ربك فان امتك لا تطيق ذلك، فرجعت فوضع شطرها فرجعت اليه، فقال: ارجع الى ربك فان امتك لا تطيق ذلك، فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي، فرجعت الى موسى فقال: ارجع الى ربك، قلت قد استحييت من ربي، ثم انطلق بي حتى انتهى الى سدرة المنتهى فغشيها الوان لا ادري ما هي، ثم ادخلت الجنة فاذا فيها حبائل اللؤلؤ واذا ترابها المسك" (هذا لفظ البخاري في كتاب الصلاة، ورواه مسلم في كتاب الايمان بنحوه).
عن جابر بن عبد الله، انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما كذبتني قريش حين اسري بي الى بيت المقدس، قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت اخبرهم عن اياته وانا انظر اليه" (رواه احمد واخرجه الشيخان). عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى الى بيت المقدس لقي فيه ابراهيم وموسى وعيسى، وانه اتي بقدحين قدح من لبن وقدح من خمر، فنظر اليهما ثم اخذ قدح اللبن، فقال جبريل: اصبت هديت للفطرة، لو اخذت الخمر لغوت امتك، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة فاخبر انه اسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه،. وقال ابن شهاب: قال ابو سلمة بن عبد الرحمن: فتجهز - او كلمة نحوها - ناس من قريش الى ابي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم انه جاء بيت المقدس، ثم رجع الى مكة في ليلة واحدة. فقال ابو بكر: او قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فانا اشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه في ان ياتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع الى مكة قبل ان يصبح؟ قال: نعم انا اصدقه بابعد من ذلك، اصدقه بخبر السماء، قال ابو سلمة: فبها سمي ابو بكر الصديق. قال ابو سلمة: فسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث، انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما كذبتني قريش حين اسري بي الى بيت المقدس، قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت اخبرهم عن اياته وانا انظر اليه" (اخرجه البيهقي عن سعيد بن المسيب).
(رواية شداد بن اوس)
روى الامام الترمذي، عن جبير بن نفير، عن شداد بن اوس قال، قلنا: يا رسول الله، كيف اسري بك؟ قال: "صليت لاصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، فاتاني جبريل عليه السلام بدابة ابيض - او قال بيضاء - فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعب علي، فرازها باذنها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث انتهى طرفها حتى بلغنا ارضا
ذات نخل فانزلني، فقال: صل، فصليت، ثم ركبت، فقال: اتدري اين صليت؟ قلت: الله اعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها عند منتهى طرفها، ثم بلغنا ارضا، قال: انزل، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا، فقال: اتدري اين صليت؟ قلت: الله اعلم، قال: صليت بمدين عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث ادرك طرفها، ثم بلغنا ارضا بدت لنا قصور، فقال: انزل فنزلت، فقال: صل، فصليت، ثم ركبنا، فقال: اتدري اين صليت؟ قلت: الله اعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى بن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فاتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، واخذني من العطش اشد ما اخذني، فاتيت باناءين في احدهما لبن وفي الاخر عسل ارسل الي بهما جميعا، فعدلت بينهما ثم هداني الله عز وجل فاخذت اللبن فشربت حتى عرقت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثوات له، فقال: اخذ صاحبك الفطرة انه ليهدى، ثم انطلق بي حتى اتينا الوادي الذي فيه المدينة فاذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي، قلت: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال: وجدتها مثل الحمة السنخة، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد اضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد، ثم اتيت اصحابي قبل الصبح بمكة، فاتاني ابو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله اين كنت الليلة فقد التمستك في منامك، فقد علمت انك اتيت بيت المقدس الليلة، فقال يا رسول الله انه مسيرة شهر فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كاني انظر اليه لا يالني عن شيء الا انباته، فقال ابو بكر: اشهد انك لرسول الله، وقال المشركون: انظروا الى ابن ابي كبشة يزعم انه اتى بيت المقدس الليلة! قال، فقال: ان من اية ما اقول لكم اني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا، وقد اضلوا بعيرا لهم فجمعه لهم فلان، وان مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، وياتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل ادم عليه مسح اسود وغرارتان سوداوان، فلما كان ذلك اليوم اشرف الناس ينظرون حين كان قريبا من نصف النهار، حتى اقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه الترمذي والبيهقي وقال: اسناده صحيح، قال ابن كثير: وهذا الحديث مشتمل على ما هو صحيح كما قال البيهقي، وعلى ما هو منكر كالصلاة في بيت المقدس، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس).
قال البيهقي، عن قتادة عن ابي العالية، قال: حدثنا ابن عمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رايت ليلة اسري بي موسى بن عمران رجلا طوالا جعدا كانه من رجال شنوءة، ورايت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق الى الحمرة والبياض سبط الراس"، واري مالكا خازن جهنم، والدجال في ايات اراهن الله اياه، قال: {فلا تكن في مرية من لقائه}، فكان قتادة يفسرها ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام، {وجعلناه هدى لبني اسرائيل} قال: جعل موسى هدى لبني اسرائيل (رواه البيهقي ومسلم واخرجاه عن قتادة مختصرا) عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كان ليلة اسري بي فاصحبت بمكة، عرفت ان الناس مكذبي". فقعد معتزلا حزينا، فمر به عدو الله ابو جهل، فجاء حتى جلس اليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، قال: وما هو؟ قال: "اني اسري بي الليلة"، قال: الى اين؟ قال: "الى بيت المقدس". قال: ثم اصبحت بين ظهرانينا؟! قال: "نعم"، قال: فلم ير ان يكذبه مخافة ان يجحد الحديث ان دعا قومه اليه، قال: ارايت ان دعوت قومك اتحدثهم بما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقال: يا معشر بني كعب بن لؤي، قال، فانفضت اليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا اليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اني اسري بي الليلة"، فقالوا: الى اين؟ قال: "الى بيت المقدس"، قالوا: ثم اصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال، فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على راسه متعجبا للكذب، قالوا: وتستطيع ان تنعت لنا المسجد؟ وفيهم من قد سافر الى ذلك البلد وراى المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما زلت انعت حتى التبس علي بعض النعت، قال: فجيء بالمسجد وانا انظر اليه حتى وضع دون دار عقيل، فنعته وانا انظر اليه، قال: وكان مع هذا نعت لم احفظه، قال، فقال القوم: اما النعت فوالله لقد اصاب فيه" (اخرجه احمد والبيهقي والنسائي).
وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين، عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حين اسري بي لقيت موسى عليه السلام - فنعته فاذا هو رجل حسبته قال: مضطرب، رجل الراس، كانه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى - فنعته النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربعة احمر كانما خرج من ديماس - يعني حمام، قال: ولقيت ابراهيم واشبه ولده به، قال: واتيت باناءين في احدهما لبن وفي الاخر خمر، قيل لي: خذ ايهما شئت، فاخذت اللبن فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة، - او اصبت الفطرة - اما انك لو اخذت الخمر غوت امتك". وفي صحيح مسلم، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رايتني في الحجر وقريش تسالني مسراي، فسالوني عن اشياء من بيت المقدس لم اثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله الي انظر اليه، ما سالوني عن شيء الا انباتهم به، وقد رايتني في جماعة من الانبياء، واذا موسى قائم يصلي واذا هو رجل جعد كانه من رجال شنوءة،
واذا عيسى ابن مريم قائم يصلي اقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي، واذا ابراهيم قائم يصلي اقرب الناس شبها به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فاممتهم، فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن جهنم، فالتفت اليه فبداني بالسلام" (اخرجه مسلم في صحيحه).
قال ابن ابي حاتم، عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رايت ليلة اسري بي لما انتهيت الى السماء السابعة، فنظرت فوق، فاذا رعد وبرق وصواعق، قال: واتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اكلوا الربا، فلما نزلت الى السماء الدنيا نظرت اسفل مني فاذا انا برهج ودخان واصوات، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يحومون على اعين بني ادم لا يتفكرون في ملكوت السماوات والارض، ولولا ذلك لراوا العجائب" (ورواه الامام احمد وابن ماجه).
(يتبع...)
(تابع... 3): 1 - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى... ...
فصل
واذا حصل الوقوف على مجموع هذه الاحاديث يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس، وانه مرة واحدة، قال الزهري: كان الاسراء قبل الهجرة والحق انه عليه السلام اسري به (يقظة) لا (مناما) من مكة الى بيت المقدس راكبا على البراق، فلما انتهى الى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم اتي بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها فصعد فيه الى السماء الدنيا، ثم الى بقية السماوات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الانبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وابراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتيهما صلى الله وسلم وعليهما وعلى سائر الانبياء، حتى انتهى الى مستوى يسمع فيه صريف الاقلام، اي اقلام القدر، بما هو كائن، وراى سدرة المنتهى وغشيها من امر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب والوان متعددة، وغشيتها الملائكة، وراى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، وراى رفرفا اخضر قد سد الافق. وراى البيت المعمور وابراهيم الخليل ياتي الكعبة الارضية مسندا ظهره اليه لانه الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون الفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون اليه الى يوم القيامة. وراى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها الى خمس رحمة منه ولطفا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط الى بيت المقدس وهبط معه الانبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل انها الصبح يومئذ، ومن الناس من يزعم انه امهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات انه ببيت المقدس ولكن في بعضها انه كان اول دخوله اليه، والظاهر انه بعد رجوعه اليه لانه لما مر بهم في منازلهم جعل يسال عنهم جبريل واحدا واحدا وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق، لانه كان اولا مطلوبا الى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى امته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي اريد به اجتمع به هو واخوته من النبيين، ثم اظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الامامة، وذلك عن اشارة جبريل عليه السلام له في ذلك ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد الى مكة بغلس والله سبحانه وتعالى اعلم.
ثم اختلف الناس هل كان الاسراء ببدنه عليه السلام وروحه ام بروحه فقط؟
على قولين، فالاكثرون من العلماء على انه اسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما، ولا ينكرون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى قبل ذلك مناما ثم راه بعد ذلك يقظة لانه كان عليه السلام لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى: {سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله}. فالتسبيح انما يكون عند الامور العظام، فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظما، ولما بادرت كفار قريش الى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة مما كان قد اسلم. وايضا فان العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال: {اسرى بعبده ليلا}. وقال تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس} قال ابن عباس: هي رؤيا عين اريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقزم (رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما). وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى}، والبصر من الات الذات لا الروح، وايضا فانه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان وانما يكون هذا للبدن لا للروح لانها لا تحتاج في حركتها الى مركب تركب عليه والله اعلم. وقال اخرون: بل اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه لا بجسده وقد تعقبه ابو جعفر ابن جرير في تفسيره بالرد والانكار والتشنيع بان هذا خلاف ظاهر سياق القران.
فائدة
وقد ذكر حديث الاسراء، من طريق انس، وقد تواترت الروايات في حديث الاسراء، عن عمر ابن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وابي ذر، ومالك بن صعصعة، وابي هريرة، وابي سعيد، وابن عباس، وشداد بن اوس، وابي بن كعب، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وحذيفة، وابي ايوب، وابي امامة، وسمرة بن جندب، وصهيب الرومي، وام هانئ، وعائشة، واسماء رضي الله عنهم اجمعين، منهم من ساقه بطوله ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وان لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الاسراء اجمع عليه المسلمون واعرض عنه الزنادقة الملحدون {يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.
|
13 |
43 |
احاديث |
18 - سورة الكهف
|
[مقدمة]
% "ذكر ما ورد في فضلها وانها عصمة من الدجال"
عن ابي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ عشر ايات من اول سورة الكهف عصم من الدجال" (رواه مسلم وابو داود والنسائي والترمذي)، طريق اخرى: قال الامام احمد عن ابي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرا العشر الاواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال". ورواه مسلم ايضا والنسائي، وفي لفظ النسائي: "من قرا عشر ايات من الكهف" فذكره. حديث اخر: عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: "من قرا العشر الاواخر من سورة الكهف فانه عصمة له من الدجال" (اخرجه النسائي في سننه) .
بسم الله الرحمن الرحيم.
|
14 |
31 |
احاديث |
19 - سورة مريم
|
[مقدمة]
وقد روى محمد بن اسحاق في السيرة من حديث ام سلمة، واحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة الى ارض الحشبة من مكة، ان جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه قرا صدر هذه السورة على النجاشي واصحابه.
بسم الله الرحمن الرحيم.
|
15 |
30 |
احاديث |
20 - سورة طه
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - طه
- 2 - ما انزلنا عليك القران لتشقى
- 3 - الا تذكرة لمن يخشى
- 4 - تنزيلا ممن خلق الارض والسماوات العلى
- 5 - الرحمن على العرش استوى
- 6 - له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى
- 7 - وان تجهر بالقول فانه يعلم السر واخفى
- 8 - الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى
% قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في اول سورة البقرة بما اغنى عن اعادته.
روي عن ابن عباس قال: {طه} يا رجل، وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة والضحاك، واسند القاضي عياض في كتابه "الشفاء" عن الربيع بن انس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا صلى قام على رجل ورفع الاخرى، فانزل الله تعالى: {طه} يعني طا الارض يا محمد (هذا التفسير غريب ولم ينكره ابن كثير رحمه الله ولم يثبت في احاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يقوم على رجل واحدة وانما ثبت انه كان يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه، فتفسير (طه) بمعنى طاها مستبعد، والله اعلم) {ما انزلنا عليك القران لتشقى} ثم قال: ولا يخفى ما في هذا من الاكرام وحسن المعاملة، وقوله: {ما انزلنا عليك القران لتشقى} قال الضحاك: لما انزل الله القران على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو واصحابه، فقال المشركون من قريش: ما انزل هذا القران على محمد الا ليشقى، فانزل الله تعالى: {طه ما انزلنا عليك القران لتشقى الا تذكرة لمن يخشى} فليس الامر كما زعمه المبطلون، بل من اتاه العلم فقد اراد به خيرا كثيرا، كما ثبت في الصحيحين عن معاوية قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". وما احسن الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني، عن ثعلبة بن الحكم، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة اذا قعد على كرسيه لقضاء عباده، اني لم اجعل علمي وحكمتي فيكم الا وانا اريد ان اغفر لكم على ما كان منكم ولا ابالي" (قال ابن كثير: اسناده جيد، وثعلبة بن الحكم هو الليثي، نزل البصرة ثم تحول الى الكوفة). وقال مجاهد في قوله {ما انزلنا عليك القران لتشقى} هي كقوله: {فاقراوا ما تيسر منه} وكانوا يعلقون الحبال بصدروهم في الصلاة. وقال قتادة: لا والله ما جعله شقاء ولكن رحمة ونورا، ودليلا الى الجنة {الا تذكرة لمن يخشى} ان الله انزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر انزل الله فيه حلاله وحرامه، وقوله: {تنزيلا ممن خلق الارض والسموات العلى} اي هذا القران الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك، الذي خلق الارض بانخفاضها وكثافتها، وخلق السماوات العلى في ارتفاعها ولطافتها، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره، ان سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبعد ما بينها، والتي تليها مسيرة خمسمائة عام.
وقوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} المسلك الاسلم طريقة السلف، وهو امرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل، وقوله: {له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى} اي الجميع ملكه وفي قبضته، وتحت تصرفه ومشيئته وارادته وحكمه، وهو خالق ذلك ومالكه، والهه لا اله سواه، وقوله: {وما تحت الثرى} قال محمد بن كعب: اي ما تحت الارض السابعة، {وان تجهر بالقول فانه يعلم السر واخفى} اي انزل هذا القران الذي خلق الارض والسماوات العلى الذي يعلم السر واخفى، كما قال تعالى: {قل انزله الذي يعلم السر في السموات والارض، انه كان غفورا رحيما}، قال ابن عباس {يعلم السر واخفى} قال: السر ما اسره ابن ادم في نفسه، {واخفى} ما اخفي على ابن ادم مما هو فاعله قبل ان يعلمه، فالله يعلم ذلك كله، فعلمه فيما مضى من ذلك، وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة، وهو قوله: {ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة}. وقال الضحاك {يعلم السر واخفى} قال: السر ما تحدث به نفسك، واخفى ما لم تحدث نفسك به بعد. وقال سعيد بن جبير: انت تعلم ما تسر اليوم، ولا تعلم ما تسر غدا، والله يعلم ما تسر اليوم وما تسر غدا، وقال مجاهد {واخفى} يعني الوسوسة، وقال ايضا {واخفى} اي ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه، وقوله: {الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى}: اي الذي انزل عليك القران هو الله الذي لا اله الا هو ذو الاسماء الحسنى، والصفات العلى، وقد تقدم بيان الاحاديث الواردة في الاسماء الحسنى في اواخر سورة الاعراف ولله الحمد والمنة.
(تابع... 1): 36 - قال قد اوتيت سؤلك يا موسى... ...
فاما سار موسى باهله كان من امر النار والعصا ويده ما قص الله عليك في القران، فشكا الى الله تعالى ما يحذر من ال فرعون في القتل، وعقدة لسانه، فانه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسال ربه ان يعينه باخيه هارون يكون له ردءا يتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، فاتاه الله سؤله وحل عقدة من لسانه، واوحى الله الى هارون وامره ان يلقاه، فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون عليه السلام، فانطلقا جميعا الى فرعون فاقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما، ثم اذن لهما بعد حجاب شديد، فقالا: {انا رسولا ربك}، قال: فمن ربكما؟ فاخبراه بالذي قص الله عليك في القران، قال: فما تريدان؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت، قال: اريد ان تؤمن بالله وترسل معنا بني اسرائيل. فابى عليه، فقال: ائت باية ان كنت من الصادقين، فالقى عصاه فاذا هي حية تسعى عظيمة فاغرة فاها مسرعة الى فرعون، فلما راها فرعون قاصدة اليه خافها فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى ان يكفلها عنه، ففعل، ثم اخرج يده من جيبه فراها بيضاء من غير سوء، يعني من غير برص، ثم ردها فعادت الى لونها الاول، فاستشار الملا حوله فيما راى، فقالوا له: هذان ساحرن يريدان ان يخرجاكم من ارضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش، وابوا على موسى ان يعطوه شيئا مما طلب، وقالوا له: اجمع لهما السحرة، فانهم بارضك كثير حتى تغلب بسحرك سحرهما، فارسل الى المدائن فحشر له كل ساحر متعالم، فلما اتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات، قالوا: فلا والله ما احد في الارض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل فما اجرنا ان نحن غلبناه؟ قال لهم: انتم اقاربي وخاصتي وانا صانع اليكم كل شيء احببتم، فتواعدوا يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى.
قال سعيد بن جبير: فحدثني ابن عباس: ان يوم الزينة اليوم الذي اظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة هو يوم عاشوراء. فلما اجتمعوا في صعيد واحد، قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر لهذا الامر {لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغاليبن} يعنون موسى وهارون، استهزاء بهما {فقالوا يا موسى اما ان تلقي واما ان نكون نحن الملقين * قال بل القوا، فالقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون انا لنحن الغالبون}، فراى موسى من سحرهم ما اوجس في نفسه خيفة، فاوحى الله اليه ان الق عصاك، فلما القاها صارت ثعبانا عظيما فاغرا فاه فجعلت العصي تلتبس بالحبال حتى صارت جرزا الى الثعبان تدخل فيه، حتى ما ابقت عصا ولا حبلا الا ابتعلته، فلما عرف السحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا، ولكن هذا امر من الله عز وجل، امنا بالله وبما جاء به موسى من عند الله ونتوب الى الله مما كنا عليه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن واشياعه، وظهر الحق وبطل ما كانوا يعلمون {فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}، وامراة فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون واشياعه، فمن راها من ال فرعون ظن انها ابتذلت للشفقة على فرعون واشياعه وانما كان حزنها وهمها لموسى.
فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاء باية وعده عندها ان يرسل معه بني اسرائيل، فاذا مضت اخلف موعده، وقال: هل يستطيع ربك ان يصنع غير هذا؟ فارسل الله على قومه: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ايات مفصلات، كل ذلك يشكو الى موسى ويطلب اليه ان يكفها عنه ويواثقه على ان يرسل معه بني اسرائيل، فاذا كف ذلك عنه اخلف موعده ونكث عهده، حتى امر الله موسى بالخروج بقومه فخرج بهم ليلا، فلما اصبح فرعون وراى انهم قد مضوا ارسل في المدائن حاشرين، فتبعه بجنود عظيمة كثيرة، واوحى الله الى البحر اذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقة حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التقي على من بقي بعد من فرعون واشياعه، فنسي موسى ان يضرب البحر بالعصا وانتهى الى البحر وله قصيف، مخافة ان يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله. فلما تراءى الجمعان وتقاربا، قال اصحاب موسى: انا لمدركون، افعل ما امرك به ربك فانه لم يكذب ولم تكذب. قال وعدني ربي اذا اتيت البحر انفلق اثنتي عشرة فرقة، حتى اجاوزه، ثم ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحر بعصاه حين دنا اوائل جند فرعون من اواخر جند موسى، فانفرق البحر كما امره ربه وكما وعد موسى، فلما ان جاز موسى واصحابه كلهم البحر ودخل فرعون واصحابه، التقى عليهم البحر كما امر؛ فلما جاوز موسى البحر قال اصحابه: انا نخاف ان لا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه فاخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه.
ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على اصنام لهم {قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم الهة قال انكم قوم تجهلون * ان هؤلاء متبر ما هم فيه} الاية: قد رايتم من العبر، وسمعتم ما يكفيكم،
ومضى فانزلهم موسى منزلا، وقال: اطيعوا هارون فاني قد استخلفته عليكم فاني ذاهب الى ربي، واجلهم ثلاثين يوما ان يرجع اليهم فيها، فلما اتى ربه واراد ان يكلمه ثلاثين يوما وقد صامهن ليلهن ونهارهن، وكره ان يكلم ربه وريح فيه، ريح فم الصائم، فتناول موسى من نبات الارض شيئا فمضغه، فقال له ربه حين اتاه: لم افطرت؟ وهو اعلم بالذي كان! قال: يا رب اني كرهت ان اكلمك الا وفمي طيب الريح، قال: اوما علمت يا موسى ان ريح فم الصائم اطيب عندي من ريح المسك، ارجع فصم عشرا. ثم ائتني. ففعل موسى عليه السلام ما امر به، فلما راى قومه انه لم يرجع اليهم في الاجل سائهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم، وقال: انكم قد خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عوار وودائع ولكم فيهم مثل ذلك، فاني ارى انكم تحتسبون ما لكم عندهم، ولا احل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية، ولسنا برادين اليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لانفسنا، فحفر حفيرا وامر كل قوم عندهم من ذلك من متاع او حلي ان يقذفوه في ذلك الحفير، ثم اوقد عليه النار فاحرقته، فقال: لا يكون لنا ولا لهم. وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني اسرائيل، ولم يكن من بني اسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني اسرائيل حين احتملوا. فقضي له ان راى اثرا فقبض منه قبضة فمر بهارون، فقال له هارون عليه السلام: يا سامري الا تلقي ما في يدك وهو قابض عليه لا يراه احد طول ذلك، فقال: هذه قبضة من اثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، لا القيها لشيء الا ان تدعو الله اذا القيتها ان يجعلها ما اريد، فالقاها ودعا له هارون، فقال: اريد ان يكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع او حلية او نحاس او حديد، فصار عجلا اجوف ليس فيه روح وله خوار! قال ابن عباس: لا والله ما كان له صوت قط انما كانت الريح تدخل في دبره وتخرج من فيه، وكان ذلك الصوت من ذلك، فتفرق بنو اسرائيل فرقا، فقالت فرقة: يا سامري ما هذا وانت اعلم به؟ قال هذا ربكم، ولكن موسى اضل الطريق، فقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع الينا موسى، فان كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين راينا، وان لم يكن ربنا، فانا نتبع قول موسى، وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان، وليس بربنا، ولا نؤمن ولا نصدق، واشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل، واعلنوا التكذيب به، فقال لهم هارون: {يا قوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا امري}، قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما، ثم اخلفنا، هذه اربعون يوما قد مضت، وقال سفهاؤهم: اخطا ربه فهو يطلبه يتبعه.
فلما كلم الله موسى وقال له ما قال، اخبره بما لقي قومه من بعده، {فرجع موسى الى قومه غضبان اسفا}، فقال لهم: ما سمعتم في القران، واخذ براس اخيه يجره اليه، والقى الالواح من الغضب، ثم انه عذر اخاه بعذره واستغفر له وانصرف الى السامري، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: قبضت قبضة من اثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم {فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فان لك في الحياة ان تقول لا مساس، وان لك موعدا لن تخلفه، وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا، لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا}. ولو كان الها لم يخلص الى ذلك منه، فاستيقن بنو اسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رايهم فيه مثل راي هارون، فقالوا لجماعتهم: يا موسى سل لنا بك ان يفتح لنا باب توبة نصنعها، فيكفر عنا ما عملنا، فاختار موسى قومه سبعين رجلا لذلك لا يالو الخير، خيار بني اسرائيل ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم يسال لهم التوبة، فرجفت بهم الارض فاستحيا نبي الله من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل، فقال: {رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا}؟ وفيهم من كان الله اطلع منه على ما اشرب قلبه من حب العجل وايمانه به، فلذلك رجفت بهم الارض، فقال: {ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل}، فقال: يا رب سالتك التوبة لقومي فقلت ان رحمتي كتبتها لقوم غير قومي، هلا اخرتني حتى تخرجني في امة ذلك الرجل المرحومة؟ فقال له: ان توبتهم ان يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد، فيقتله بالسيف ولا يبالي في ذلك الموطن، وتاب اولئك الذين كان خفي امرهم على موسى وهارون، واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما امروا وغفر الله للقاتل والمقتول.
ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجها نحو الارض المقدسة، واخذ الالواح بعد ما سكت عنه الغضب، فامرهم بالذي امرهم به ان يبلغهم من الوظائف. فثقل ذلك عليهم وابوا ان يقروا بها، فنتق الله عليهم الجبل كانه ظلة ودنا منهم حتى خافوا ان يقع عليهم، فاخذوا الكتاب بايمانهم وهم مصغون، ينظرون الى الجبل والكتاب بايديهم وهم من وراء الجبل مخافة ان يقع عليهم، ثم مضوا حتى اتوا الارض المقدسة، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم امرا عجيبا من عظمها، فقالوا: يا موسى! ان فيها قوما جبارين لا طاقة لنا بهم ولا ندخلها ما داموا فيها، فان يخرجوا منها فانا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون: قيل ليزيد هكذا قرات؟ قال: نعم من الجبارين امنا بموسى، وخرجا اليه، قالوا: نحن اعلم بقومنا ان كنتم انما
تخافون ما رايتم من اجسامهم وعددهم فانهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب، فاذا دخلتموه فانكم غالبون. ويقول اناس: انهم من قوم موسى، فقال الذين يخافون بني اسرائيل: {قالوا يا موسى انا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون}، فاغضبوا موسى فدعا عليهم وسماهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما راى منهم من المعصية واساءتهم، حتى كان يومئذ، فاستجاب الله له وسماهم كما سماهم موسى فاسقين، وحرمها عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار، وظلل عليهم الغمام في التيه وانزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا وامر موسى فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية ثلاثة اعين، واعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها فلا يرتحلون من مكان الا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي كان فيه بالامس (اخرجه النسائي في سننه وابن جرير وابن ابي حاتم في تفسيريهما، قال ابن كثير: وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع الا قليل منه وكانه تلقاه ابن عباس مما ابيح نقله من الاسرائيليات).
فلبثت سنين في اهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى
- 41 - واصطنعتك لنفسي
- 42 - اذهب انت واخوك باياتي ولا تنيا في ذكري
- 43 - اذهبا الى فرعون انه طغى
- 44 - فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى
% يقول تعالى مخاطبا لموسى عليه السلام: انه لبث مقيما في اهل مدين فارا من فرعون وملئه، يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الاجل، ثم جاء موافقا لقدر الله وارادته من غير ميعاد، والامر كله لله تبارك وتعالى، وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء، ولهذا قال: {ثم جئت على قدر يا موسى} قال مجاهد: اي على موعد، وقال قتادة: على قدر الرسالة والنبوة، وقوله: {واصطنعتك لنفسي} اي اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي، اي كما اريد واشاء، روى البخاري عند تفسيرها عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التقى ادم وموسى، فقال موسى: انت الذي اشقيت الناس واخرجتهم من الجنة، فقال ادم: وانت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وانزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدته مكتوبا علي قبل ان يخلقني؟ قال: نعم، فحج ادم موسى" (اخرجه في الصحيحين). وقوله: {اذهب انت واخوك باياتي} اي بحججي وبراهيني ومعجزاتي {ولا تنيا في ذكري} قال ابن عباس: لا تبطئا، وقال مجاهد عن ابن عباس: لا تضعفا، والمراد انهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانا كاسرا له كما جاء في الحديث: "ان عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه"، وقوله: {اذهبا الى فرعون انه طغى} اي تمرد وعتا، وتجبر على الله وعصاه، {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى} هذه الاية فيها عبرة عظيمة، وهو ان
فرعون في غاية العتو والاسكتبار، وموسى صفوة الله من خلقه اذ ذاك، ومع هذا امر ان لا يخاطب فرعون الا بالملاطفة واللين، وعن الحسن البصري {فقولا له قولا لينا} اعذرا اليه، قولا له: ان لك ربا ولك معادا، وان بين يديك جنة ونارا، والحاصل من اقوالهم ان دعوتهما له تكون بكلام رقيق، لين سهل رفيق، ليكون اوقع في النفوس وابلغ وانجع، كما قال تعالى: {ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن}، وقوله: {لعله يتذكر او يخشى} اي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، او يخشى - اي يوجد طاعة من خشية ربه - كما قال تعالى: {لمن اراد ان يذكر او يخشى} فالتذكر الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة، وقال الحسن البصري: {لعله يتذكر او يخشى} يقول: لا تقل انت يا موسى واخوك هارون اهلكه قبل ان اعذر اليه.
|
16 |
31 |
احاديث |
21 - سورة الانبياء
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون
- 2 - ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون
- 3 - لاهية قلوبهم واسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا الا بشر مثلكم افتاتون السحر وانتم تبصرون
- 4 - قال ربي يعلم القول في السماء والارض وهو السميع العليم
- 5 - بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا باية كما ارسل الاولون
- 6 - ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها افهم يؤمنون
% هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها، وان الناس في غفلة عنها، اي لا
يعملون لها ولا يستعدون من اجلها، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم {في غفلة معرضون} قال: "في الدنيا" (الحديث اخرجه النسائي عن ابي سعيد الخدري). وقال تعالى: {اتى امر الله فلا تستعجلوه}. وقال ابو العتاهية:
الناس في غفلاتهم * ورحا المنية تطحن
وروي عن عامر بن ربيعة انه نزل به رجل من العرب، فاكرم مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه الرجل فقال: اني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا في العرب، وقد اردت ان اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة اذهلتنا عن الدنيا: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}؛ ثم اخبر تعالى انهم لا يصغون الى الوحي الذي انزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار فقال: {ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث} اي جديد انزاله {الا استمعوه وهم يلعبون}، كما قال ابن عباس: ما لكم تسالون اهل الكتاب عما بايديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم احدث الكتب بالله تقراونه محضا لم يشب (اخرجه البخاري بنحوه، ومعنى لم يشب: اي لم يخلط بغيره من الاباطيل والاضاليل). وقوله: {واسروا النجوى الذين ظلموا} اي قائلين فيما بينهم خفية {هل هذا الا بشر مثلكم} يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبيا لانه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم، ولهذا قال {افتاتون السحر وانتم تبصرون} اي افتتبعونه فتكونون كمن ياتي السحر وهو يعلم انه سحر، فقال تعالى مجيبا لهم عما اقترفوه واختلقوه من الكذب {قال ربي يعلم القول في السماء والارض}: اي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية وهو الذي انزل هذا القران المشتمل على خبر الاولين والاخرين، الذي لا يستطيع احد ان ياتي بمثله الا الذي يعلم السر في السماوات والارض.
وقوله تعالى: {وهو السميع العليم} اي السميع لاقوالكم العليم باحوالكم، وفي هذا تهديد لكم ووعيد، وقوله: {بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه}، هذا اخبار عن تعنت الكفار والحادهم واختلافهم فيما يصفون به القران وحيرتهم فيه وضلالهم عنه؛ فتارة يجعلونه سحرا، وتارة يجعلونه شعرا، وتارة يجعلونه اضغاث احلام، وتارة يجعلونه مفترى، كما قال: {انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا}، وقوله: {فلياتنا باية كما ارسل الاولون} يعنون كناقة صالح وايات موسى وعيسى، وقد قال الله: {وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون} الاية. ولهذا قال تعالى: {ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها افهم يؤمنون} (اخرج ابن جرير عن قتادة قال، قال اهل مكة للنبي عليه السلام: ان كان ما تقول حقا ويسرك ان نؤمن، فحول لنا الصفا ذهبا، فاتاه جبريل عليه السلام فقال: ان شئت كان الذي سالك قومك، ولكنه ان كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا، وان شئت استانيت بقومك. فنزلت الاية: {ما امنت قبلهم من قرية اهلكناها}) اي ما اتينا قرية من القرى التي بعث فيها الرسل اية على ايدي نبيها فامنوا بها بل كذبوا فاهلكناهم بذلك افهؤلاء يؤمنون بالايات لو راوها دون اولئك؟ كلا، بل {ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل اية حتى يروا العذاب الاليم} هذا كله، وقد شاهدوا من الايات الباهرات والحجج القاطعات، والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما هو اظهر واجلى وابهر واقطع واقهر مما شوهد مع غيره من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
|
17 |
35 |
احاديث |
22 - سورة الحج
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم
- 2 - يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد
% يقول تعالى امرا عباده بتقواه، ومخبرا لهم بما يستقبلون من اهوال يوم القيامة واحوالها، وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم الى عرصات القيامة، او ذلك عبارة عن زلزلة الارض قبل قيام الناس من اجداثهم، كما قال تعالى: اذا زلزلت الارض زلزالها واخرجت الارض اثقالها}، وقال تعالى: {وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة} الاية، فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في اخر عمر الدنيا واول احوال الساعة، عن علقمة في قوله {ان زلزلة الساعة شيء عظيم} قال: قبل الساعة (ذكره ابن جرير وابن ابي حاتم عن ابراهيم عن علقمة). وعن عامر الشعبي قال: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة، وقد اورد الامام ابن جرير في حادث الصور عن ابي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان الله لما فرغ من خلق السماوات والارض، خلق الصور فاعطاه اسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره الى العرش ينتظر متى يؤمر". قال ابو هريرة: يا رسول الله! وما الصور؟ قال: "قرن"، قال: فكيف هو؟ قال: "قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الاول نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يامر الله اسرافيل بالنفخة الاولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع اهل السماوات واهل الارض الا من شاء الله، ويامره فيمدها ويطولها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: {وما ينظر هؤلاء الا صيحة واحدة ما لها من فواق}، فتسير الجبال فتكون ترابا، وترج الارض باهلها رجا وهي التي يقول الله تعالى: {يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة، قلوب يومئذ واجفة}، فتكون الارض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الامواج تكفؤها باهلها، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الارواح، فيمتد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع وتضع الحوامل ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تاتي الاقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضان وهي التي يقول الله تعالى: {يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد}. فبينما هم على ذلك اذ انصدعت الارض من قطر الى قطر وراوا امرا عظيما، فاخذهم لذلك من الكرب ما الله اعلم به، ثم نظروا الى السماء فاذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها وقمرها وانتثرت نجومها ثم كشطت - عنهم - قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "والاموات لا يعلمون بشيء من ذلك"، قال ابو هريرة: قمن استثنى الله حين يقول: {ففزع من في السماوات ومن في الارض الا من شاء} قال: "اولئك الشهداء، وانما يصل الفزع الى الاحياء، اولئك احياء عند ربهم يرزقون ووقاهم الله شر ذلك اليوم وامنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله: {يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}" (الحديث رواه الطبراني وابن جرير وابن ابي حاتم وغيرهم). وهذا الحديث دل على ان هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة، اضيفت الى الساعة لقربها منها، كما يقال اشراط الساعة ونحو ذلك والله اعلم.
وقال اخرون: بل ذلك هول وفزع وزلزال كائن قبل يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور، واختار ذلك ابن جرير، واحتجوا باحاديث:
(الحديث الاول): عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت {يا ايها الناس اتقوا ربكم - الى قوله - ولكن عذاب الله شديد} قال: نزلت عليه هذه الاية وهو في سفر فقال: "اتدرون اي يوم ذلك؟" قالوا: الله ورسوله اعلم، قال: "ذلك يوم يقول الله لادم ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة"، فانشا المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا فانها لم تكن نبوة قط الا كان بين يديها جاهلية، قال فيؤخذ العدد من الجاهلية فان تمت والا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الامم الا كمثل الرقمة في ذراع الدابة او كالشامة في جنب البعير"، ثم قال: "اني لارجو ان تكونوا ربع اهل الجنة"، فكبروا، ثم قال: "اني لارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة"، فكبروا، ثم قال: "اني لارجو ان تكونوا نصف اهل الجنة"، فكبروا، ثم قال: ولا ادري اقال الثلثين ام لا؟ (الحديث اخرجه الترمذي والامام احمد عن عمران بن حصين، وقال الترمذي: حديث صحيح).
(الحديث الثاني) : قال البخاري عند تفسير هذه الاية، عن ابي سعيد الخدري قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ادم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت ان الله يامرك ان تخرج من ذريتك بعثا الى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل الف - اراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}"، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ياجوج وماجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد، انتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الابيض، او كالشعرة البيضاء في جنب الثور الاسود، اني لارجو ان تكونوا ربع اهل الجنة، فكبرنا، ثم قال: ثلث اهل الجنة، فكبرنا، ثم قال: شطر اهل الجنة"، فكبرنا (اخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن ابي سعيد الخدري).
(الحديث الثالث) : عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انكم تحشرون الى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلا"، قالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم الى بعض، قال: "يا عائشة ان الامر اشد من ان يهمهم ذاك" (اخرجاه في الصحيحين ورواه الامام احمد، وفي رواية: ان الامر اعظم من ان ينظر بعضهم الى بعض).
(الحديث الرابع) : عن عائشة قالت، قلت: يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: "يا عائشة اما عند ثلاث فلا، اما عند الميزان حتى يثقل او يخف فلا، واما عند تطاير الكتب اما يعطى بيمينه واما يعطى بشماله فلا، وحين يخرج عنق من النار فيطوى عليهم ويتغيظ عليهم ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله الها اخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد - قال: فينطوي عليهم ويرميهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر ارق من الشعر واحد من السيف عليه كلاليب وحسك ياخذان من شاء الله، والناس عليه كالبرق وكالطرف وكالريح وكاجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: يا رب سلم سلم، فناج مسلم ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه" (اخرجه الامام احمد عن عائشة رضي الله عنها). والاحاديث في اهوال يوم القيامة والاثار كثيرة جدا لها موضع اخر، ولهذا قال الله تعالى: {ان زلزلة الساعة شيء عظيم} اي امر عظيم وخطب جليل، والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع، كما قال تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}، ثم قال تعالى: {يوم ترونها} هذا من باب ضمير الشان، ولهذا قال مفسرا له: {تذهل كل مرضعة عما ارضعت} اي فتشتغل لهول ما ترى عن احب الناس اليها، والتي هي اشفق الناس عليه تدهش عنه في حال ارضاعها له، ولهذا قال: {كل مرضعة} ولم يقل مرضع، وقال {عما ارضعت} اي عن رضعيها وفطامه، وقوله: {وتضع كل ذات حمل حملها} اي قبل تمامه لشدة الهول {وترى الناس سكارى} اي من شدة الامر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم، وغابت اذهانهم فمن راهم حسب انهم سكارى {وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
|
18 |
23 |
احاديث |
23 - سورة المؤمنون
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - قد افلح المؤمنون
- 2 - الذين هم في صلاتهم خاشعون
- 3 - والذين هم عن اللغو معرضون
- 4 - والذين هم للزكاة فاعلون
- 5 - والذين هم لفروجهم حافظون
- 6 - الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين
- 7 - فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون
- 8 - والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون
- 9 - والذين هم على صلواتهم يحافظون
- 10 - اولئك هم الوارثون
- 11 - الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
% روى الامام احمد عن عمر بن الخطاب قال: كان اذا نزل على رسول الله صلى الله عليه
وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا، واكرمنا ولا تهنا، واعطنا ولا تحرمنا، واثرنا ولا تؤثر علينا، وارض علينا وارضنا، ثم قال: لقد انزل علي عشر ايات من اقامهن دخل الجنة" ثم قرا {قد افلح المؤمنون} حتى ختم العشر (اخرجه الامام احمد والترمذي والنسائي). وقال النسائي في تفسيره عن يزيد بن بابنوس، قال، قلنا لعائشة ام المؤمنين: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القران، فقرات: {قد افلح المؤمنون - حتى انتهت الى - والذين هم على صلواتهم يحافظون} قالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن انس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها: انطقي، قالت: {قد افلح المؤمنون}، فقال الله: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل"؛ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون} (اخرجه ابن ابي الدنيا ورواه الحافظ البزار والطبراني بنحوه)، وقوله تعالى: {قد افلح المؤمنون} اي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الاوصاف {الذين هم في صلاتهم خاشعون} قال ابن عباس: {خاشعون} خائفون ساكنون، وعن علي: الخشوع خشوع القلب، وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك ابصارهم، وخفضوا الجناح. وقال محمد بن سيرين: كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون ابصارهم الى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الاية: {قد افلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} خفضوا ابصارهم الى موضع سجودهم، والخشوع في الصلاة انما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها واثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حبب الي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة" (الحديث اخرجه الامام احمد والنسائي عن انس بن مالك مرفوعا) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال، ارحنا بالصلاة" (اخرجه الامام احمد في المسند).
وقوله تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} اي عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم، والمعاصي كما قاله اخرون، وما لا فائدة فيه من الاقوال والافعال كما قال تعالى: {واذا مروا باللغو مروا كراما}، قال قتادة: اتاهم والله من امر الله ما وقفهم عن ذلك، وقوله: {والذين هم للزكاة فاعلون} الاكثرون على ان المراد بالزكاة ههنا زكاة الاموال مع ان هذه الاية مكية، وانما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر ان اصل الزكاة كان واجبا بمكة، قال تعالى في سورة الانعام وهي مكية: {واتوا حقه يوم حصاده}؛ وقد يحتمل ان يكون المراد بالزكاة ههنا زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله : {قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها}، وقد يحتمل ان يكون كلا الامرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الاموال، فانه من جملة زكاة النفوس، المؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله اعلم. وقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون} اي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى ازواجهم التي احلها الله لهم، او ما ملكت ايمانهم من السراري، ومن تعاطى ما احله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: {فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك} اي غير الازواج والاماء {فاولئك هم العادون} اي المعتدون. وقد استدل الامام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الاية الكريمة: {والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم} قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال الله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون}.
وقوله تعالى: {والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون} اي اذا اؤتمنوا لم يخونوا بل يؤدونها الى اهلها، واذا عاهدوا او عاقدوا اوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب، واذا وعد اخلف، واذا اؤتمن خان"، وقوله: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} اي يواظبون عليها في مواقيتها كما قال ابن مسعود: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله اي العمل احب الى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم اي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم اي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (اخرجاه في الصحيحين)، وفي مستدرك الحاكم قال: "الصلاة في اول وقتها"، وقال ابن مسعود ومسروق في قوله: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} يعني مواقيت الصلاة، وقال قتادة: على مواقيتها وروكوعها وسجودها، وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة واختتمها بالصلاة، فدل على افضليتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا ان خير اعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن". ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والافعال الرشيدة قال: {اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}، وثبت في الصحيحين: "اذا سالتم الله الجنة فاسالوه الفردوس فانه اعلى الجنة واوسط الجنة، ومنه تفجر انهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من احد الا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فان مات ودخل النار ورث اهل الجنة منزله، فذلك قوله: {اولئك هم الوارثون} (اخرجه ابن ابي حاتم عن ابي هريرة) ". وقال مجاهد: ما من عبد الا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فاما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، واما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة، ويبني بيته الذي في النار، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار لانهم اطاعوا ربهم عز وجل بل ابلغ من هذا ايضا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديا او نصرانيا فيقال هذا فكاكك من النار"، فاستخلف عمر بن عبد العزيز ابا بردة بالله الذي لا اله الا هو ثلاث مرات ان اباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: فحلف له (اخرجه مسلم عن ابي بردة عن ابيه مرفوعا). قلت: وهذه الاية كقوله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا}، وكقوله: {وتلك الجنة التي اورثتموها بما كنتم تعملون} وقد قال مجاهد: الجنة هي الفردوس، وقال بعض السلف: لا يسمى البستان الفردوس الا اذا كان فيه عنب، فالله اعلم.
|
19 |
32 |
احاديث |
24 - سورة النور
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات لعلكم تذكرون
- 2 - الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
% يقول تعالى هذه السورة انزلناها، فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها {وفرضناها} قال مجاهد: اي بينا الحلال والحرام والامر والنهي والحدود، وقال البخاري: ومن قرا {فرضناها} يقول: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم، {وانزلنا فيها ايات بينات} اي مفسرات واضحات {لعلكم تذكرون}، ثم قال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} يعني هذه الاية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد وللعلماء فيه تفصيل، فان الزاني لا يخلو اما ان يكون بكرا وهو الذي لم يتزوج، او محصنا وهو الذي وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل، فاما اذا كان بكرا لم يتزوج فان حده مائة جلدة كما في الاية، ويزاد على ذلك اما ان يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء، خلافا لابي حنيفة رحمه الله فان عنده ان التغريب الى راي الامام ان شاء غرب وان شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين في الاعرابيين اللذين اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احدهما: يا رسول الله ان ابن هذا كان عسيفا - يعني اجيرا - على هذا، فزنى بامراته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسالت اهل العلم فاخبروني ان على ابني جلد مائة وتغريب عام وان على امراة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله تعالى: الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، واغد يا انيس - لرجل من اسلم - الى امراة هذا، فان اعترفت فارجمها" فغدا عليها فاعترفت فرجمها (اخرجاه في الصحيحين عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهني). وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة اذا كان بكرا؛ فاما اذا كان محصنا فانه يرجم، كما روى الامام مالك.
عن ابن عباس ان عمر قام فحمد الله واثنى عليه ثم قال: "اما بعد ايها الناس فان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وانزل عليه الكتاب، فكان فيما انزل عليه اية الرجم فقراناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فاخشى ان يطول بالناس زمان ان يقول قائل: لا نجد اية الرجم في كتاب الله، فيضنوا بترك فريضة قد انزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا احصن من الرجال ومن النساء اذا قامت البينة او الحبل او الاعتراف" (اخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا). وفي رواية عنه: "ولولا ان يقول قائل او يتكلم متكلم ان عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لاثبتها كما نزلت" (اخرجه الامام احمد والنسائي). وقال ابن عمر: نبئت عن كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد فقال زيد بن ثابت: كنا نقرا: الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة، قال مروان: الا كتبتها في المصحف؟ قال: ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب، فقال: انا اشفيكم من ذلك، قال، قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر كذا وكذا الرجم، فقال: يا رسول الله اكتب لي اية الرجم، قال: "لا استطيع الان"، هذا او نحو ذلك (اخرجه الحافظ الموصلي عن محمد بن سيرين). وهذه طرق كلها متعددة متعاضدة، ودالة على ان اية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به والله اعلم. وقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المراة لما زنت مع الاجير، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماعزا) و(الغامدية) ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه جلدهم قبل الرجم، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء، واليه ذهب ابو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله؛ وذهب الامام احمد الى انه يجب ان يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للاية والرجم للسنة، كما روى الامام احمد واهل السنن عن عبادة ابن الصامت قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
وقوله تعالى: {ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله} اي في حكم الله اي لا ترافوا بهما في شرع الله، وليس المنهي عنه الرافة الطبيعية على ترك الحد، وانما هي الرافة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك، قال مجاهد {ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله} قال: اقامة الحدود اذا رفعت الى السلطان فتقام ولا تعطل، وقد جاء في الحديث: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"، وفي الحديث الاخر: "لحد يقام في الارض خير لاهلها من ان يمطروا اربعين صباحا"، وقيل: المراد {ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله} فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن الماثم، وليس المراد الضرب المبرح، قال عامر الشعبي: رحمة في شدة الضرب، وقال عطاء: ضرب ليس بالمبرح، وقال: هذا في الحكم والجلد يعني في اقامة الحد وفي شدة الضرب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر: ان جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها، قال نافع: اراه قال: وظهرها، قال، قلت: {ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله} قال: يا بني ورايتني اخذتني بها رافة ان الله لم يامرني ان اقتلها، ولا ان اجعل جلدها في راسها، وقد اوجعت حين ضربتها، وقوله تعالى: {ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر} اي فافعلوا ذلك واقيموا الحدود على من زنى وشددوا عليه الضرب، ولكن ليس مبرحا، ليرتدع هو من يصنع مثله بذلك، وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة انه قال: يا رسول الله اني لاذبح الشاة وانا ارحمها، فقال: "ولك في ذلك اجر"، وقوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} هذا فيه تنكيل للزانيين اذا جلدا بحضرة الناس، فان ذلك يكون ابلغ في زجرهما، وانجع في ردعهما، فان في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة اذا كان الناس حضورا، قال الحسن البصري في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}: يعني علانية، والطائفة الرجل فما فوقه، وقال مجاهد: الطائفة الرجل الواحد الى الالف، وكذا قال عكرمة ولهذا قال احمد: ان الطائفة تصدق على واحد، وقال عطاء بن ابي رباح: اثنان، وقال الزهري ثلاثة نفر فصاعدا، وقال الامام مالك: الطائفة اربعة نفر فصاعدا، لانه لا يكفي شهادة في الزنا الا اربعة شهداء فصاعدا، وبه قال الشافعي، وقال الحسن البصري: عشرة، وقال قتادة: امر الله ان يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين: اي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا.
|
20 |
21 |
احاديث |
25 - سورة الفرقان
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
- 2 - الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا
% يقول تعالى حامدا لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القران العظيم، كما قال تعالى: {الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب}، وقال ههنا: {تبارك} وهو تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة، {الذي نزل الفرقان} نزل فعل من التكرر والتكثر، كقوله: {والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل} لان الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة، والقران نزل منجما مفرقا مفصلا ايات بعد ايات، واحكاما بعد احكام، وسورا بعد سور، وهذا اشد وابلغ واشد اعتناء بمن انزل عليه، كما قال في هذه السورة: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القران جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} ولهذا سماه ههنا الفرقان لانه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وقوله: {على عبده} هذه صفة مدح وثناء، لانه اضافه الى عبوديته، كما وصفه بها في اشرف احواله وهي ليلة الاسراء فقال: {سبحان الذي اسرى بعبده ليلا}، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة اليه {وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}، وقوله: {ليكون للعالمين نذيرا} اي انما خصه بهذا الكتاب المفصل العظيم المبين المحكم الذي {لا يايته الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} الذي جعله فرقانا عظيما ليخصه بالرسالة الى من يستظل بالخضراء ويستقل على الغبراء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت الى الاحمر والاسود"، وقال: "وكان النبي يبعث الى قومه خاصة والى الناس عامة"، كما قال تعالى: {قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا} الاية، وهكذا قال ههنا: {الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك} ونزه نفسه عن الولد وعن الشريك، ثم اخبر انه {خلق كل شيء فقدره تقديرا} اي كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه، ومليكه والهه، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.
|
21 |
30 |
احاديث |
26 - سورة الشعراء، ووقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتها سورة(الجامعة).
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - طسم
- 2 - تلك ايات الكتاب المبين
- 3 - لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين
- 4 - ان نشا ننزل عليهم من السماء اية فظلت اعناقهم لها خاضعين
- 5 - وما ياتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا كانوا عنه معرضين
- 6 - فقد كذبوا فسياتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون
- 7 - اولم يروا الى الارض كم انبتنا فيها من كل زوج كريم
- 8 - ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين
- 9 - وان ربك لهو العزيز الرحيم
% اما الكلام على الحروف المقطعة في اوائل السور فقد تكلمنا عليه في اول تفسير سورة البقرة، وقوله تعالى: {تلك ايات الكتاب المبين} اي هذه ايات القران المبين، اي البين الواضح الجلي، الذي يفصل بين الحق والباطل والغي والرشاد، وقوله تعالى: {لعلك باخع} اي مهلك {نفسك} اي مما تحرص وتحزن عليهم {الا يكونوا مؤمنين}، وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم ايمان من لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}، كقوله: {فلعلك باخع نفسك على اثارهم} الاية. قال مجاهد وعكرمة {لعلك باخع نفسك}: اي قاتل نفسك، ثم قال تعالى: {ان نشا ننزل عليهم من السماء اية فظلت اعناقهم لها خاضعين} اي لو نشاء لانزلنا اية تضطرهم الى الايمان قهرا، ولكن لا نفعل ذلك لانا لا نريد من احد الا الايمان الاختياري، وقال تعالى: {ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا}، وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة} الاية، فنفذ قدره ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بارسال الرسل اليهم وانزال الكتب عليهم، ثم قال تعالى: {وما ياتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا كانوا عنه معرضين} اي كلما جاءهم كتاب من السماء اعرض عنه اكثر الناس كما قال تعالى: {وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، وقال تعالى: {كلما جاء امة رسولها كذبوه} الاية. ولهذا قال تعالى ههنا: {فقد كذبوا فسياتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون} اي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبا هذا التكذيب بعد حين، ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره، وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الارض وانبت فيها من كل زوج كريم، من زروع وثمار وحيوان، قال الشعبي: الناس من نبات الارض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم، {ان في ذلك لاية} اي دلالة على قدرة الخالق للاشياء، الذي بسط الارض، ورفع بناء السماء ومع هذا ما امن اكثر الناس، بل كذبوا به وبرسله، وقوله: {وان ربك لهو العزيز} اي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه، {الرحيم} اي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم ياخذه اخذ عزيز مقتدر، قال ابو العالية: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف امره وعبد غيره الرحيم بمن تاب اليه واناب.
|
22 |
25 |
احاديث |
27 - سورة النمل
|
بسم الله الرحمن الرحيم.
- 1 - طس تلك ايات القران وكتاب مبين
- 2 - هدى وبشرى للمؤمنين
- 3 - الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون
- 4 - ان الذين لا يؤمنون بالاخرة زينا لهم اعمالهم فهم يعمهون
- 5 - اولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الاخرة هم الاخسرون
- 6 - وانك لتلقى القران من لدن حكيم عليم
% قد تقدم الكلام في سورة البقرة على الحروف المقطعة في اوائل السور، وقوله تعالى: {تلك ايات} اي هذه ايات {القران وكتاب مبين} اي بين واضح، {هدى وبشرى للمؤمنين} اي انما تحصل الهداية والبشارة من القران، لمن امن به واتبعه وصدقه وعمل بما فيه، واقام الصلاة
المكتوبة، واتى الزكاة المفروضة، وايقن بالدار الاخرة، والبعث بعد الموت، والجزاء على الاعمال خيرها وشرها، والجنة والنار، كما قال تعالى: {قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر} الاية، وقال تعالى: {لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا}، ولهذا قال تعالى ههنا: {ان الذين لا يؤمنون بالاخرة} اي يكذبون بها ويستبعدون وقوعها، {زينا لهم اعمالهم فهم يعمهون} اي حسنا لهم ما هم فيه، ومددنا لهم في غيهم، فهم يتيهون في ضلالهم، كما قال تعالى: {ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة} الاية، {اولئك الذين لهم سوء العذاب} اي في الدنيا والاخرة {وهم في الاخرة هم الاخسرون} اي ليس يخسر سواهم من اهل المحشر، وقوله تعالى: {وانك لتلقى القران من لدن حكيم عليم} اي {وانك} يا محمد {لتلقى} اي لتاخذ {القران من لدن حكيم عليم} اي من عند حكيم عليم اي حكيم في امره ونهيه، عليم بالامور جليلها وحقيرها، فخبره هو الصدق المحض، وحكمه هو العدل التام، كما قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}.
|